23 ديسمبر، 2024 10:41 ص

كان ولم يعد رفسنجاني يخرق المحضور وخامنئي يوعز بالتصدي له

كان ولم يعد رفسنجاني يخرق المحضور وخامنئي يوعز بالتصدي له

بات صراع العقارب المتصاعد التوتر والتقاطع كمشهد مظلم على خلفية مهزلة الانتخابات المعدة للانطلاق قريبا سمة الراهن اليومي وحديث الشارع الايراني الذي يتحفز للانقضاض على منظومة ولاية الفقيه السلطوية منتظرا ترجمة عراك عقارب النظام الى تهاوي اعمدة النظام او تهاونها ليكنسه الى مزبلة التاريخ ويكتب عليها مفردة كان ولم يعد
والسمة التي باتت معلنة وصادمة تتجلى في هجوم رفسنجاني المباشر على قدسية موقع الولي الفقيه ( المرشد ) والدعوة لاستبداله بما يشبه اللجنة او مجلس الحكم والارشاد ،الامر الذ الب عليه خامنئي وعصابته ويمثل رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، ورئيس الجمهورية السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، مصالح طبقية اقتصادية وسياسية داخل بنية النظام في إيران وامتداداتها في المجتمع، أهّلته إلى لعب دور تاريخي مميز، خصوصاً في فترة الأزمات، بحكم قدرته على إدارتها لكونه عنصر توازن في السلطة؛ هذا من جهة. وأيضاً، على صعيد السياسة الخارجية عبر اعتماده اسلوباً دبلوماسياً قائماً على ثنائية المرونة والتصلب لتحقيق مكانة اقليمية لإيران من خلال محاور الصراع الشرق أوسطية، من جهة ثانية.
على هذا الأساس، يحظى تصريح رفسنجاني الأخير بأهمية عالية، والذي أفصح خلاله عن “تعيين لجنة تُعنى بالبت بأهلية المرشحين لمنصب المرشد الأعلى، في حال وقوع حوادث معينة” ( حوادث معينة المقصود منها وفاة خامنئي التي يؤكد المقربون منه انها باتت وشيكة ). ما أطلق الجدل الواسع حول الطبيعة المستقبلية لموقع المرشد وآليات انتخابه، مما يفتح المجال للحديث جدياً في ما يتعلق بقدرة خامنئي على الاضطلاع بمسؤولياته نتيجة الأزمات الصحية التي تعرض لها في الفترة الأخيرة.
بذلك، تكتسي انتخابات مجلس الخبراء المتزامنة مع انتخابات مجلس الشورى (البرلمان)، طابعاً سياسياً غير مسبوق، ناجماً عن شمول الاستقطاب الحزبي السياسي المتفاقم الحدة للأطر المؤسساتية الإيرانية كافة.
تصريحات رفسنجاني عبّرت عن استحقاق دستوري، يدفع باتجاه تشكيل لجنة مكوّنة من بعض أعضاء مجلس الخبراء للنظر في أهلية المرشحين لمنصب المرشد، في حال غياب المرشد الحالي. وبذلك يتوخى رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام إجهاض محاولات التيار اليميني المقرب من المرشد لتسمية خلف للأخير.
وتداركاً لمأزق الإختلاف على شخصية المرشح الجديد للمنصب، دعا رفسنجاني إلى تبني “شورى قيادية” لتأليف مجلس قيادي من ثلاثة أشخاص، يختارهم مجلس الخبراء لتولي منصب المرشد، وما يفترض ذلك من تعديل دستوري يتيح المجال لتقليص صلاحيات مؤسسة القيادة (المرشد)، لصالح المؤسسات الديموقراطية المنتخبة شعبياً، وتحديداً رئاسة الجمهورية والبرلمان.
رفسنجاني، في معرض حديثه عن “مواصفات المرشد”، أصرّ على ضرورة أن يكون ممثلاً “لكل الإيرانيين، مسلمين وغير مسلمين، يساريين ويمينيين”، في إشارة بالغة الدلالة إلى عدم أدلجة وحيادية منصب المرشد إزاء صراعات التيارات السياسية الإيرانية في الساحتين الداخلية والخارجية.
وفي إشارة إلى اليمين المتطرف، لفت رفسنجاني إلى تغول “المتطرفين” في أجهزة الدولة، متهماً إياهم بإعاقة إتمام الصفقة النووية الهادفة للإلغاء التام للعقوبات، ومحاولة إبطائها لما بعد انتخابات البرلمان ومجلس الخبراء في شهر شباط الحالي .
وحول أهمية مجلس الخبراء، أكّد رفسنجاني على الصلاحيات الرقابية للمجلس على أداء المرشد والمؤسسات التابعة له، داعياً إلى إعادة النظر بالقوانين الداخلية، المتعلقة بعلاقته مع المرشد، بهدف تكريس وظيفته الأساسية التي أناطها الدستور الإيراني به.
في السياق، لم يتفادى رئيس الجمهورية حسن روحاني في ظهور مهرجاني له الأسبوع الماضي، أية مؤسسة من المساءلة، في ظل تنويهه الساخر إلى “عدم وجود القدرة الآن على مساءلة بعض الهيئات”، في إشارة إلى المرشد الأعلى، مما دفع رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، إلى اعتبار إخضاع المرشد للرقابة أو الإشراف محاولة “غير قانونية وبلا أساس”.
ويبدو أن منسوب الاحتقان السياسي بين المكونين السياسيين المحافظ والمعتدل (المدعوم من قبل الاصلاحيين ما يسمون انفسهم وهم عصابة رفسنجاني – روحاني )، وصل إلى حدود المراهنة على الإنتخابات البرلمانية، وانتخابات مجلس الخبراء، لتحديد ملامح النظام الإيراني برمته مستقبلاً، في مسار بلورة ميزان قوى دقيق يحكم السلوك السياسي لمختلف التيارات. بينما في المقابل، تتمتع المؤسسة العسكرية المُمَثلة عملياً بالحرس الثوري بمساحة نفوذ واسعة، متغلغلة في مجمل النشاط الإقتصادي والسياسي والأمني، مع فعالية دورها في صياغة القرار السياسي على مستوى السياسة الخارجية، نتيجة انخراطها المتمادي في محاور صراع عسكرية على صعيد المنطقة.
لكن السؤال الإشكالي الذي يلح على تعميق البحث يكمن في مدى قدرة المسار السياسي الإيراني على احتواء الحرس الثوري وأدواره ؟
وفي ذات السياق طالب خامنئي بالتصدي لرفسنجاني وتياره،في حين اوردت وكالة ايرنا تصريحا لروحاني قال فيه ان المجلس ملك للأمة وليس لتيار معين وقد شهدت الساحة السياسية الإيرانية موجة من المواقف والمواقف المضادة، تجسيداً لحدة الاستقطاب المتفاقم بين المحافظين والإصلاحيين، ازاء قرارت مجلس صيانة الدستور الرافضة لأهلية ٩٩ في المئة من مرشحي التيار الاصلاحي، واستبعاد حفيد الخميني، حسن الخميني، عن سباق انتخابات مجلس الخبراء، التي تتزامن مع انتخابات البرلمان في ٢٦ من الشهر الحالي.
هذه الخطوة عبّرت عن أزمة التيار اليميني غير الواثق من فرص نجاحه في الانتخابات المقبلة أمام منافسه الاصلاحي، مما اضطره للجوء الى المؤسسات الدستورية لتقييد التحركات السياسية للتيارين المعتدل والإصلاحي، بإجهاض اندفاعهما الهادف إلى حصد المزاج السياسي الشعبي لصالحهما، عقب إتمام الصفقة النووية ورفع العقوبات، وما أتاحه ذلك من كسر للعزلة الدولية التي عاشتها ايران خلال العقد الأخير.
وقد حاول المرشد الأعلى علي خامنئي في ظهور له قبل اكثر من اسبوع، حث الشارع الايراني على رفع منسوب مشاركته في الانتخابات المرتقبة “كضرورة وطنية تتجاوز الاختلافات الفكرية”، داعياً معارضي النظام الى الإدلاء بأصواتهم التي اعتبرها هامة في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البلاد.
ولكن كثرة التأويلات والنقاشات التي أُثيرت إعلامياً وما أفرزته من مناخ سياسي جرى خلاله الترويج “لمرونة القائد بل حتى ديموقراطيته”، دفعت بالاخير الى تدارك الموضوع وإعادة تصويبه في الاتجاه المحافظ عبر اعتباره أن “من يدخل المجالس التمثيلية عليه أن يكون مؤمناً بالنظام السياسي”، مما عزز موقف مجلس صيانة الدستور -المرجع القانوني للبت بأهلية المرشحين- في خوض معركة حجب الصلاحيات عن الذين يجري تفتيش عقائدهم للنظر في عمق إيمانهم بنظام الجمهورية الاسلامية، وبالتالي ولائهم لولاية الفقيه الممثلة بالمرشد خامنئي.
ولمجلس صيانة الدستور سلطات غير مقيدة تعتمد الاساس الدستوري في عملية تكوينه من ٦ فقهاء (رجال دين) يعينهم المرشد، و٦ متخصصين قانونيين يقترحهم رئيس السلطة القضائية المعين بدوره من قبل المرشد، مما يمكّن الأخير من الهيمنة الكلية على مقررات المجلس وطبيعة سياساته.
وقد اثار سلوك مجلس صيانة الدستور بمصادرة “حق” المعتدلين والإصلاحيين في المشاركة بالانتخابات، وتحديداً منع حسن الخميني من الترشح، غضب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني مستثمراً ذكرى عودة الخميني المؤسس من منفاه الباريسي الى طهران، بغية تقييد سلطة مجلس صيانة الدستور الذي طعن في شرعية وظيفته الرقابية مخاطباً أعضائه: “من قرر أنكم مؤهلون للحكم على الآخرين؟”، فيما حذّر من “تكرار سيناريو احداث ٢٠٠٩” التي أطلقت انتفاضة شعبية في اغلب مدن ايران، في إشارة تحدٍ انطوت حسب المراقبين على جرأة غير مسبوقة على شخصية المرشد خامنئي، ومشروعية المؤسسات المرتبطة به.
وفي سياق استحضاره لمنجزات الخميني الجد، عرض رفسنجاني “مفارقة” لخصها: “بعدم الوفاء لأسرة الامام الخميني التي قدمت التضحيات، وبرد صلاحية حسن الخميني الأشبه لجده”. وقد علل مجلس صيانة الدستور رفضه لترشح حسن الخميني لانتخابات المجلس، “بغير المؤهل دينياً”، كمعيار أساسي يفتقده الخميني الحفيد كمرشح لخلافة خامنئي، للوصول إلى مجلس الخبراء الذي يتعرض لعملية تسييس غير مسبوقة من قبل المكونات السياسية المتصارعة، نجمت عن الشكوك التي تحيط بصحة المرشد وقدرته على ممارسة مهامه في المستقبل القريب، مما يرتب على المجلس تفعيل وظيفته التاريخية والشديدة الحساسية بانتخاب خلف للمرشد الحالي.
وفي لقاء تلفزيوني قبل ايام، ساند الرئيس الإيراني حسن روحاني موقف رفسنجاني، عبر تنديده بقرارات مجلس صيانة الدستور واصفاً إياها “بالمجحفة”، حيث اعتبر أن “المجلس ملك للأمة وليس لتيار معين”.
بعد إتضاح خطوط الفصل المتوترة بين الفريقين السياسيين، قال نائب مندوب المرشد في الحرس الثوري عبدالله حاجي صادقي إن رفسنجاني “أشبه بالعدو”، كما ذهب مساعد مندوب المرشد في الحرس الثوري مجتبى ذوالنور، الى حد القول “برأفة النظام” التي منعت زجّ أمثال رفسنجاني في السجون.
و لتصريح المرشد، الليلة الماضية، أثناء لقائه مع رئيس مجلس الأمن القومي علي شمخاني، الداعي لمواجهة “التيار غير الثوري” في الداخل، دلالة بالغة الأهمية كونها تحمل رسالة تهديد للقوى التي يتزعمها رفسنجاني لتذكيرها بمآلات الحركة الخضراء عام ٢٠٠٩، ومصير قادتها القابعين تحت الإقامة الجبرية؛ إذا قال خامنئي إن “هنالك من يعارض الفكر الثوري منذ انتصار الثورة الإسلامية، والبعض الآخر ورغم أنه كان في هيكلية النظام إلا أنه لا يؤمن بمقارعة الاستكبار، فعلينا التصدي لهذا التيار”. وهي رسالة تأييد للتيارات المتشددة، وتحديداً للحرس الثوري وتحميله مسؤولية الدفاع عن النظام ضد التحديات المرجحة للانفجار عقب انتهاء الانتخابات وتبلور ميزان قوى يحدد فاعلية الأطراف السياسية وجدارتها في فرض رؤيتها على مستقبل ايران.