23 ديسمبر، 2024 5:21 ص

كانت مأساة بحق واخشى من المهزلة القادمة

كانت مأساة بحق واخشى من المهزلة القادمة

لست ماركسيا ولكني استشهد فقط بمقولة ماركس كمفكر حيث يقول ماركس إنّ التاريخ يعيد نفسه مرتين, مرة على شكل مأساة, ومرة على شكل مهزلة. وما نراه الآن هو المهزلة”
ففي عام ١٩٧٧ عندما كنت طالبا في اعدادية قتيبة المشهورة كأشهر من نار على علم في زمن كان فيه العراق في قمة الازدهار الاقتصادي والعلمي والزراعي وفي كل جوانب الحياة الذي يحسد عليه العراق من كل دول الجوار, الا في الجانب السياسي وسيطرة الحزب الواحد حيث تاخذ عليه كسلبية في الديمقراطية وحرية الراي, اعلنت السلطة اقامة جبهة وطنية تضم حزب البعث والحزب الشيوعي حيث استبشر الجميع خيرا في هذا لتوحيد الصف وتعديل المسيرة العرجاء لحزب دكتاتوري.
لم يكن يعنينا هذا في شيئ لان اهتماماتنا لا تتجاوز المواضبة على الدرس وقراءة الكتب الادبية وحواراتنا البسيطة كبساطة الحياة في تلك الفترة وممارسة الهوايات الفعالة في تلك الفترة من لعب الشطرنج والفنون النشكيلية وغيرها, كان رئيس الاتحاد الوطني لطلبة العراق في اعدادية قتيبة بعثيا معروف “يشغل الان منصبا دينيا رفيعا” عندما اعلنت الجبهة الوطنية اقامة انتخابات ديمقراطية حرة يشارك فيها الجميع. كان رئيس الاتحاد متحمسا ونشطا ويعمل يد بيد مع الشيوعيين بكل همه من اجل انجاح التجربة الديمقراطية وترسيخ حرية الرأي والفكر وبناء البلد.
في ساحة قريبة من جامع سيد حسين في قطاع واحد كانت تدور معركة هائلة كمعركة الديكة وسط دائرة مغلقة من الناس المتجمهرة حول البطلين الذين يمثلان حزبين في الجبهة الوطنية احدهم (غ) يمثل الحزب الشيوعي و(م) يمثل البعثيين انذاك علما ان المتصارعين لم يكونا سوى شقاوات من اشقيائية بغداد ولكن قوة السلطة وجبروت البعثيين وعسس الامن والتعذيب في السجون حجم من عملهم واجبرهم على الانضمام الى احد الحزبين في الجبهه او الابطال الهوليوديون لكل حزب في تلك المنطقة التي تمثل المدخل لمدينة تعتبر في المصطلع الذي ساد بعد ٢٠٠٣ بشدة ورد من حيث تعددها الديني والمذهبي والفكري والثقافي. والطرف الثالث (ه) او هو اشبه مايكون حكم في حلبة مصارعة ولكنه ينحاز الى (م) البعثي لانه كان بعثيا, انتهت المعركة الدامية بعد ان حلقت سكين في الهواء قذفت من قبل (ه) باتجاه م الذي كان مدربا لالتقاطها والانقضاض على خصمه (غ) الذي نقل الى المستشفى بسيارة اسعاف في حين القت الشرطة على البعثي م واودعته السجن ليوم واحد فقط.
اجريت الانتخابات بكل سهولة ويسر وفي نفس اليوم اعلنت النتائج حيث لم يكن يعرف انذاك مبدأ التزوير المنتشر بشكل هائل في ايامنا هذه وفاز الشيوعيين في تلك الانتخابات الطلابية واقامو احتفالات واسعة في كل انحاء العراق, في ذلك اليوم استمرت الاحتفالات حتى وقت متاخر من الليل وكل احتفل على طريقته الخاصة! على امل بزوغ صباح جديد خالي من الدكتاتورية وليباشروا في مشروعهم الاصلاحي في اليوم التالي.
طغى اللون الاحمر على شوارع بغداد في اليوم التالي حيث سنن النيران تلتهم مكاتب الاتحاد الوطني لطلبة العراق في اغلب المناطق وانتشرت قوى الامن الداخلي لتعتقل جميع الشيوعيين بتهمة الاهمال وعدم حماية مكاتبهم من المخربين الخارجين عن القانون وفسح الفرصة امام العملاء من خارج الحدود, زجت اعداد هائلة منهم في السجون وهرب الكثير منهم خارج العراق وعاد البعث وعاد رئيس الاتحاد الوطني في اعدادية قتيبة الى مكتبه.
واليوم نستبشر خيرا بوعي المواطن العراقي في حقه بالتصويت ورفض الفاسدين بعد ان يأس المواطن من فساد المتسلطين عليه وسرقة الاموال الهائلة خلال خمس عشر سنة وانهيار في كل جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والزراعية وانكسار النفسية العراقية المتطلعة دائما للخير والازدهار, شخصيا كنت أأمل ان ارى الحزب الشيوعي في قائمة مستقلة ليحصد الاصوات من وجوه اتعبها الجوع والحرمان ومسالمين هاجرو طائعين الى مختلف البلدان ومن عوائل طأطئو روسهم لاغتصاب بناتهم و حللت اعراضهم وسلبت اموالهم ومنازلهم.
جميع الاحزاب في السلطة مسؤولين عن هذه الانتهاكات بلا استثناء حتى اصبح العراقي يبحث عن ملاذ له من غير احزاب السلطة, حسم امره بانتخاب سائرون حيث الحزب الشيوعي لايمثل سوى ٢٤٪ فاز ب ١٣ مقعد من مجموع مقاعد سائرون ٥٤ مقعد.
كانت مأساة بحق واخشى من المهزلة القادمة.