تلونت البرامج التي أنتجتها فضائياتنا لهذا الموسم الرمضاني من أجل كسب مشاهدة أوسع ولإمتاع الناس حتى تشابكت وتداخلت فحار الناقد أيّها يختار لتشريحها وربما كان القاسم المشترك لكل هذه البرامج هو الترفيه والمتعة كهدف نجح البعض في تحقيقه وبنسب متفاوتة بين برنامج وآخر وبين فضائية واخرى وبرزت على السطح نسخ هابطة من الكاميرا الخفية بصناعة وافكار محلية فلم تكن هناك متعة حقيقية او نقد لظاهرة اجتماعية ما بل كانت عبارة عن فكرة مكررة مملة لثلاثين مرة رغم تغير وجوه المخدوعين وهذا حدث في اكثر من فضائية وربما اصبحت من برامج الحشو غير المهمة وقد تؤثر سلبا على أية فضائية تتبنى انتاجها كحال البرامج الرتيبة ذات الجمهور المحدود ، ولابد هنا من ذكر بعض القواعد العامة عرفاً التي خالفتها هذه الكاميرا من خلال عدة ملاحظات سجلناها :
1- وجدت الكاميرا الخفية لإمتاع الضحية (إن إتفقنا على مصطلح الضحية) وإضحاكه مع ابتسامة الجمهور وليس لإضحاك الجمهور عليه .
2- يفترض تهيئة ضحية المقلب نفسيا بزمن بسيط يستغرق ثوانٍ فقط في حين شاهدنا فريق العمل يهيئ الضحية ويرتب الموقف لأكثر من ربع ساعة على الأقل وهذا يدل على قصور الإعداد .
3- طول زمن الحلقة لنصف ساعة او اكثر لمخدوع واحد يجعلها رتيبة ومملة في حين ان الموقف المضحك يؤدي غرضه وهدفه بدقيقة او أقل .
4- المشهد والموقف نفسه يتكرر لثلاثين حلقة وبالسيناريو نفسه رغم تغيّر وجه الضحية وهذا يعني جفافا في الافكار .
5- الملاحظ أن الوجوه الفنية نفسها تتكرر في اكثر من فضائية وكأن العمل هو تبادل أدوار أو رد جميل أو إتفاق فبرنامج هذه الفضائية يستضيف الفنان وهو بدوره يستضيف الآخر وكأن الساحة قد خلت الاّ من هؤلاء .
6- وجدنا فريقا يضحك اكثر من الجمهور والضحية وكأنها مكيدة وقصد الإهانة ، بل أن أحد اعضاء الفريق في إحدى الفضائيات كان يتصنع الضحك المنفلت واللامبرر لإضحاكنا .
7- تكرار مشهد إبراز الخوف واهتزاز الشخصية لدى اكثر الضحايا وهذا استغلال للعواطف الانسانية يؤثر سلبا على نسبة المشاهدة لدى شريحة المثقفين والواعين لحقوق الانسان .
8- تجاوزت كاميراتنا الخفية خطوطا حمرا كان الأوْلى ان لا تصل اليها مثل الشتيمة والسب والكلمات النابية التي وإن أدخل عليها مؤثر صوتي فهي تفضح مطلقها وسلوكه المتدني وهو أمر شخصي وخاص جدا .
9- فلسفة اللعبة تعتمد على كشف ردة الفعل للضحية بشكل لا يسيء اليه والى مظهره او وضعه النفسي او شخصيته وللأسف رضي البعض بأن يكون بهذا المنظر.
بعد أن وعت بعض المجتمعات هذه الحقائق فإن روسيا منعت إنتاج الكاميرا الخفية نهائيا عام 1995 بعد حادثة مقتل شخص بسببها في حين طالبت الجمعية المغربية لحقوق المشاهد القضاء بوقف بث حلقات الكاميرا الخفية لان البرنامج يسير عكس المصلحة العامة والسياسة الوطنية في احترام المواطن ويعرض السلامة البدنية للمواطن لمواقف مرعبة وليست فكاهية حسب ما أعلنت أما الأمارات العربية فقد حددت محاكم مختصة للنظر في دعاوى ضحايا الكاميرا الخفية للتعويض عن الضرر المادي أو المعنوي او الأدبي الناجم عن الموقف ، وليس بعيدا فقد هددت وزارة الاعلام الجزائرية خمس فضائيات محلية بسحب ترخيصها بسبب ما تحتويه الكاميرا الخفية من مشاهد عنف ، فلماذا نستهين نحن بمواطنينا ونهينهم ؟ هي دعوة ليس لمنعها في العراق بل لتطويرها بما يتلائم مع الذوق العام والذائقة التلفزيونية وأبجدياتها والتحرر من الملل والرتابة والحشو .