يبقى الهم العراقي ملازما لكل مغترب عراقي وطني غيور وكان الوضع كذلك طيلة حكم الدكتاتور الارعن الذي تسبب بحروبه العبثية تدمير العراق ناسا وشعبا وكان الحلم بفرصة بعد الخلاص من ذلك الحكم البشع على ايدي عراقية تتوفر فيها الامكانيات بإعادة بناء عراقي وطني ديمقراطي يوفر حقوق جميع مكوناته ولكن ما حصل كانت حرب جديدة مدمرة واحتلال امريكي بغيض اسقط الدكتاتور المجرم ولكن كان للاحتلال اجندته الخاصة خدمة لمصالحه ومصالح إسرائيل وذلك عبر تدمير العراق دولة وجيش ومؤسسات وتكريس التفرقة والطائفية وتركيب البلد على أسس المحاصصة والعمل بكل الوسائل على تغييب مبدأ المواطنة والوطنية .
تمر هذه الأيام ذكرى اغتيال الشهيد كامل شياع شهيد الثقافة العراقية الذي تمت تصفيته بأيدي غادرة جبانة مجرمة في 23 آب 2008 ولقد كان الشهيد كامل شياع من الذين قرروا ان يضعوا حياتهم على كفهم والعودة للوطن رغم ادراكه بالمخاطر التي تحيط هذا الخطوة والتي ارتبطت كما ارى برومانسية كبيرة لان العودةكانت حلم انتظره الكثيرين طويلا وكان للشهيد مشروعا ثقافيا يستهدف مجابهة الأفكار الظلامية المتخلفة بفكر منفتح يسلط الأضواء على الافكار التقدمية ذات التاريخ العريق في مسيرة العراق الثقافية ليعيد للثقافة العراقية دورها في تنوير المجتمع.
لقد اثبتت جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ووحشية إزالة جميع معالم الحضارة من الوجود في غزة من قبل إسرائيل والصهيونية المدعومة من قبل الولايات المتحدة على جميع الأصعدة اثبتت بان للحرية ثمن غالي كتب على شعوبنا ان تدفعه ولقد تعرض العراقيون منذ 2003 لمآسي وفواجع كثيرة وحروب إرهاب طائفية بغيضة تعرض فيها المئات من المثقفين والعلماء والأطباء والأساتذة وناشطي المجتمع المدني الى قتل ممنهج واغتيالات إضافة لعمليات الاختطاف والتغييب ومازال مصير الكثيرمنالمغيبين غير معروف لحد الان رغم مرور سنوات على اختطافهمولا ينبغي ان ننسى انتفاضة شباب العراق في أكتوبر 2019 الحالمين بعراق وطني ديمقراطي مبني على مبدأ المواطنة بعيداعن المحاصصة والطائفية متمثلا بشعار “أريد وطن” تلك الانتفاضة الباسلة التي استشهد فيها بطرق وحشية بشعة اكثر من ثمانمائة شابة وشاب إضافة لألاف المعوقين .
لم يكن بوسع القوى الظلامية الماضوية ان تتحمل نمو ونضوج مشروع الشهيد كامل شياع الثقافي، تلك القوى التي تنشر الخرافات والتخلف والفساد في المجتمع وهي تسيطر على كافة مناحي الحياة وتحرم الشعب العراقي من ابسط مستلزمات الحياة الكريمة وتقوم بإفقاره وحرمانه من التعليم المتقدم الذي تفسده بالشهادات المزورة وتزيد معاناته بفقدان الخدمات الصحية والمستشفيات والأدوية اللازمة للأمراض المنتشرة بشكل فظيع كالسرطان واثار التلوث الاشعاعي وكذلك النقص الحاد في الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء الصالح في حين تتم نهب أموال وخيرات الشعب من قبل فئة طفيلية متسلطة.
ان اغتيال الشهيد كامل شياع الحالم بعراق مختلف هو اغتيال للثقافة العراقية من قبل جماعات إرهابية منحطة متخلفة تعشعش في دهاليز الماضي وتسعى لديمومة الجهل والتخلف واستمرار مظاهر التفرقة والطائفية والفوضى والحقد على عكس ما كان يسعى اليه الشهيد وامثاله من الوطنيين الشرفاء رغم عدم تكافؤ الفرص اذ تملك تلك القوى السلطة والسلاح والمال وتستخدم أساليب الكذب والدجل في حين ليس لدى انصار الشهيد كامل شياع سوى الكلمة الحرة الشريفة الهادفة الى انتشال الأجيال الصاعدة من وضع ثقافي متخلف ولتفتح امامه فرص اللحاق بالعالم المتقدم المزدهر.
ان كامل شياع هو شهيد العراق والثقافة الوطنية التنويرية العراقية على يد المتخلفين الظلاميين المسلحين الذين يمنعون تقدم العراق سوية مع القوى الأجنبية من دول الجوار والاستعمار الذين ليس من مصلحتهم نهوض عراق مدني ديمقراطي ورغم مرور كل هذه السنوات الا ان أجهزة السلطة التنفيذية والقضائية فشلت بشكل ذريع في القبض على المجرمين وتقديمهم للمحاكمة لينالوا جزائهم العادل ليس فقط في هذه الجريمة، بل أيضا في المئات من جرائم اغتيال أصحاب الرأي والفكر التي قيدت ضد مجهول مع معرفة القتلة الحقيقيين.
نعم ان الشهيد كامل شياع لم يكن آخر شهيد وستبقى اسمه وتراثه نبراسا ينير درب العاملين لغد افضل