23 ديسمبر، 2024 2:38 م

كاظم اللايذ بين خفايا الخطاب وسلطة البوح

كاظم اللايذ بين خفايا الخطاب وسلطة البوح

الفواتح الاخبارية في أفق التناسب المشهدي
عند قراءة تجربة قصائد ديوان ( النزول الى حضرة الماء) للعزيز الشاعر كاظم اللايذ ، نعاين بأن مستوى عتبات الفواتح الشعرية في القصيدة ، تكاد ان تكون مشهدا توصيفيا راسخا في مكونات اخبارية حلولية ، على مستوى خاص من أفق التناسب المشهدي في أتون الخطاب النصي ، و تبعا لهذا فأننا دائما نلاحظ بأن عتبات الفواتح في قصيدة منجز هذا الشاعر ، ما هي ألا عناية مجازية و وصفية ، منصبة الى جهة موصولات شكلية ، تكون عادة متشعبة من منظومة

( خفايا / خطاب / بوح / وصف ) . و أحيانا تأتي القصيدة في متصوراتها الشعرية و في نسقية التشاكل المفرداتي لدى الشاعر ، كأنها أصوات ذاتية سائرة نوح كائنات صورية ، تهم النمو في حركية الدال المشهدي ، مما يجعلها تبدو كما لو أنها عروض حكائية ، صادرة من سراديب ذاكراتية و يومية ، ناتجة بوحيات زمنية ، راحت تحتويها الأحداث و الاتصالات و غيابات الوجوه و الأشياء الحميمة . ان شعرية

( كاظم اللايذ ) في ديوان قصائد ( النزول الى حضرة الماء ) ما هي ألا مجموعة فواتح توصيفية و انتقائية ، حبذت الكلام عن الأشياء ، بطريقة الحبكات و المحبوكات الاستعارية ذات الرؤى التمظهرية في أبعاد زمنية خطاب المخايلات و

التصاوير و المقاصد ، المتعاطية مع وظائف الاسترجاعية الضمائرية في كهوف الذات و وظائف مفهوم الراوي الضمني انطلاقا و اتحادا :

ياألهي . .

ها أنا أخرق

مثل البجع العالق في مستنقع الزيت

على رمل الخليج

و أمامي البحر ممتدا

و يأتيني على البعد هدير الناقلات .. ص32

ان الخطاب الاظهاري المجسد لروح هذه المقطعية هو

( ها أنا أخرق / و يأتيني / و أمامي ) . و هذه المداليل جاءتنا قرائيا ، مبنية على أساس مفردة عتبية ، مؤشرة و حملية الدلالة و الأدلة بفضل سننية الارتباطات مع دال لفظة

( يا ألهي ) و على هذا الشكل البوحي ، صرنا نتعرف بجملة تمفصلات الموجه الخطابي الرئيس في المقاطع الشعرية في القصيدة ، و هي تحث السير بدءا من الفاتحة الأولى في النص

( ألهي ) ثم الى حدود مؤولات الارتباط العضوي في الإباحة التشكيلية في قول النص . فعلى سبيل المثال ، نعاين مقاطع ما بعد الفاتحة القولية ، و التي تتكون من جملة الوسط ( مثل البجع / العالق في مستنقع الزيت ) ان حركية انشائية هذه العبارة ، تعد شرطا ضروريا في حدوث المتصل العاملي في صورية الأيقون التوصيفي في القصيدة ، و الذي بات مرتكزا على أفق ( المشبه / المشبه به / المرسل اليه / المتلقي ) و هذه التركيبة التزاوجية ، هي ما جعل عملية الاستثمار المشهدي في وجه المحكي الأول في الخطاب ، يقادم و يزاحم

مستوى صنع بديله الامكاني ، المرتقب من طرف دلائلية عبارة ( أنا أخرق ) فيما راح يدل هذا التوزع على مهادنة التعديل الاستكمالي في بناء الصورة العباراتية و الدلالية ، و التي جاءتنا بفعل مماثلات الموقع المقصدي ، مع شكل دال جملة ( على رمل الخليج ) و على هذا التكوين المشهدي و الانشائي من لعبة التشكيل المقطعي ، صارت لدينا التفاعلات المحورية في القصيدة ، خاضعة لملامسة تمثيل المصدر الخطابي الأول ، و الذي هو يشكل صورة المركز العنواني المتبع من طرف الباث في القصيدة ( يا ألهي + أنا أغرق = في مستنقع الزيت ) أما بالنسبة لباقي الافعال المقطعية كمثال

( البحر ممتدا / هدير الناقلات ) . فهذه المواضع التكوينية من الصوت المدلولي ، قد حلت بطريقة الاسترسال الانتشاري ، و ليس بطريقة علاقة الموضوع المنضبط توزيعيا و صوريا و دلاليا .

( مراحل شعرية الأدلة المحورية )

ان مرحلة معاينة دلائل قصيدة ( النزول الى حضرة الماء ) تتطلب من الناقد ، المزيد من النظر في جغرافية الاعتبارات المحورية و في تشاكلات إجرائية علاقات الخطاب و تجلياته و تموجاته و تلاعباته في كيفيات اللغة و المعنى و المقصدية و الدلالة و الحدود الشعرية ، فمثلا نعاين هذه المقاطع الشعرية ، لنكون حتى على دراية تطبيقية واضحة من شروحات الاهداف و المضامين :

تركت غرفتها

و أقتربت من جذع النخلة

هزتها ..

فتدلت منها سلة خوص

و بها نمرقة و ثياب

و عليها دمية قطن

تعقص نحو الخلف جديلتها

و تضم كتاب .. ص47

ان الفاتحة المتنية المؤدية الى محورية أفعال هذه القصيدة ، قد حلت تمهيدا متآلفا مع شظايا الدوال المندرجة مع تماسكات الدليل الايقوني المصدر مسبقا : ( تركت = غرفتها = اقتربت) و بهذه الحدود أضحى لنا مجال التحقق الاظهاري بشكل دلالة ( جذع النخلة ) أي بمعنى صار لدينا الآن فعل شروحات هذه الترسيمة ( تركت غرفتها = دليل : / و اقتربت = مقصد مكاني : / جذع النخلة = مدار توليدي : / هزتها = تماسك أيقوني : / خطاب / بوح ) و بهذه المجالية الاستشرافية نلاحظ بأن معادلة التكوين المحوري الصوتي ، قد صارت ترشح فضاء ما بين ( انسان + حي + ديمومة + علاقة ) و لكن تبقى عملية تشاكل الدلالة مع حقل الدليل ثم مع المحور المركزي تشكل حالة انتاج ضمني ، قياسا بمؤديات ضربات كوامل الخطاب العام : فما نوع هذه التصورات ؟ أهي معان متعددة في لغة الدال ؟ أم أنها محكية الاضداد الكبرى المهيمنة على مقولة المحور الملفوظي في منطقة و منطوقات الدليل ؟ . لعلنا لربما سوف نفتر إزاء هذه الاسئلة الضمنية في الوهلة الأولى ، و لكننا عندما نتابع باقي مقاطع خطوط النص ، لربما سوف نعرف ما وجه الأجابة عن هذه الاسئلة الاحاطية . في بداية المقاطع الاولى من القصيدة ، جاءتنا العتبة الافتتاحية بهذا القول الاستهلالي ( تركت

غرفتها ) ثم بعد ذلك وردت ألينا هذه الجملة ( و اقتربت من جذع النخلة ) مما يعني ان حالة التوليد المشهدي هنا ، مصدرها فعل هيمنة قادمة من دليل خطوات موصوف (تركت ) حيث تشكل بمثابة دالة تعريفية كما الحال في لفظة ( غرفتها ) ثم بعد ذلك تأتينا و بشكل مباشر جملة الحال الظرفي في هذه الترسيمة ( اقتربت + جذع = النخلة ) ثم بالتالي تواردنا لفظة الفعل التوكيدي المباشر ( هزتها ) لتكون بهذا الفعل ، مصدرية المقاطع تشكل فضاء تواصل نحو ( علاقة / أدلة / محورية / انتشار ) . أما حال جملة ( فتدلت منها سلة خوص ) فسوف تحاول ان تبرز لنا ، حالة من حالات الحصول التجاذبي مع عدسة كاميرا دال ( جذع النخلة ) . و بقدوم جملة اللاحق المقطعي

( و بها نمرقة و ثياب ) أضحى لنا المسار العباراتي و الدلالي على هيئة هذه الترسيمة التالية ( فتدلت = منها / سلة = خوص / تشاكل / نمرقة = مقام / ثياب = تركت / محور / = غرفتها ) . أما المقاطع الباقية كمثال مقطع ( و عليها دمية قطن ) و مقطع ( و تضم كتاب ) فهذه الدوال الاخيرة تكاد ان تكون حالة تشكيل تماثلية ، مع زمن مرجعية الثابت الفضائي و مع المتحول الصوري و مع دلالة و دليل ( جذع النخلة ) و ايقاعات سورة مريم النصرانية في القرآن .

(قصيدة العوالم الممكنة و فرضيات النص )

ان حالة و عنونة المقروئية لقصيدة منجز ( النزول الى حضرة الماء ) لابد لها من الاستناد التشفيري الى سياقات معلنة و مرئية ، تكون محكومة عادة داخل موجهات أساسية

من قصيدة فضاء الممكن القبولي ، والذي هو متآت من مصدرية : ( كشف الدليل / رواية التدلل / تراكب الأفق / قيود الجنس المروي / المتسق و المتعاقد / الانتشار في فرضيات المعنى ) . و بهذه المعاينات الاجرائية و التنظيرية وحدها ، سوف نقوم بتأويل فضاء قصيدة الشاعر اللايذ ، و بحدود شرطية نصية ، تسبقها مبأرات الادلة الذهنية و التنظيرية و التطبيقية :

هنالك ،

أرخي حزامي

و انضو ثيابي

و امشي الى حضرة الماء

يمسكني المعمدان السماوي

يسحبني للخضم العظيم .. ص74

ان روي الأشياء بمشهدية عناصر ( الزمن / المكان / الظرف) حيث تمفصلات خطاب هذه المقاطع ، و هي تقودنا نحو تشييد فعل قصدي جاهز من وراء حركية تلك الدوال السائرة نحو الممكن ، و الاخصاب التعاملي مع مديات عاملية محيط القصيدة ، فمثلا تواجهنا هذه الافتتاحية الاشارية نحو علامة مكانية مجهولة ( هنالك ) لتقودنا بعد ذلك بدورها الى موضعية الحال الظرفي المرسل ( أرخي حزامي ) و عبارة

( و انضو ثيابي ) ثم بالتالي تأتينا حلولية الدليل الادراكي و عبر المصدر المخصص و الحملية الاستكشافية للحالة الواقعة من زمن هذه الترسيمة ( و أمشي = حضرة الماء ) . ان الشاعر اللايذ و بحدود مجسات هذه الاداة المتنامية و بموجب العلاقة المجهولة ما بين ( دليل / مكان / فضاء ) أي بمعنى

ان مقولة القصيدة تتضح وفقا لهذه الترسيمة ( هنالك + حزامي + ثيابي = حملية دليل / يمسكني المعمدان + و أمشي = هنالك ) . لربما لا يعني قول القصيدة في هذه المقاطع بالضرورة الاشارية الى دالة مكانية محسوسة ، بقدر ما كان يلوح الشاعر الى حالة مؤولة من دليل تواصلي ، خال من حدود التعرف العيني المباشر ، فمثلا لعلنا نقول جدلا : ما هو عامل اظهارية ذلك الماء ؟ أهو الحدس النفسي ؟ أم هو التساؤل المدلولي من الشاعر ذاته و هو يوزع حركية الموجودات المائية و الشيئية ، نحو حضورياته اليومية في بلاغة الماء الشعري ؟ أم ان الشاعر من جهة أخرى كان يحاول ان يجعل من مائه ذلك مجسدا غائبا في دلالات اظهارية ، كقوله مثلا ( و أمشي الى حضرة الماء ) أو قوله الآخر ( يسحبني للخضم العظيم ) . ان مسارية دلائل هذه المقاطع بشأن ( حضرة الماء ) لربما هي من جهة هامة ، تعد مدارات محايثة في دليل ممكن الظهور و الوضوح ، و لكنه من جهة المعلوم ، بات موضوعا و مشارا مبهما في تعريف دلالة الاحتواء المعلومة ، أي بمعنى ان كاظم اللايذ حاول في هذه القصيدة ، أعطاء الخطاب ملامح ممكنة بمعلومية ايقونية

( حضرة الماء ) و لكن هذه الاخبارية الايقونية ، بقية في تمظهرات الفرضيات الاستجابية مع مصدرية المؤول ، كما لو أنها أشكال بلاغية مقصورة على أدنى درجات مظاهر الممكن الدلالي في خطاب القصيدة : و في الختام أقول مجددا : كان الشاعر العزيز كاظم اللايذ دائما هو الحاذق و الماهر في اعدادية المقامات النصية المميزة ، و الى حد وصوله الى منجز ( النزول الى حضرة الماء ) حيث القصائد تبدو فيه خفايا خطابية في زوايا سلطة البوح الراحل في النزول نحو دلالات و معايير و اصوات تموجات حضرة القصيدة المائية

في مقولات شواطىء الفواتح الاخبارية المنصبة في أفق التناسب المشهدي المتسامي وصفا و تماسكا و قصدا .