18 ديسمبر، 2024 11:19 م

إن كل التصريحات التي يهلوس بها مسؤولونا المرتدون زي السياسة، والبيانات التي يصدرها أولو الأمر والنهي والبت والحكم، والإدلاءات التي يهذي بها ماسكو زمام البلد إدارة وقيادة، رأسا وأركانا ومفاصل، هي مسبقا جعجعة و (رن استكاين) لاغير، أما الطحين والشاي، فالأول مأكول منذ حين، والثاني مشروب على أرواح الأحياء من العراقيين قبل الأموات منهم، والآكلون قطعا والشاربون في جنات ونعيم ووادٍ غير ذي صلة بالمواطن المضيم.

وكما يقول مثلنا: (الناس ماكلتنا وشاربتنا) على ما يحويه بلدنا من خيرات وثروات، كفيلة بجعل حياتنا مرفهة حد الترف والبذخ، إذ من المفترض بعد ان عمت الديمقراطية والفدرالية عراقنا ان يرفل سكانه بالخير والرفاهية، مادامت تجري من تحتهم أنهار النفط. لكن، في حقيقة الأمر، أن أغلب من اعتلى كراسي المسؤولية في هذا البلد، لم تأتِ به وطنيته، ولم يرتقِ سلم الوظيفة عن اقتدار ومهنية، ولم يكُ للتكنوقراط حرف في أبجدية مؤهلاته للمنصب، كذلك لم تدفعه للترشيح خصلة من الخصال الحميدة المعهودة بالمواطن البسيط فضلا عن المسؤول والقائد والرئيس. من تلك الخصال؛ الحرص على مصلحة البلد، التفاني في خدمته، تقديم الأفضل من الأعمال، والناجع من الحلول، والأجود من المعطيات، والأجدى من البرامج، كل هذي الخصال كانت ومازالت بعيدة عن المنتخَبينن في الدورات السابقة -واللاحقة- بعد زحل عن باب الدروازة.

أما الخصال التي لازمت سلوكهم حد التطبع، والتي تميزوا بها عن جدارة وكفاءة منقطعتي النظير، فأظنها تلك التي ذكرها “الرفيق” بول برايمر بُعيد سقوط نظام صدام، إذ نعتهم الرجل بحيادية تامة، وأنصفهم حقهم في التشبيه والوصف، بعبارات صريحة تجسد فيها مثلنا القائل: (ينطي كلمن طينته بخده) وذلك في وصاياه ونصائحه التي أسداها إلى (جون نيغرو بونتي) قبيل التحاق الأخير سفيرا لأمريكا في بغداد. وسأمسك جانب الاختزال فيما قاله “الرفيق” برايمر فيهم، وأسردها باقتضاب ليس تجنبا للإطالة فحسب، بل لأن ذكر القليل عنهم يعطي كامل الشرح والتوضيح، فهم أشهر من نار على علم، أو بالأحرى (أشهر من علم على بيت دعارة). يقول “الرفيق” برايمر لنيغرو بونتي ناصحا:

إياك ان تثق بأي من هؤلاء، فنصفهم كذابون والنصف الاخر لصوص.

مخاتلون لا يفصحون عما يريدون ويختبئون وراء اقنعة مضللة.

يتظاهرون بالطيبة واللياقة والبساطة والورع والتقوى، فيما الصفات الغالبة فيهم هي: الوضاعة والوقاحة وانعدام الحياء.

احذر أن تغرك قشرة الوداعة الناعمة، فتحت جلد هذا الحمل ستكتشف ذئبا مسعورا، لا يتردد عن قضم عظام أمه وأبيه، ووطنه الذي يأويه.

حاذقون في فن الاحتيال، وماكرون كما هي الثعالب.

يجيدون صناعة الكلام المزوق وضروب الثرثرة الجوفاء، ما يجعل المتلقي في حيرة من أمره.

فارغون فكرياً وفاشلون سياسياً، لن تجد بينهم من يمتلك تصوراً مقبولاً عن حل لمشكلة، أو بيان رأي يعتد به.

يعلمون علم اليقين بأنهم معزولون عن الشعب، لأنهم منذ الأيام الأولى التي تولوا فيها السلطة، أثبتوا أنهم ليسوا أكثر من مادة استعمالية وضيعة في سوق المراهنات الشخصية الرخيصة.

يؤمنون بأن الاحتيال على الناس ذكاء، وأن تسويف الوعود شطارة، والاستحواذ على أموال الغير واغتصاب ممتلكات المواطنين غنائم حرب، لذلك هم شرهون بإفراط تقودهم غرائزية وضيعة.

ستجد أن كبيرهم كما صغيرهم دجالون ومنافقون، المعمم المتفيقه والعلماني المتبختر سواء بسواء، وشهيتهم مفتوحة على كل شيء: الاموال العامة والاطيان، واقتناء القصور، والعربدة المجنونة، يتهالكون على الصغائر والفتات بكل دناءة وامتهان.

إياك أن تفرّط بأي منهم، لأنهم الأقرب إلى مشروعنا فكراً وسلوكاً، وضمانةً مؤكدة، لإنجاز مهماتنا في المرحلة الراهنة، وإن حاجتنا لخدماتهم طبقا لاستراتيجية الولايات المتحدة، مازالت قائمة وقد تمتد إلى سنوات أخرى قبل أن يحين تاريخ انتهاء صلاحيتهم الافتراضية، بوصفهم (مادة استعمالية مؤقتة) لم يحن وقت رميها أو إهمالها بعد.

هذا ما قاله “الرفيق” برايمر بحق من صادفهم من حكام العراق عام 2003، وهم أنفسهم المتواجدون اليوم في الساحة العراقية، كذلك هم أنفسهم الذين ستلدهم أرحام صناديق الافتراء المقبلة، وستلفظهم حتما في الآتيات من عمليات الانتخاب، مادامت صناديق الاقتراع تشبه الى حد كبير (كاروك…).

[email protected]