الالحاد ليس نقيض الايمان … بل هو ايمان بعدم وجود الله
الحديث عن الايمان كحالة بالضرورة لها اشتراطات تتشابه حد التطابق عند جميع المؤمنين على اختلاف الالهة التي يؤمنون بها والتي يعتقدون انها تنقذهم مما هم فيه بما في ذلك الايمان بالعلم او بالنظريات الفلسفية التي تحمل في طياتها ذات الاشتراطات .
الايمان بدين , الايمان بوطن , الايمان بفكرة ما وأن كانت غير عقلانية , ايمان بأشخاص وأن كانوا غائبين لمئات السنين , الايمان بعدم وجود خالق لهذا الكون , الايمان بالفن كسلوك راقي يهذب النفس ويصل بها الى درجة العلاج احياناً , الايمان بالرياضة كحالة تحافظ على الجسد الانساني الى اطول وقت ممكن , الايمان بأصل الانسان الحيواني , وغيرها الكثير مما يؤمن به البعض ويدافع عنه وهو حق مشروع طالما ابتعد عن العنف وعن اقصاء الاخر وتهميشه ناهيك عن الطرق الحضارية في طرح ما يعتقده وأن كان يناقض الاخر.
ما يثيرني حقا هو ان الايمان بعدم وجود خالق للكون ( الالحاد ) الذي يسوقه لنا معتنقوه على انه الخلاص من فكرة الاله وبالتالي الخلاص من الايمان به وبما حمله لنا من انبياء وتعاليم , بتعبير ادق ان الفكرة الأيمان بعدم وجود الخالق هو ذات الايمان بوجوده وآلياته واحدة والقناعة بأفضليته واحدة ولكن المختلف هنا هو طريقة ايصاله للاخر كذلك طريقة الدفاع عنه لانها تأخذ جوانب اخر عند اصحاب الاديان ( عند بعض الجماعات المتشددة ) ولكن اركز على موضوعة الايمان بغض النظر عن المؤمن به .
ان الطريقة التي استقى منها كارل ماركس نظريته وساعدت بشكل كبير بوضع اسسها كانت اعادة انتاج او تأويل (على غرار التأويل الايدلوجي المتبع) واعتماده على هيغل ونظريته (التطور الجدلي للافكار ) واتفاق الجميع على ان ماركس قد اعادها ترتيبها ولقد اوقفها ( لانها كانت مضطجعة على بطنها او على جانبها الايسر )!!! وانه انتج منها نظريته الماركسية والمراحل الاربعة التي توصل المجتمعات الانسانية الى الشوعية بعد صراعها المحتمل ( البقاء للاقوى ) اضف الى ذلك ان فرحته التي لا توصف وهو يحمل كتاب ( اصل الانواع- تشارليز داروين ) وهو يزف الخبر العظيم الى رفيق نظريته وصديقه فريديك انجلز بوجود الدليل العلمي على ما يقول والذي هو بأمس الحاجة الى هذا الدليل لأثبات نظريتهما .
قول كارل ماركس بأنه ليس ماركسياً وانه فقط وضع الاسس المنطقية لبناء الدولة الشيوعية المزعومة هو نفس الادعاء بالزهد والتسامح وغيرها من الصفات الحميدة عند رجال الدين ( ولا استطيع تشبيهه بالانبياء لانه لم يصل الى مرتبتهم ولم يصل الى مدى تأثيرهم على الانسانية سواءا كانوا من الله ام لا ) هذه الصفات التي تجعل البسطاء ينظرون اليهم على انهم اناس مختلفون عنهم ( صناعة يوتوبيا وتسويقه ) وهكذا بالنسبة لمن يأخذون على عاتقهم نشر التعاليم ( الايدلوجية او الشيوعية ) وتحملهم اعباء هذا الدور الذي يفتخرون به ويتفانون من اجله ولهم الحق بالحدود التي يسمح بها القانون ولا تؤثر على الاخرين .
يقول ستالين في مذكراته ( حتى لا نقنع عقولنا بفكرة خلق العالم بستة ايام يجب التعرف اكثر على اصل جيولوجية الارض وعمرها , لذا يجب اعداد انفسنا بالتعاليم الداروينية ) هي تعاليم ككل التعاليم والايمان بها بالضرورة يحمل نفس درجة الايمان , قد تكون لها طقوس وطريقة تعبد او لا ( لا استطيع ان اجزم بذلك لأنني لم اجرب ان اكون ماركسياً او ملحدا ) ولكنها تحمل في طياتها اجوبة للاسئلة ( الكونية ) كما يحلو للبعض تسميتها : الله الموت الحياة ما قبل الحياة ما بعد الموت الخلود بمفهومه الفردي او الجمعي هي اذن تقدم الاجابة الشافية الوافية كما تقدمه الاديان بتعاليمها وبكتبها ورجالاتها .
الماركسيون وطريقة دفاعهم عن ماركس يجعلني مذهولاً من قناعتهم بشيوعيتهم وكأنها الخلاص الذي يتحدث عنه السيد المسيح فلا اجد غير القهقهة لدرجة غياب اصواتهم عن مسامعي وهي نفس الحالة عندما يتحدث القس عن الكنيسته والسفلي عن تزويج الفتيات بعمر ستة سنوات كما في تزويج عائشة … الملفت للنظر ان اي اعتراض من قبل ( اللا مؤمن)1 لما يطرحه الماركسي او المتدين ( على حد سواء ) يواجه بنفس الصرامة من قبلهم وبنفس درجة الغضب وبالنتيجة نفس القهقهة التي تدمع العين .
الذي لم يجد جواباً في الايمان ولم يجد جواباً في الالحاد , الذي يعاني من الجهل في الاديان وفي الالحاد , الذي يتلمس العقول الخاوية عند الطرفين , الذي يتحسر على البسطاء والموهومين هذا فقط يمكن تسميته الانسان المعتدل الحداثوي القادر على الاسهام في بناء المجتمع والقادر على الاقناع اكثر من غيره وبالنتيجة لن يتقبله المؤمن سواءاً بالدين او بالشيوعية لأنهما يحملان ذات الانفة وذات الفوقية .
1- اللا مؤمن هنا بمعنى المواطن المعتدل الذي لا يسوّق دينه ولا تعرف معتقده ولا يحاول تسويق او اثبات ايدلوجيته او ماركسيته وهذا هو المواطن صالح .