18 ديسمبر، 2024 5:16 م

كارل ماركس ..الراسمالية والثورة

كارل ماركس ..الراسمالية والثورة

نشر موقع كتابات فى تاريخ 24. 3. 2017 مقالا للاستاذ على الاسدى بعنوان “مستقبل الماركسية”, واقدم بدورى بعض الافكار حول الموضوع الذى مازال حيا منذ نهاية الاتحاد السوفيتى والكتلة الشرقية.

يحلو لكثير من المثقفين النظر الى ما جاء وما تنبأ به ماركس فى دراستة وتحليله للنظام الرأسمالى قد قفى عليها الزمن ولم تعد ذو اهمية علمية رصينة, خاصة, ان الثورة التى تنبأ بها وانها سوف تنطلق من المجتمعات الرأسمالية المتقدمة, الا ان الثورة لم تحدث, كما ان الاشتراكيات التى اقيمت فى الكثير من الدول , بداية فى روسيا القيصرية, المتخلفة مع ثورة اكتوبر 1917, وبعد الحرب العالمية , وبروز الاتحاد السوفيتى قوة دولية عظمى تكونت كتلة الدول الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتى وتولت الحكم الاحزاب الشيوعية فى بولونيا ,المانيا الشرقية, جيكوسلوفاكيا وهنغاريا. هذه الاحزاب لم تقود الجماهير نحو الثورة ونجت فيها وانما نصبت فى الحكم من قبل القيادة السوفيتية.

انها اشكالية كبيرة ان يقوم نظاما اشتراكيا, يقوم على مبدأ الملكية العامه فى بلد متخلف , لم يكن للانتاج الرأسمالى والعلاقات الرأسمالية ان تلعب فيه دورا مؤثرا, وذلك للمستوى البسيط لتطور قوى الانتاج, ان هذه الدول لم تجتار العملية الاولية والاساسية فى تراكم الرأسمال ما ينعكس على استمرار العلاقات القبلية والاقطاعية وما قبل الاقطاعية. ان هذه القضايا تنعكس فى سلوك ومواقف السكان تجاة نوعية النظام الجديد الذى لم يدركوه ولا يستطيعون ادراكه وبذلك يصعب عليهم التفاعل معه ناهيك عن القدرة الفكرية لتقبله والتوافق معه, هذا بالاضافة الى ان تطور قوى الانتاج كما هو حال راسماليات دول اوربا الغربية كان رفيعا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية, وهذا يعنى تنوعا كبيرا فى القطاعات الانتاجية والخدمية والقدرة على توفير احتياجات السكان بجهود معقولة, كما تطور شبكة البنى التحتية والضمان النسبى للحقوق والحريات فى المجتمعات البرجوازية, و

الاحزاب ومنظمات المجتمع المدنى بالاضافة الى استقلالية القضاء والدور المهم لوسائل الاتصال الجماهيرية يساعد على تنمية الوعى والادراك للقطاعات الواسعة فى المجتمع بحيث يمكن الوصول الى قنوات واخبار تكشف الكثير من خطط وتوجهات الحكومه والتى يمكن ان تكون فاعلة فى طرح افكار اخرى ووعى اخر. هنا يكمن تأكيد ماركس على اندلاع الثورة فى الدول الرأسمالية المتقدمه, وكذلك بالنسبة للبروليتاريا حملة للثورة.الا ان العالم الرأسمالى واصحاب العمل (البرجوازية) لم تكن غبية ان تترك الامور على سوئها وتطرفها وتتصاعد التناقضات الى ان تصل الى نقطة الانفجار وبذلك يمكن ان يخسروا

مواقعهم وثرواتهم وقيادتهم للمجتمع والدولة, وعلية فقد خططوا وعملوا بوعى للوقوف والتصدى لتصاعد التناقضات المجتمعية, وكانوا من الذكاء والحنكة ان تكون الاصلاحات التى قاموا بها , تحسين اوضاع العمال بشكل عام لم تكلفهم مبالغ طائلة وانما قد استفادوا منهاماديا ونجحوا فى تدجين البروليتاريا.

من الضرورى الاشارة الى ان “ماركس الاقتصادى”, دراسته للنظام الراسمالى واكتشاف قوانينه لازالت صحيحة لحد الان, وحتى علماء الاقتصاد الراسماليين يقرون ذلك, قانون فائض القيمة, الاتجاه التنازلى للربح فى زيادة الراسمال الثابت, وليس اخيرا الازمات البنيوية الدورية للنظام الرأسمالى وعلاقة العمل الراسمالى بالاغتراب…ألخ

لم يكن كارل ماركس مخطئا فى تاكيده على اندلاع الثورة فى الدول الرأسمالية المتطورة, واكد ايضا على ان اوضاع العمال البائسة واستغلالهم من قبل اصحاب العمل سوف تزداد حدة. الا ان الرأسماليين واصحاب المصانع لم يكونوا اميين واغبياء وكانوا يتمتعون بقابلية كبيرة على استقراء الاحداث وتطوراتها وكانوا بنفس الوقت على دراية ما يصدر عن الحركات الاشتراكية وتطور الحركة العمالية. لقد كانوا على معرفة تامة بطريقة عملهم وتكوين ثرواتهم واين مصدرها. اذا لم يشاركوا فى الحركة الفكرية ضد الحركات العمالية عن طريق النشر والتأليف, فقد كانوا شديدى النشاط فى ايجاد الحلول المناسبة والتى لا تتعارض مع مصالحهم للحد من الاوضاع البائسة للعمال. كانت الشخصيات الصناعية الكبيرة فى امريكا مثل هنرى فورد وشخصيات اخرى مثل كروب وسيمنس فى المانيا على درجة عالية من الذكاء فيما يتعلق بعملهم ومصالحهم. هنرى فورد كان رائد فى هذا المجال حيث بنى مساكن للعمال الذين يعملون فى مصانعه. ان بناء مساكن رخيصة للعمال كانت ذو فائدة كبيرة لاصحاب العمل ايضا وقد كان لها تاثير كبير على استقرار العمل واستمراره فى مصانعهم والالتزام بالشروط التى يضعها المعمل, كما ان العامل الذى لايلتزم بالشروط تنتهى علاقته بالمعمل ويفقد مسكنه. لقد قام كبار الصناعيين فى اوربا وامريكا ببناء مساكن لعمالهم ايضا. الا ان هنرى كان عبقريا وتوسع فى تقديم “الخدمات” لعماله, فقد فتح سوبرماركتات يتسوق منها العمال, واندية ووسائل للترفية كالسينما, كل ذلك بأجور معقولة. فى الحقيقة ما كان يدفعه هنرى فورد من اجور للعمال, يستعيدها ثانية من الخدمات التى يقدمها, واخذ العمال يشعرون بالراحة والاطمئنان وتحسنا فى اوضاعهم العامة. الا ان الخطوة الكبيرة التأثير فى تحويل العامل من “البروليتارى” و”عنصر الثورة” الى “برجوازى مصغر” يحلم بالاستهلاك ويتساوى مع ابناء شرائح الطبقة الوسطى : هنرى الذى يبحث دائما لتوسيع مصانعه لانتاج السيارات عن اسواق وزبائن توجهه نحو العمال الفنيين الذي تسمح اجورهم ان يبيعهم السيارات بالتقسيط المريح.

,خاصة ان اسعار السيارات , بعد العمل فى نظام “القايش الدوار” قد انخفضت تكاليف الانتاج واخذ السيارات تعرض تقريبا بنصف اسعارها السابقة. وبما ان هذا النظام الانتاجى له القدرة الهائلة على زيادة الانتاج والانتاجية, كان هنرى واعيا جدا لما يقوم به عندما اخذ يبيع سياراته على العمال. لقد حقق هنرى فورد ماديا وايديولوجيا نصرا تاريخيا كبيرا:

ان العامل الفنى الذى يسكن فى بيت والذى ليس بعيدا عن مراكز التسويق والترفية, والان اصبح يقود السيارة, واخذ يصحب زوجته واطفالة فى رحلات ونزهات للتمتع بالراحة والطبيعة, قد تجاوز واقعه المادى والاجتماعى البائس الا انه اصبح مثقلا بالديون ودفع الاقساط الشهرية, كما اخذت تطلعاته ورغباته فى النمو, ولكن هذا لا يمكن مقارنته بساعات النشوة والكرامة والاعتزاز بالنفس واحلام اليقض واخذ يرفض ان يوصف بالعامل والبروليتارى. ان تدجين الطبقة العاملة واكتسابهم وعى طبقى اخر يعتبر من اكبر المنجزات التى حققتها البرجوازية فى مسيرتها والتى ما زالت فاعلة لحد الان. مازال “البروليتارى” الذى فقد انتمائه الطبقى يعيش فى قلق دائم, ان يتم الاستغناء عنه لاسباب عدة, ازمة دورية, تلاشى قوة المنافسة للمصنع وعدم القدرة على التجديد, او تهديد اصحاب العمل بنقل مصانعهم الى الصين او فيتنام او…الخ, انه بشكل وبأخر اخذ يتسابق فى تقديم الطاعة والرضى والولاء للنظام بشكل عام.

ان التحسنفى اوضاع العمل بشكل عام, الاجور , الاجازة السنوية, الضمان الصحى والاجتماعى ..الخ, اذا تم مقارنتها بما وصل الية الرأسماليونمن مواقع فاعلة جدا فى المجتمع, كما ان ثرواتهم قد اصبحت هائلة ضخمة , انها نوع من الخيال, بحيث ما يحصل علية العمال من اجور وضمانت اجتماعية لا يساوى 1: 2000 من

ان صعود البرجوازية الى قمة الهرم الاجتماعى والاقتصادى, قامت بصياغة وتشكيل المجتمع وفقا لتطلعاتها ومصالحها وجعلت منها فلسفة للحياة وبناء المجتمع, كما اخذت التدابير اللازمة لتامين استمراريتها فى مواقعها الاقتصادية الاجتماعية من خلال السلطة التنفيذية بشكل خاص لتضع الخطط والوسائل التشريعية والادارية لتنظيم المجتمع. ان وسائل الاتصال الجماهيرية كانت وما زالت تلعب دورا فاعلا فى تعميم فلسفة البرجوازية والمساهمة فى ايجاد التبريرات لمختلف التجاوزات التى تحصل بين الحين والاخر,لقد تم الى حد ما سياسيا تحييد شرائح واسعة من المجتمع وابعادها عن السياسة وبالتالى تم كسبها من مختلف احزاب الحكومات المتعاقبة, ومع ذلك استمرت التناقضات المجتمعية سارية حية لحد الان.

ان الازمات الهيكلية الدورية للراسمالية سوف تحصل مستقبلا ايضا, ولكن الحلول قد قدمتها الحكومات, لان اصحاب العمل لم يستطيعوا الحد من فوضى الانتاج, ان فوضى الانتاج هى احد اركان النظام الرأسمالى, كل صاحب عمل يخطط لنفسة ويستغل كل فرصة مناسبة, لايوجد مخطط اولى للمجتمع ككل, وما هى نوعية وكمية الانتاج , لمادة ما, لسنة او اكثر, هذا ما يسميه ماركس بـ”تدمير قوى الانتاج” ان الحكومات قدمت الحلول حفاضا على الاقتصاد القومى من الانهيار, وكانت التكاليف باهضة جدا على الدولة وبالتالى على حساب الشعب, ان الازمة المالية العالمية التى كان البنوك وبشكل خاص البنوك الامريكية تعد من اكبر الكوارث والفضائح فى القرن الواحد والعشرون, فقد كلفت دول الاتحاد الاوربى والولايات المتحدة 2,6 بليون يورو لانقاذ الاقتصاد القومى من الانهيار. ويفرض السؤال نفسة, اليس هذه الازمة تعبير عن تناقضات النظام الراسمالى الهيكلية,ان هذه

الازمة تعبير صريح عن عدم صلاحية النظام المصرفى العالمى والفوضى العارمة التى تسيطر على عمله ومناهجه. ويبقى ما اكد علية ماركس من تناقض “اجتماعية العمل”, العمل من قبل الملايين والاستحواذ على الارباح من قبل نفر قليل من الرأسماليين واصحاب العمل, وحينما تحصل الانهيارات فأن الشعب يتحمل التكاليف الباهضة.

ان فشل تجربة الاشتراكية فى الاتحاد السوفيتى لا يعنى عدم قدرتها على الحياة والتطبيق, وكان لهذه النهاية اسباب موضوعية واخرى ذاتية. ان تطبيق الاشتراكية فى بلد متخلف لم تتطور فيه قوى الانتاج ولم تتطور فيه اساليب العمل والعلاقات الرأسمالية ودون حضور الجماهير الشعبية الواسعة, خاصة الفلاحين. من ناحية اخرى ان الظروف الدولية بعد الحرب العالمية الثانية التى حكمتها الحرب الباردة, كانت فى واقع الامر التجربة الاشتراكية والدولة السوفيتية فى خطر دائم, ولم تقوى على مجابهته فى نهاية الامر .

د. حامد السهيل/ المانيا الغربية

انهيار الاتحاد السوفيتى – والتجربة الاشتراكية الكبيرة

د. حامد السهيل

روسيا القيصرية التى لم يكن للانتاج الراسمالى والعلاقات الرأسمالية دورا فاعلا فيها, تحولت مع ثورة اكتوبر 1917 بقيادة لينين والبولشفيك الى النظام الاشتراكى والملكية العامة, هذا يعنى فى واقع الامر عملية حرق المراحل وتجاوز مرحلة البناء والاستقلال الوطنى وتوطيد الديمقراطية. ان الاشتراكية تعنى ان يعيش السكان فى رفاه اقتصادى وامن اجتماعى يتعزز مسبقا من مستوى عالى لتطور قوى الانتاج المادية والبشرية, التى لها القدرة على تأمين حاجيات السكان بأقل قدر ممكن من الجهد والعمل والتكاليف. انها اشكالية كبيرة ان تشرع بالعمل بمقومات الاشتراكية الماركسية والقيام بنفس الوقت بتطوير قوى الانتاح حيث تفرز مشاكل كبيرة جدا, رغم حسن النوايا وتوفر الارادة الصادقة من قبل قيادة الحزب والثورة, يصعب حلها ويمكن ان تتراكم وتتفاقم, مما يؤدى, بالضرورة, الى استخدام القسر والارهاب وتاسيس جهاز قمعى فعال من قوى الامن والمخابرات لتحقيق الحد الادنى من الاهداف المرسومة.

ان صعود الاتحاد السوفيتى الى دولة عظمى بعد الانتصار الذى حققه الجيش الاحمر وفى ظروف الصراعات الدولية والحرب الباردة والقيادة بعد الحرب العالمية الثانية قد فرض على بناء الدولة وتطبيق المبادىء الاشتراكية منحى اخر فرضته التحديات السياسية والاقتصادية من قبل العالم الغربى وبشكل خاص قيادته الامريكية. فى ظل هذه الشروط, لم تكن الاشتراكية فى الاتحاد السوفيتى والاشتراكيات التى تكونت فى اوربا الشرقية لم تحصل نتيجة وعى وتنظيم جماهيرى وانما فرضها الاتحاد السوفيتى فى بولونيا, هنغاريا والمانيا

الديمقراطية (الكتلة الشرقية). لم تكن الاشتراكية فى الاتحاد السوفيتى االحلم الواعد بالحرية والعدالة والرفاة الاجتماعى, بالرغم من الانجازات الاجتماعية بشكل عام وذلك لان قوى الانتاج لم تكن قد بلغت درجة من التطور والرقى والقدرة الانتاجية العالية لتوفر للسكان الاحتياجات المادية الضرورية ومكملاتها, ولم يكن االانسان الروسى فى الاتحاد السوفيتى الجديد من الوعى والثقافة التى تأهله ان يدرك مقومات بناء الاشتراكية فى بلد متخلف ولم يتطلع نحو المستقبل الواعد. انه ان لم يكن رافضا للنظام الجديد, ينقصة بالتأكيد التأهيل المهنى بالاضافة الى اخلاقيات العمل التى تجعله يعمل من دون رقيب شديد قاسى, او ان يكون متعاونا فى بناء نظام جديد.

رغم كل الانجازات الرائعة التى تحققت فى مختلف المجالات, الصحة, التعليم توفير السكن وتوفير فرص العمل للملايين , استمر الا تحاد السوفيتى الى ايامه الاخيرة يعانى من عدم تكافىء المستوى النوعى لقوى الانتاج فى جميع المجالات. ان تخلف تطور قوى الانتاج فى روسيا وطموح حكومة الثورة والحزب البلشفى فى تقديم المنجزات الاجتماعية الاقتصادية للسكان وبناء الدولة الاشتراكية, شرعت الثورة وقيادتها بالتصنيع الثقيل وكهربة البلد, (شعار لينين) وبسرعة كبيرة, وبدأ العمل فى القطاع الزراعى بنظام الكلخوزات الذى يقوم على اشتراكية ملكية الارض. فى واقع الامر ان الجماهير الشعبية سوى ان كانت فى المدن, المعامل والمصانع وادارات الدولة, او فى الريف الشاسع الكبير, الفلاحين, التى التى تعتبر حاملة لواء الثورة فى العمل والنجاح والاستمرار, لم تكن متوفرة كما ونوعا بحيث تستطيع ان تحمل الثورة الى الامال الكبيرة. ان الحزب الشيوعى المنظم مركزيا ويتميز اعضائه بالوعى والتدريب الايديولوجى والعمل المخلص الدؤؤب كان فى واقع الامر يفتقد الى ديمقراطية النقاش والمحاورة بحرية بدون خوف, ويعتمد مبدأ “نفذ ثم ناقش” افقده المصداقية وبرز التناقض الكبير بين النظرية والواقع. ان النجاح الهائل الذى تحقق فى تحويل روسيا المتخلفة صناعيا واجتماعيا الى دولة صناعية وفى محاولة لتطبيق المبادىء الاشتراكية يعد من الانجازات التاريخية الكبيرة التى تحققت فى القرن العشرين. الا ان هذا النجاح كان باهضا ماديا وبشريا فرض على قيادة الثورة نحو التصنيع الثقيل وكهربة البلاد بسرعة كبيرة الصرامة والاستعداد والثقة لدى قيادة الحزب والثورة كبيرا وتقديم ضحايا كبيرة مادية”وبشرية” من اجل تثبيت الاتحاد السوفيتى كدولة ومجتمع متعدد الاجناس والقوميات.

الا ان اخلاقيات العمل, النسبة الكبيرة من السكان التى تعمل فى قطاع الزراعة المتخلف لم تكن مفتوحة لتجارب جديدة غريبة عنهم تماما, ولذلك فان الشروع بالعمل فى نظام الكلخوزات ارتبط باستخدام القوة والتسلط والردع للفلاحين واخيرا اجبروا على العمل دون ان يكونوا متوافقين معه ومع النظام الجديد بشكل عام, الا ان نتائج الانتاج الزراعى فى ظل نظام “الملكية العامة, ملكية الدولة” لم تكن مشجعة ابدا واستمرت لسنين طويلة من عمر الاتحاد السوفيتى احد المشاكل المستديمه فى تجهيز السكان بالمواد الاولية, كما ان الامر لم يختلف كثيرا فى قطاع الصناعة والخدمات.

لقد حققت قيادة الحزب والثورة نجاحات باهرة فى التصنيع فى مختلف المجالات وكذلك بالنسبة لكهربة البلاد, التى اكد عليها لينين مبكرا, وانتقلت روسيا من دولة زراعية الى دولة صناعية, الا ان هذه الانتقالة الكبيرة, التى فى الاوضاع الاعتيادية تستغرق حقبات سنين طويلة من التجربة والتعلم والتصحيح, كما حصل فى تجارب دول اوربا الغربية, لم تأخذ عملية تصنيع الاتحاد السوفيتى اكثر من عقدين من الزمن., الا ان هذه النجاحات الباهرة ارتبطت بتضحيات بشرية هائلة. ان عددا من الكتاب والمثقفين الروس, السوفيت قد تناولوا هذا الموضوع, حيث كانت معسكرات الاعتقال فى سيبريا دائما مليئة بالمعتقلين من مختلف التخصصات الذين اصبحت سبيريا مقبرة لهم غالبا, ولم يخرج منها حيا الا نفرا قليلا. لم يقوى على الحياة.

ترافق مع بناء الدولة والجيش بناء اجهزة المخابرات والامن العتيدة التى كانت فيما بينها صراعات وتنافس فى احتلال المواقع المغرية الواعدة وكانت الاعتقالات والمداهمات والاغتيالات برامج يومية. لها منهج واسلوب, كان ضحيتها الالاف من الحزبين والشيوعيين, كان يكفى ان تصل اشارة من “مخبر” بسيط حول شخص ما لينتهى هذا فى مجاهل سيبريا.

ان مرحلة حكم ستالين ليست الانتصار العظيم فى الحرب العالمية الثانية والدفاع عن الاتحاد السوفيتى, وليس النجاح فى تصنيع البلد, وانما ايضا قد اسس لنظام القمع والارهاب وتسلط الدكتاتور وعبقرية القائد الضرورة, كانت الاغتيالات وتصفية مئات الالاف من الشيوعييين الذين اختلفوا عن خطه الاستبدادى وقمع الحريات بشكل عام الصفة المميزة لفترة حكمه. ان هذا النظام البوليسى القمعى كان بنفس الوقت قد وضع الحجر الاساسى لنهاية الاتحاد السوفيتى وذلك لان الجماهير الواسعة لم تتضامن مع النظام فى التحديات الكبيرة التى واجهها فى مسيرته الطويلة, وربما كان تقديرهم , فى بعض الاحيان, انهم يحطموا الاصفاد التى تكبلهم.

ان الاوضاع فى اشتراكيات الكتلة الشرقية لم تكن افضل عنها فى الاتحاد السوفيتى, وكانت التحديات التى تجابه هذه الجمهوريات كبيرة جدا, خاصة وان الكنيسة الكاثوليكية فى بولونيا, ووسائل الاعلام الغربية التى كانت سلاح قاضى فى صراع الايديولوجيات, هذا بالاضافة الى المقارنات المباشرة مع دول اوربا الغربية, واوضاعها الاقتصادية المزدهرة وتمتع شرائح واسعة من السكان بوضع اقتصادى جيد والاسواق التى توفر مختلف انواع البضائع واساليب مغرية فى تنظيم دفع اسعار البضائع, ناهيك عن السياحة والسيارة الخاصة التى اصبحت رمزا كبيرا للحريات الفردية والاجتماعية. فى المقابل كانت اسواق الاتحاد السوفيتى ومنظومته الاشتراكية تشكو من عجز دائما مستمرا لمختلف الحاجيات اليومية والطويلة الامد.

كانت تجربة الاشتراكية فى الاتحاد السوفيتى, قد خضعت بعد الحرب العالمية الثانية لاوضاع دولية تتمثل فى الصراع بين كتلتين جبارتين, الكتلة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفبتى, والعالم الغربى بقيادة الولايات المتحدة الامريكية النظام الرأسمالى, وكلاهما

يحمل رسالة للعالم حول ارجحية نظامه وما يحمله ويقدمه من الحريات والرفاه الاقتصادى الاجتماعى., وقد اطلق على هذا الصراع بالحرب الباردة, وكانت حالة من الصراع والتحدى التى شملت جوانب متعددة من مقومات الحياة والدولة. ان الاتحاد السوفيتى , فى واقع الامر, لم يكن مؤهل لدخول فى هذا الصراع, والاقل من ذلك الاستمرار فيه. فمبادراته فى مساعدة وتنمية العالم الثالث التى حرقت المليارات دون ان تقدم له فى نهاية الامر نفعا يذكر وتكاليف الجيش المليونى وعملية تصنيع السلاح المتطور, بالاضافة الى التقدم الذى حصل فى غزو الفضاء ورحلة غغارين الشهيرة, والانتصارات فى الرياضة الاولمبية, كانت تكلف المليارت وكانت ضرورية بشكل او باخر لدولة عظمى تتحمل مسؤلية القيادة للكتلة الشرقية ومساعدة العديد من دول العالم الثالث. الا ان هذه المليارات كانت تستقطع من ميزانية الدولة والتى كانت ضرورية ايضا فى تطوير الصناعات التحويلية وقطاع الخدمات والبنية التحتية, هذا بالاضافة الى القضاء على الفساد والمحسوبية واعتماد الرجل غير المناسب فى شغل المناصب فى ادارة الدولة ومختلف قطاعات الصناعة والاقتصاد.

ان الولايات المتحدة الامريكية التى تمتلك تجربة بناء وتنمية لبضعة قرون خرجت منتصرة من الحرب غنية قوية, وماعدا ما اصابها من تدمير اقتصرعلى الغارة اليابانية على (بول هاربر), كانت مدنها وقراها امنة وثقافتها وتطورها الاقتصادى الاجتماعى لم يصبه اى تلكأ, بالعكس فقد بلغ تطور قوى الانتاج مستوى عالى جدا, وتوفرت لاغنياء امريكا اسواق واعدة للاستثمار فى اوربا الغربية الواعدة جدا., بالاضافة الى اسواق اسيا وسيطرتها على اقتصاديات امريكا اللاتينية. ان المقارنة فى وضع والامكانيات البشرية والمادية, فى حقيقة الامر غير وارد وبالتالى الصراع بينهماغير متكافىء.

كان رئيس الوزراء البريطانى تشرشل قد عرض الراى بعد نهاية الحرب الى توجهه الة الحرب نحو الاتحاد السوفيتى للقضاء علية. ان فكرة القضاء على الاتحاد السوفيتى وتشييد نظام بديل لم تغادر ستراتيجية القيادة الامريكية, وعندما اخذت نجاحات الاتحاد السوفيتى فى غزو الفضاء و “الفشل النسبى” للامريكان فى هذا المجال, كان الرئيس الامريكى جون كنيدى قد تبنى خطط للتسليح المتطور, واضاف , فى اطار الصراع الخفى والمعلن بين الكتلتين, ان هذا التحدى سوف يتم الاستجابة عليه فى الاتحاد السوفيتى بتصيد عملية التسليح ايضا “عملية موازنة القوى”, وهذا سوف يكون بالغ التكاليف بحيث يؤدى الى نقص اكبر فى توفير الحاجيات الضرورية للسكان, وسوف يرافق ذلك تشديد فى الرقابة وقمع الحريات, اننا سوف نقوده الى ازمات اخرى كذلك فى الدول الشرقية, وبهذا نمهد لسقوط وتدمير نظامه الشيوعى.

ان هذه الستراتيجية قد اخذ العمل بها واخذت دول اوربا الغربية بعض الجوانب فى تطبيقها والتى اخذت تظهر فى اجتياح قوات حلف وارشو الحركات الاصلاحية , خاصة فى جيكوسلوفاكيا, والتى اساءت الى الاتحاد السوفيتى حيث تم توصيفه بالاحتلال والارهاب.

ان حالة التفكك اخذ تسرى فى جسم الدولة السوفيتية وتصل الى بقية دول المنظومة الشرقية, التى لم تكن قياداتها من السياسيين المبدعين وانما حزبيين عتديين شديدى

الطاعة والامانة للقادة الكبار. كانت البداية فى بولونيا حيث لعبت الكنيسة الكاثولية دورا فاعلا فى تصعيد اضرابات عمال الموانىء. ان النجاح الذى تحقق كان ينعكس كذلك على بقية دول الكتلة الشرقية وتشديد الخلافات مع سياسة الحزب الشيوعى. لابد من التاكيد على دخول القوات العسكرية السوفيتية افغانستان للدفاع عن الحركة الاشتراكية التى صعدت هناك, قد كلفت الاتحاد السوفيتى تضحيات هائلة مادية وبشرية وخاصة المدة الطويلة التى استمرت فيها الحرب, وظهور حركة النساء والاباء مطالبين بوقف هذا النزيف وحماية ارواح شبابهم. مما يزيد الامر تعقيدا تبنى الرئيس الامريكى ريغان سياسة التسليح المتطور حيث كان هدفه القضاء على الاشتراكية, واجبار الاتحاد السوفيتى لمسايرته وكانت استجابة اندروبوف على ميزانية الدولة وامكانياتها كارثية.

ان اى توصيف لكرباشوف وسياسته لا يجدى نفعا , خاصة وان الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية اخذت فى تردى مستمر , ومهما حاول غورباشوف , فيما قدمه من خطط وبرامج وافكار لم تجدى نفعا,الترهل الكبير للبيروقراطية, تدنى مستوى المعيشة وارتفاع الاسعار وتخبط السياسة الاقتصادية والتدهور السريع فى القطاعات الاقتصادية, هذا بالاضافة انها لم تعتمد على قاعدة شعبية واسعة منظمة وتحمل فكرا اشتراكيا متطورا. لقد استطاعت القوى الجديدة الصاعدة الرافضة للاشتراكية ان تكمل هجماتها على الدولة وتفترسها وتطرحها ارضا وتستولى على مقوماتها الاساسية وتصبح الطبقة الحاكمة الجديدة.

ان نظرية فوكوياما ” نهاية التاريخ” التى وجدت صدى هائل لدى السياسيين والمثقفين جاءت فى فترة حكم “المحافظين الجدد” معلنة انتصار الراسمالية وارجحيتها للحياة والبناء, الا ان فوكوياما قد تراجع عن طروحاته فى الفترة الاخيرة خاصة بعد الهزة الارضية المصرفية عام 2007 التى حولت اقتصاديات العالم الى حالة الشللية. وكالعادة, فى الوقت الذى , موضوعيا, يجب ان تنهار المصارف والبنوك, العصب الحساسى للراسمالية, قامت الدول , ثانية كالعادة, فى عملية انقاذ مدوية كلفت الاتحاد الاوربى والولايات المتحدة الامريكية 2,7 بليون دولار, ومع ذلك ان الازمة الاقتصادية قادمة لا محالة.

ان الاشتراكية لها قابلية هائلة على العمل والانجاز وبناء مجتمع الرفاهية والحرية والعدالة الاجتماعية, وكانت التجربة الاشتراكية الاولى قد حققت انجازات اقتصادية واجتماعية وعلمية هائلة, بالرغم من الحرب الخفية والمعلنة ضدها من قبل العالم الرأسمالى. ان العمل بالاشتراكية, فى تجربة قادمة, سوف تؤدى الى نتائج باهرة. وتفتح افاق جديدة للمستقبل.