قديما قالوا في وصف بغداد بأنه بين مقهى ومقهى تجد مقهى!، ومع تغير الأحوال والظروف أزدادت مقاهي بغداد الى أكثر من ذي قبل ولكن بمسمى جديد هو (كوفي شوب)!. بعد الأحتلال الأمريكي للعراق أضيف وصف جديد لبغداد بعيد عن وصف المقاهي، حيث أضيف لها هذه المرة وصف علمي! وهو (بين كلية أهلية وأخرى أهلية تجد كلية أهلية)!، لكثرة الكليات الأهلية حيث وصل عددها الى (70) كلية أهلية!، وهنا لا بد من الأشارة بأنه قبل الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 كان عدد الكليات الأهلية بالعراق هو (5) كليات فقط لا غير هي ( الرافدين – المنصور- التراث – المأمون – العلوم الأقتصادية)، وكانت على مستوى عالي من الرصانة العلمية بكفاءة عماداتها وأساتذتها وخريجيها ويشهد الكثير على ذلك. نقول وبشيء من التأكيد أن هذه الزيادة بالكليات هي لم تأتي كرغبة من الدولة في نشر العلم والمعرفة وفسح المجال الى اكبر عدد ممكن من الطلاب للحصول على الشهادات العلمية وتعويض ما فاتهم مما لم يقدروا الحصول عليه في الكليات والجامعات الحكومية، وأيضا وبنفس الوقت نؤكد هي لا تعني بأن تهافت الطلاب وتقديمهم للكليات الأهلية هو رغبة منهم للعلم والمعرفة!، بقدر ما يعني هو عدم حصولهم على معدلات تؤهلهم للقبول بالجامعات والكليات الحكومية بسبب كسلهم وعدم أنتظامهم بالدوام وتسيبهم وحالة اللامبالاة في كل سلوكياتهم، وأسباب كثيرة أخرى، قسم منها يقع على عاتق أدارات المدارس والمدرسين وعدم حرصهم وجديتهم في ألقاء المحاضرات بذات النفس والجدية عند التدريس الخصوصي!، حالهم حال الطبيب والفرق الواضح ، بالأهتمام بالمريض عندما يزوره في المستشفى أو عندما تزوره بعيادته الخاصة؟!. هنا لا بد من أن نستثني بعض الطلاب ممن لم تسعفه ظروفه أو كانت لديه مشكلة أثناء فترة الأمتحانات فلم يستطع الحصول على معدل عالي يؤهله للقبول في الكليات الحكومية أو هناك بعض الطلاب الذي لديه رغبة في دراسة أختصاص معين ولكن لم يحصل على المعدل الذي يؤهله للقبول في ذلك فيضطر بالتقديم الى الكليات الأهلية لتحقيق رغبته. والأستثناءات التي ذكرناها هي أستثناءات قليلة جدا جدا، فأن أكثر من 95% من الطلاب الذين يلتحقون للقبول في الكليات الأهلية هو لضمان حصولهم على شهادة (البكالوريوس) بكل يسر وسهولة، حتى وأن لم يذهب للدوام؟!، حيث أصبحت الشهادة نوع من (البرستيج) أو ( للكشخة ) بالنسبة للشباب لا اكثر!، وهذا هو واقع التعليم في الكليات الأهلية وكلامنا هذا ليس من باب التجني عليهم!، حيث أن غالبية الطلاب في الكليات الأهلية هم من أكسل وأردأ الطلاب!، والذين لا تتجاوز معدل أحسنهم ال 60%. والجانب الآخر في موضوع الكليات الأهلية هو أن الغرض من أنشاء هذه الكليات هو الجدوى الأقتصادية والربح المادي فقط لا غير!، فلا وجود لأية جدوى علمية في عقول وضمائر أصحاب هذه الكليات ، لا سيما بعد أن علمنا أن الوسط الطلابي والجامعي يتحدث عن أن أصحاب رؤوس أموال هذه الجامعات والكليات هم من الطبقة السياسية الحاكمة ومن رؤوساء الأحزاب هذا على ذمة ما يقال وبتأكيد من قبل الطلاب!، فاذا كان الأمر كذلك فلا داعي للتعليق، فالآمر بات واضحا ومكشوفا للجميع؟!. وهنا نعود الى مؤامرة التدمير الممنهج لعقل الطالب العراقي بل الأنسان العراقي عامة، فأمام تردي الواقع التعليمي بالعراق بدأ من الأبتدائية الى الأعدادية حيث الأهمال في كل شيء أصبح الطالب لا يهمه المعدل بقدر ما يهمه النجاح من الأعدادية بأية معدل فهناك الكليات الأهلية التي تضمن قبوله بأية معدل وبأي أختصاص والذي في النهاية تمنحه درجة (البكلوريوس)!، ولا يمكن القفز على حقيقة هذا الواقع المؤلم الذي بات معروف لدى غالبية العراقيين!. وهنا لا بد من الأشارة بأن الواقع التعليمي المزري بالعراق من حيث عدم توفير أبسط مستلزمات التعليم وأبسط الخدمات الأنسانية التي يحتاجها الطلاب مثل ( الكهرباء – الرحلات- الحمامات ) وأية خدمات أخرى، ناهيك عن أن غالبية المدارس تحتاج الى أعادة تأهيل نتيجة الأهمال المتعمد والواضح من قبل الجهات التعليمية الخاصة بالدولة بدأ من الوزارة وأنتهاء بأصغر دائرة تعليمية والتي غالبيتها موبؤة ومنخورة بالفساد!، هذا الواقع أجبر غالبية العوائل أن تسجل أبنائها في المدارس الأهلية ( أبتدائية- متوسطة – أعدادية)، التي تشهد هي الأخرى أنتشارا كبيرا وغير مسبوق على مستوى كل محافظات العراق!، والذي يقابله أهمال متعمد من قبل الدولة للمدارس والكليات الحكومية غايته تدمير البنى التحتية العلمية بالعراق لدى غالبية الطلاب، لأن التعليم الأهلي سيكون مقتصرا على فئة قليلة من المجتمع التي تستطيع تحمل أعباء وتكالبف الدراسة وهذا ما لا تستطيع عليه غالبية الأسر العراقية لا سيما والعراق يعاني من أزمات مادية وأقتصادية خانقة بل قاتلة لا تعرف نتائجها. الشيء الملفت للأنتباه أن التعليم الجامعي الأهلي بدأ يشمل الكليات الطبية أيضا!( طب الأسنان والصيدلة) مع وجود كلية واحدة (للطب) في محافظة النجف!، أن وجود هذا العدد غير المعقول وغير المقبول من الكليات الحكومية والأهلية وبكافة الأختصاصات العلمية والأنسانية والأدبية، المختلفة المناهج والدروس وطريقة التدريس وأختلاف الكفاءات التدريسية من أساتذة ومحاضرين، بين هذه الكلية وتلك، مع خليط غير متجانس من الطلاب لا فكريا ولا علميا ولا حتى أجتماعيا وبلا أية تخطيط وبفوضى عارمة يعيشها العراق في كل جوانب ومرافق الحياة، فكل كلية وجامعة تقود مركبها التعليمي بالشكل والوجهة التي تريدها هي ووفق مصالحها!، مع غياب واضح للدولة، وعدم مهنية القرارات التي تصدرها لتنظيم عمل هذه الكليات والجامعات المتعددة ، فبالأكيد سوف تكون النتائج وخيمة، مجرد أعداد من الخريجين غير المؤهلين علميا ولا ثقافيا ولا فكريا ولا يمتلكون أية كفاءة تذكر سوى أنه يحمل شهادة ( البكلوريوس) لا أكثر ويطالب الدولة بالتعيين!. ( وصادف وأنا أكتب المقال تم أعلان نتائج القبول المركزي حيث الفوضى والخربطة بالقبول ،حيث أشتكى الكثير من الطلاب وكذلك أولياء أمورهم من أن نتائج القبول هذه غير منصفة وغيرعادلة وهي مؤامرة! لدفع الطلاب للتقديم للكليات الأهلية) هذا على حد قولهم. نعود الى مقالنا بالقول، فليس هذا ما ننتظره من أجيالنا هذه فهي ليست جيل النخبة و الطليعة الذي نأمل منه ونعقد عليه كل الآمال بأنه الجيل الذي سيهزم هزيمتنا أمام المحتل الأمريكي الذي دمر العراق منذعام 2003 ولا يزال. قد يرى البعض أني كنت قاسيا في مقالي ولكن هذه هي الحقيقة!. وأخيرا لا بد لي من أن، أستثني القلة القليلة جدا من الطلاب المجتهدين والذين يريدون أن يبنوا أنفسهم ووطنهم ويغيروا شيئا من هذا الواقع التعليمي المؤلم، هذه النخبة الطليعية التي تحاول رفع مشعل العلم مع مشعل الحرية والثورة على الواقع الفاسد الذي يعيشه العراق ، هذه النخبة الطيبة التي تصارع أمواج الخوف والأغتيال والأختطاف والقتل لأنها تريد أستعادة الوطن المسلوب، من أنياب أمريكا التي عملت على تدمير العراق منذ أحتلاله عام 2003 ولازالت.