23 ديسمبر، 2024 5:14 ص

كارثة بيروت إنفجار ام تفجير؟

كارثة بيروت إنفجار ام تفجير؟

منذ الرابع من آب/أغسطس2020، تلتهب مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الاعلام، بمقالات، وكتابات،ومقابلات  تتحدث عن الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت؛الذي أودى بحياة المئات وأصاب الألوف ودمّر مبان ومنشآت على مسافة 23 كيلو مترا.
ويتوفر شبه إجماع على أنّ الانفجار، خلق وضعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً نوعياً في لبنان ، قد يصعب التكهن راهنا بمدباته؛ إلا أنه سيكون نوعياً بلا ريب.
المفارقة؛ أنّ غالبية التعليقات، بما فيها من سياسيين ومسؤولين، تتجه نحو تحميل تلك الجهة اللبنانية أو تلك المسؤولية عن  نقل نترات الامونيوم الى بيروت لهدف
تخريبي.
المتهمة المزمنة!
————
إذا استثنينا اتهام إسرائيل الذي طغى على دخان الانفجار بعد دقائق من وقوعه، فان الفرقاء اللبنانيين، وخلفهم، الشوارع العربية المتناحرة لأسباب سياسية و مذهبية طائفية، انشغلت بتوجيه الاتهامات؛ أمّا لإيران وحليفها حزب الله، أو لخصوم طهران في لبنان، و استطرادا في العالم العربي، وتوجيه البوصلة نحو عواصم خليجية، وتحديداً أبو ظبي والرياض، بأنهما وراء التفجير.
ولأن العقل المهووس بنظرية المؤامرة ، يذهب للبحث  عن الفاعل، قبل إطفاء الحريق،أو تطويق آثار الكارثة؛ فإنّ أحدا لم يتذكر فرضية الإهمال،في مرافق الدولة اللبنانية المنخورة  بالفساد.
تعامي مقصود؟
————-
الملفت أن الباحثين بإلحاح عن المذنب؛ لم يكترثوا للمعلومات التي كشف عنها قبطان سفينة الموت”روسوس” بوريس بروكوشيف وخلاصتها؛؛
الباخرة انطلقت من مرفأ باتومي في جورجيا وكانت ترفع العلم
المولدافي وتتجه إلى ميناء بييرا في موزمبيق.
الباخرة أبحرت في 23 أيلول/سبتمبر 2013 من جورجيا ووصلت إلى مرفأ اسطنبول في تركيا في 3 تشرين الأول/نوفمبر
اختلف قبطان السفينة  والبحّارة مع مالكها على البدل المادي وتركوا الباخرة.
تمّ البحث عن بحّارة آخرين. قبطان الباخرة الذي قادها من تركيا إلى بيروت هو بوريس بروكوشيف الذي رفض تحميل شحنة من معدات بناء الطرق؛. بعد أن اختبر ثقلها، وأيقن أنها  من الممكن أن تحدث ضرراً بالغاً بسطح السفينة وما تحته من عنابر تنقل مادة نترات الأمونيوم الخطرة.
وفِي المقابلة مع برنامج “قصارى القول” على شاشة RTarabic
أكد  القبطان موركوشيف إنّ مالك السفينة أمره بالتوجه نحو مرفأ بيروت لتحميل معدات ثقيلة، وأنه  بحاجة إلى أموال إضافية لدفع ديون مترتبة على رحلة السفينة.
وأوضح القبطان بروكوشيف أنّ الخلاف مع المالك كان من أسبابه أيضاً عدم دفع مستحقات البحارة واعاشتهم وأنهم اكتشفوا متأخرين بأن إيغور غريتشوشكين مالك السفينة مارس النصب والاحتيال على قبطان السفينة و بحارتها السابقين.وانهم  اضربوا عن العمل وتركوا السفينة فلجأ إلى التعاقد مع قبطان، وبحارة آخرين قادوا السفينة من تركيا نحو بيروت في الطريق الى موزمبيق.
وبحسب بوليصة الشحن  والبيان الصادر عن مكتب محاماة “بارودي ومشاركوه”، كانت البضاعة مشحونة لأمر بنك موزمبيق الدولي، ومُرسلة إلى شركة    fabrica de explosives
في الموزمبيق أيضاً ..
ووصلت الباخرة إلى مرفأ بيروت في 21 تشرين الثاني. أي بعد شهرين من انطلاقها من مرفأ باتومي الجورجي .
روسوس
———
تشير المعلومات العامة عن السفينة  أنها صُنعت في اليابان في العام 1986 ، طولها 86 متراً وعرضها 12 متراً
ملكيتها تنقّلت بين أكثر من مالك حتى وصلت إلى رجل أعمال روسي من مقاطعة خباروفسك في الشرق الأقصى الروسي؛ يدعى إيغور غريتشوشكين يقيم  في جزيرة قبرص ويشاع أنه مطلوب للإنتربول.
وفِي إطار الإعداد للمقابلة مع القبطان بوركوشيف ، أجرينا اتصالاً مع إدارة معمل  روستافي أزوت لإنتاج الأسمدة
وأبلغنا  المتحدث الصحفي باسم المصنع أنّ الادارة اشترته قبل ثلاث سنوات  وعليه لا يسعهم  التأكيد على أنّ شحنات نترات الأمونيوم التي تتردد التقارير عن أنها كانت سبباً في انفجار مرفأ بيروت قد أنتجت في المصنع المذكور، وأضاف ” مصنعنا ينتج ما نسبته واحد بالمئة من الإنتاج العالمي لمادة نترات الأمونيوم وفقاً للمعايير الدولية المتبعة”، وأشار إلى  أن  مدة صلاحية  المادة من تاريخ إنتاجها وحتى استخدامها لا يزيد عن الستة أشهر وبعد ذلك فإنها تفقد فاعليتها.
واستعنّا بخبراء كيمائيات ، أكدوا لنا أنّ المادة كلما مضى وقت أطول  على إنتاجها؛ تزداد صلابة وتصبح مادة قابلة اكثر للاشتعال بتدخّل خارجي و تنفجر بصاعق. وأنّ  نترات الأمونيوم تستخدم سماداً ولتصنيع المتفجرات في تكسير  الصخور، وشق الأنفاق.
وحدّثنا القبطان عن المشاكل التي واجهت سفينة “روسوس وحمولتها في مرفأ بيروت بسبب تخلي المالك عنها وعن بحارتها بفعل الديون المتراكمة ، وأوضح كيف أنّه وبحارته أخذوا يبيعون احتياطي الوقود في السفينة لتدبير معيشتهم وتوكيل محام لإطلاق سراحهم بعد أن احتجزته سلطات مرفأ بيروت  والبحارة على ظهر السفينة  رهائن لحين تسوية التزاماتها المالية مع المرفأ.
واعترف القبطان بأنّه وافق على صفقة عرضها عليه تاجر لبناني يملك سفينة اسمها “سارينا” تقضي بأن يقوم بالاستيلاء على حمولتها في عرض البحر بعد إطفاء الأنوار ووقف كل حركة على متنها، وتركها بعد التفريغ تغرق على أن يتولى التاجر تسوية المطالبات المالية ويعيد القبطان والبحارة إلى بلدانهم .
وأقر بوريس بوركو شيف  أنه وافق على الصفقة للخلاص من الاحتجاز الذي استغرق شهوراً وبعد أن عجز في الحصول على مساعدة السفارة الروسية  في لبنان ، بل تلقى جواباً صادماً حين تم إبلاغه  ردا على مناشدته الرئيس الروسي التدخل ،  ما معناه:
ماذا تريد؟ هل تريد أن يرسل بوتين قوات إنزال لتحريركم من الاحتجاز.
صفقة في عرض البحر!
————-
ولم تتم الصفقة مع التاجر اللبناني الذي لا يتذكر القبطان اسمه، لأنها تشترط الحصول على موافقة خطية من مالك السفينة إيغور غريتشوشكين الذي قطع كل الاتصالات مع السفينة وبحارتها وقبطانها وتركهم لأقدار البحر ،  وبفضل مرافعات مكتب محاماة لبناني” بارودي وشركاه” اطلقت سلطات مرفأ  بيروت  سراحهم بعد أحد عشر شهرا  من الاحتجاز وعادوا إلى بلدانهم وتم مصادرة حمولتها وتفريغها في العنبر رقم  12 ، وغرقت السفينة على مسافة حوالي 400 متر من رصيف ميناء بيروت، بسبب ثقوب ما كان يمكن غلقها إلا بتدخل ضفادع بشرية لم يتوفر المال للاستعانة بخدماتهم،
وانتهت حياة سفينة الموت التي نقلت الشحنة القاتلة، ولم يكترث لمصيرها لا مالكها ولا الجهة التي استوردت أطنان نترات الامونيوم.
تابع الرابط:
اين الحقيقة ؟
————-
إنّ مروجي نظرية المؤامرة مهما كانت منابعهم؛ ومشاربهم، يسعون بالدرجة الأولى إلى اتهام الخصوم السياسيين دون الأخذ بنظر الاعتبار المعطيات التي باتت معروفة عن رحلة السفينة وميناء  انطلاقها وحمولتها والجهة المستوردة والنقطة النهائية لرسوّها ، ويستثمر مروّجوا  المؤامرة واقع أنّ متابعي الاخبار على أجهزتهم الذكية ،لا يهتمون بالتفاصيل ولا يتحرون الدقة ولا يتفحصون المعلومات؛ فتعبر عليهم التلفيقات و يهتمون بالأخبار المثيرة  على حساب الحقيقة.
وإذا كان كل من هبّ ودب، يتابع مواقع التواصل، ؛بلا حسيب او رقيب ودون أن يتحمل المسؤولية ؛ فإنّ  بعض السياسيين ومن يوصفون بالمحللين
” الاستراتيجيين”يتحملون بلا شكّ المسؤولية عن ترويج معلومات كاذبة، ويلفقون على لسان قبطان السفينةروسوس””اقوال لم يتفوه بها.  بهدف إخضاعها لمقاس مزاعمهم.
ولعل التقرير المنسوب لموقع
” الحقيقية ” الالكتروني الذي يديره المعارض السوري المثير للجدل نزار نيوف، أحد أسطع الأمثلة  على إحتراف التلفيق، والتعمية على الحقائق المعروفة مع سبق الإصرار والتعمد.
فقد ظهر على مواقع التواصل ،منشور ينسب الى”الحقيقة”، يحفل بتفاصيل؛ تتوجه باصابع الاتهام الى جهات استوردت النترات لإدخالها الى الجماعات المسلحة في سوريا.
إنّ السؤال الذي يتبادر الى الذهن بداهة لماذا يحتاج الارهابيون  الى مرفأ بيروت ما دامت الحدود السورية التركية سائبة وينقلون عبرها ما يحتاجون .
ويحمل تقرير ” الحقيقة” تاريخ 25/12/2013 أي في نفس العام الذي وصلت خلاله ” روسوس ” ميناء بيروت،
وللوهلة الاولى تبدو المعلومات الواردة في التقرير مثيرة لناحية أنها منشورة قبل الانفجار بسبع سنوات.
ولكن حين يتم الدخول الى أرشيف الموقع المذكور، وفق برنامج يتقنه خبراء الانترنت، ، يتضح أن المادة  أُدخلت الى موقع “الحقيقة”
في التاسع من شهر آب / أغسطس الجاري،وان تعديلات أجريت على التقرير لعدة مرات بين 9 و12 آب/أغسطس 2020
مدرسة التلفيق!
———-
ويثير تقرير” الحقيقة “علامة استفهام كبيرة؛ من هي الجهة المعنية، بالتشويش على التحقيقات الجارية في كارثة المرفأ، وتشارك فيها اجهزة محلية ودولية؟
لماذا ” تطوع”موقع يحسب على المعارضة السورية الراديكالية، لتلفيق تقرير بتاريخ قديم، مستغلا عدم دراية، أو نية عموم القرّاء، التأكد من التاريخ، باستخدام برنامج متوفر في الانترنت، يرصد كل شاردة وواردة، ولا يمكن خداعه؟
هل تمت إضافة التقرير الملفق بعلم صاحب الموقع، المعارض نزار نيوف، أم أنّ ” الحقيقة” ضحية تزوير؟
لقد سبق للموقع، ونشر معلومات مثيرة، تستند إلى أسلوب بات شائعاً في معظم وسائل الإعلام المؤدلجة، يتلخص في نسب المعلومات الى “مصدر مطلع”او “مصدر طلب  عدم الكشف عن هويته” أو “مصدر مقرب” وهلم جرا….
ولعلّ صحيفة الأخبار اللبنانية التي أسسها الصديق الكاتب والصحفي اللامع جوزيف سماحة، الذي فجعنا برحيله المبكر، مثال صارخ على هذه النهج الذي يتعارض مع مدرسة الراحل جوزيف سماحة، روحاً ونصاً.فقد أسس جوزيف لصحيفة أرادها علامة فارقة في البحر المتلاطم من وسائل الإعلام المتحيّزة  للجهات المموّلة على حساب المهنية. وهذا ما حدثني به حين طلب أثناء التحضير للصدور الاول، أن اكون مراسلاً للاخبار في موسكو.
ويعيد تقرير ” الحقيقة” بتاريخ مزور، إلى الأذهان  سعي قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، الى بث شريط ينسب العملية الإرهابية  لمنظمة وهمية ، الأمر الذي كشف عنه محققو المحكمة الدولية.
واذا استبعدنا، فرضية التفجير المتعمّد ، فإنّ  محاولة صرف الانتباه عن جريمة الإهمال ، يعني  أنّ جهات معينة، تريد التعمية على القرائن وتلبيس أطراف وهمية جريمة مروعة، لن تمحى من ذاكرة العالم . ويمكن إدراجها في خانة الجرائم ضد الانسانية
ويتحمل السياسيون والمحللون والصحفيون الذين يتعمدون حرف البوصلة عن أسباب ومسببي كارثة بيروت المسؤولية أيضاً  عن الجريمة.
قصارى القول؛؛
تعميم الجهل وتلفيق المعلومات هدف للقوى الساعية إلى طمس الحقيقة، واستثمار العمى السياسي لدى قطاعات واسعة من متلقي الأخبار في عالم حافل بالمواقع الالكترونية والشاشات الزرقاء.
وبالتزامن مع التحقيقات الجارية على يد الاجهزة الامنية والقضائية اللبنانية، بالتعاون مع اجهزة فرنسية وامريكية؛ خرجت صحيفتان المانيتان مرموقتان، بتحقيق صحفي، يسلط اضواء جديدة على مالك قيصري لسفينة” روسوس” والتي لايعرف قبطانها مالكا اخر لها غير إيغور غريتشوشكين.
ومن غير المعروف ما اذا كانت التحقيقات اللبنانية؛ تأخذ بنظر الاعتبار، ما يتواتر من تقارير وتحقيقات صحفية؛تخلق فرضيات وتثير اسئلة، تغلف كارثة بيروت؛ بمزيد من الغموض وتحت عنوان كبير ؛؛؛
إنفجار ام تفجير؟!