19 ديسمبر، 2024 10:48 م

كارثة الهارثة المروعة .. اسمعت لو ناديت حيا !!

كارثة الهارثة المروعة .. اسمعت لو ناديت حيا !!

فاجعة اطفال الهارثة حصلت مثيلاتها في السابق ولا زالت تحدث وتتكرر في باقي مناطق الوسط والجنوب المهمل ؛ فبعد 24 ساعة من فاجعة البصرة ؛ تعرض طالبان إلى حادث دهس أثناء الخروج من ثانوية الأزهر في منطقة البو حداري في الكوفة ، وهكذا تستمر قوافل قرابين الاغلبية الى ما لا نهاية , فالإهمال متعمد و التقصير مقصود في مناطق الاغلبية العراقية منذ نشوء الدولة العراقية المعاصرة والى هذه اللحظة , حيث انتشرت المدارس الطينية في عهود الحكومات الهجينة والطائفية , وبنيت ولا زالت المدارس قرب الطرق السريعة والشوارع , وافتقدت ولا تزال البنايات التربوية والتعليمية لأبسط اجراءات السلامة والمواصفات العالمية المعروفة , فضلا عن الخراب الكبير في البنى التحتية .

وكالعادة الكل تنصل من المسؤولية العامة , فمحافظة البصرة تلقي بالكرة في ملعب الحكومة المركزية والحكومة تشير الى دور وزارة التربية والاخيرة تتهم المجالس البلدية ودائرة المرور العامة … الخ ؛ ولا غرو في ذلك , اذ اننا نعيش في دولة تعمل وفقا للمحاصصة الطائفية والفئوية والحزبية , وتبعا لأهواء ومصالح الشخصيات والكتل والتيارات والعصابات والمافيات ؛ لذا نحن بعيدون كل البعد عن العمل بروح الفريق الوطني الواحد , وبسياسة التنسيق بين دوائر الدولة المختلفة لإنجاح هذا المشروع او انجاز تلك المهمة .

وطالما اشتكى الجنوبيون من سوء الخدمات وتردي البنية التحتية وخرابها ؛ وقد طالب اهالي الضحايا من سكان الهارثة الحكومات المحلية مرارا وتكرارا بإنشاء جسر مشاة لعبور الاطفال , ولكن من دون جدوى ؛ وقبل عدة ايام من الحادثة المروعة , نشر احد المواطنين ومن ذوي التلاميذ الضحايا مقطع فيديو يوضح فيه مدى خطورة عبور الاطفال لهذا الشارع ؛ قائلا فيه : (( برقبة منو ؟ ذنب منو اذا صار حادث الهاي الاطفال ؟ )) الا ان الرجل لم يطلب من الحكومة في الفيديو انشاء مجسر , لأنه يعلم علم اليقين ان طلبه سيذهب ادراج الرياح ولن يجد له اذان صاغية ؛ بل انه طالب بتوفير دورية لشرطة المرور امام المدرسة فحسب ؛ واذا بسائق الشاحنة الكبيرة وبنفس المكان الذي طالب به الرجل – صاحب الفيديو – الحكومة بتوفير الحماية للتلاميذ يدهس 50 طفل بريء … !! وصدق الشاعر عندما قال :

لقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن لا حياة لمن تنادي

وبعد وقوع الفاجعة وكالعادة يسارع المسؤولون لزيارة اهالي الضحايا ؛ فقد زار محافظ البصرة السيد اسعد العيداني احدى العوائل المفجوعة , وقام احد ذوي الضحايا من مكانه , وخاطب السيد العيداني قائلا : (( لماذا هذا الاهمال للهارثة ؟ من صرت محافظ لليوم ما شايفينك !! )) .

ومن بؤس الاوضاع العامة في الجنوب ؛ اطلق الجنوبيون على تلك الشوارع : طرق الموت ؛ لشدة تموجها وانتهاء صلاحياته وخرابها , ناهيك عن انعدام المجسرات وجسور المشاة ومناطق العبور الامنة , واختفاء الاشارات المرورية ورجال المرور , وتقاعس الشرطة وحماية المدارس عن اداء دورهم الانساني والوطني في مساعدة الاطفال لعبور الشوارع الخطرة .

ما من عام ولا شهر يمضي الا وتحدث فاجعة هنا او هناك , وها هو العيد على الابواب ونحن في شهر الله ؛ واذا بمئات العوائل البصرية تفجع ب فلذات اكبادها , ويعلو الصياح والبكاء والنحيب في ارجاء بيوتها , وتنتشر سرادق العزاء في الهارثة ؛ وكأنهم ضحايا حرب وليسوا مجرد اطفال كانوا في المدرسة ؛ و يا حسرة الاباء ولوعة الامهات اللاتي جمعن العيديات لأطفالهن منذ اليوم الاول لشهر رمضان , ولم يعلمن ان اصحاب العيديات و طيور الدار ؛ سيغادرون الى مقبرة وادي السلام ومن دون رجعة .

والامر المؤلم الاخر ؛ تعاطي البعض بدونية وحقارة مع الفواجع والمصائب والاحداث التي تصيب اهلنا في الجنوب ؛ اذ يتعمد البعض التزام الصمت او اللامبالاة وكأن شيئا لم يكن , وتختفي منه فجأة مشاعر الغيرة العراقية والحمية الوطنية التي يصدع بها رؤوسنا في حال حصول حادث بسيط في بعض المناطق الاخرى والمحسوبة على مكون اخر , بل ان بعض الدونية من المحسوبين على الاغلبية من الذين يبادرون لزيارة ضحايا الحوادث الاخرى والبسيطة ان كانت لأبناء المكونات الاخرى ؛ يتعامى ويغض الطرف عن هذه الفواجع الاليمة والكوارث الانسانية المروعة …؟!

أحدث المقالات

أحدث المقالات