5 نوفمبر، 2024 6:38 ص
Search
Close this search box.

كارثة الامن في العراق الى متى؟

كارثة الامن في العراق الى متى؟

لا يخفى على المطلعين بالوضع الامني في العراق بان الامن تحول من معضلة الى كارثة بفاتورةباهضة يدفعها الشعبعلى حساب دمائه و مصالحه.و لا يخفى على اثنين ان الخلل مشخص و واضح لكن ليس هناك موقف موحد جدي و صريح من قبل النخب السياسية المتمثلة بالحكومة و البرلمان تمثل نقطة انطلاق لوضع رؤية و استراتيجية امنية يضعها محترفون عسكريون لا يجري التدخل في عملهم سياسيا. للاسف فان الحكومة منشغلة بوضع التبريرات التي هي اعتراف ضمني بعدم القدرة على تحقيق الامن، و برد الانتقادات الموجهة لها، اكثر من تركيزها على هذه الامور الجوهرية لتحقيق الامن. بينما المعارضين لها مهتمين اكثر بالتشمت و توجيه الانتقادات اكثر من اهتمامها في مساعدة الحكومة على تشخيص الخلل و تقديم الحلول.
نظريا مهما يتحقق من نجاحات امنية فان اخفاق واحد يؤدي الى شطب ما تم تحقيقه وفقدان ثقة المواطن بقياداته و قواته المسلحة. ان تحقيق الامنهو من صلب واجبات و مسؤولياتالقوات المسلحة و لاينبغي ان تؤطر على انها عمل بطولي او خارق و الاخفاق يعني ان هناك خلل في اداء هذه الواجبات لابد من تشخيصه و وضع الحلول اللازمة بعيدا عن تعقيدات المشهد السياسي وتداعياته.

1. تشخيص الخلل: يمكن تلخيص الخلل الذي يواجه تحقيق الامن بما يلي:
‌أ. الاخفاق في الحفاظ على حيادية و مهنية القوات المسلحة من خلال:
اولاً. الاخفاق في ايقاف التدخلات السياسية و المحاصصة الطائفية في التطوع و تعيين المناصب في المستويات العليا و الدنيا في القوات المسلحة،ادى الى تعدد ولاءات الوحدات و التشكيلات المنضوية تحتها. ان وجود قوات لا تدين بالولاء للوطن و لمصالحه العليا،  ضمن القوات المسلحة تنذر بمستقبل مجهول يؤدي الى انهيارها و فشلها في تادية واجباتها الوطنية التي تشكلت من اجلها. فما حدث في طوزخورماتو من عصيان للاوامر العسكرية مهما كانت الاسباب والحيثيات يثبت ان الولاء ليس للوطن ككل بل للقومية او الطائفة. وهنا يجب على كل اللاعبين السياسيين ان يضعوا الثوابت الوطنية و الالتزام بها و عدم مساندة اي افعال فردية او جماعية تؤدي الى كسر هيبة القوات المسلحة اولا و قبل كل شيء. ان التعذر بارتباط ضباط الجيش السابق الى حزب البعث،هي حجج الغرض منها اضعاف المؤسسة العسكرية التي تاسست من اجل حماية مصالح البلد،واستغلالها من قبل المناؤوين لاستقرار العراق.
ثانياً. تشكيل مقرات زائدة في منظومة القيادة و السيطرة للقوات المسلحة في حين انها لاتمتلك القدرات العملياتية للتخطيط و تنفيذ المهام و الواجبات و واجبها الرئيسي لا يتعدى الارتباط بين الوزارات والوكالات الامنية و القائد العام للقوات المسلحة الذي يمثله رئيس الوزراء، مما اصبحت تمثل عبئا و ترهلا و عائق في تمرير الاوامر و التوجيهات و للاسف فان هذه المقرات اصبحت مصونة غير مسؤولة و تحاول ان تعطي لنفسها دورا فقط في النجاحات المتحققة اما الاخفاقات فنجدها تنزوي بعيدا.فمكتب القائد العام للقوات المسلحة بدا ياخذ دورالمقر المسيطر في هيكل القيادة و السيطرة و التدخل بصلاحيات الوزارات و الوكالات الامنية مما ادى الى ارباك واضح في عمل المنظومة الامنية ويؤدي تعدد مقرات القيادة التي ترتبط بها قيادات العمليات او القوات و يؤدي الى خلل كبير في واحد من اهم مباديء الحرب و هو وحدة القيادة. ان بعض قيادات العمليات لديها مرجعينفي ان واحد تتعامل معهما بنفس الوقت مما يؤدي الى ارباك واضح و اخفاق في تحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصرين.
ثالثاً. العودة الى نظام الحوافز و التمييز بين ضباط و افراد المسلحة فيما يخص الرواتب و الاستحقاقات الوظيفية كالترقية و توزيع الاراضي و الشقق السكنية و غيرها من الامتيازاتالتي لم تبنى على اساس عادل فرَق بين التشكيلات وبين المنتسبين مما ادى الى شعور الكثيرين من الضباط و المراتب بالغبن مما اعاد الى الاذهان صورة تعامل النظام السابق مع منتسبي و وحدات الجيش على اساس القرب و البعد من النظام فقوات الحرس الجمهوري مخصصاته و امتيازاته تختلف عن الجيش العادي و الحرس الخاص يختلف عن كلا الفئتين. ان ذلك بالاضافة الى عوامل اخرى ادى بالنهاية الى الانهيار السريع للمؤسسة العسكرية قبل عام 2003و في ظرف 21 يوما فقط.
ب‌. على الرغم من مرور اكثر من عشرة سنوات على تشكيل اجهزة الاستخبارات و المخابرات الا ان الاخفاقات المتتالية في اجهاض الهجمات الارهابية يعكس بوضوح عدم قدرة هذه الاجهزة على انتاج استخبارات موثوقة و معتمد عليها. ان ذلك يعني بما لايقبل الشك بان قيادات هذه الاجهزة غير مهنية و غير قادرة على خدمة المعركة الحالية لاسباب تتعلق بالمحاصصة في التعيينات. فوزارة الدفاع تمتلك مديريتين للاستخبارت و الداخلية كذلك و جهاز مكافحة الارهاب بالاضافة الى جهاز المخابرات الوطني و وزارة الامن الوطني و فوق كل ذلك مستشارية الامن الوطني لتنسيق الجهود الاستخبارية؛فلو قدر لبلد ان يمتلك ربع عدد هذه الاجهزة لكان في مصاف الدول المستقرة و منذ زمن بعيد. فعندما يكون ضابط ليس له صلة بالاستخباراتلا من قريب و لا بعيد و لاتتعدى معلوماته المهنية صنفه،مسؤولاً عن جهاز استخباري حيوي لانعلم ما هو شكل الاستخبارات و الاستخبارات المقابلة التي ستنتج نتيجة عمله. الم يقرا الذي اوصى بتعيينه خط خدمته ليستدل بعدم مهنيته ام ان التعيين تم لاسباب اخرى؟ بعملية رياضية بسيطة لنحسبكلفة هذه الاجهزة و التشكيلات المتشعبة خلال السنين الماضية من معدات و تجهيزات و رواتب و مخصصات و بنايات و مولدات كهربائية و دور سكن المدراء و الحمايات والعجلات و فاتورات الهاتف و تدريب وايفادات و غيرها تكون النتيجةارقام خيالية و المحصلةاختراقات يومية و عدم تحسن الجانب الامني؛فالاجدى بالحكومة كونها الحارس على المال العام ان تسال لماذا لم تتحقق ادنى درجات الامن لحد الان رغم الموازنات الضخمة، تجارياً المشروع الذي لايدر ربحا او لا يحقق الغاية التي وجد من اجلها هو مشروع خاسر نظريا وعمليا.

ج. الفشل في وضع اسبقيات سياسة التسليح بسبب الاخفاق في وضع استراتيجية امن وطني شاملة و الذي ادى على المستوى السوقي استيراد اسلحة معركتنا الحالية ليست ضرورية لمواجهة التهديدات الحالية . فالدبابات الامريكية ام 1 اي1 و التي تتطلب ادامتها اموال طائلة و المدفعية و الهاونات و حتى طائرات الاف 16 استنزفت ميزانيات هائلة كان من الافضل بدلاً من ذلك،استيراد تجهيزات مكافحة الارهاب و اكمال الجاهزية القتالية للوحدات والتشكيلات و تحقيق التفوق النوعي بالقدرات والقواتو التجهيز على الجماعات المسلحة. ان التحدي الاكبر الذي يجابه العراق قبل عشرة سنوات و الى الان هو الارهاب و الجماعات المسلحة و المليشيات و هذا يتطلب قوات رد فعل سريع تتدخل بانذار قصير مزودة بعجرت قتال مدرعة مدولبة مدربة على قتال المدن بكفاءة عالية مسندة بطائرات مروحية مزودة بمعدات مراقبة ورصد و متابعة حديثة لغرض انتاج استخبارات معركة فورية و باجهزة التصويب الدقيق لمعالجة الاهداف. ان تامين استخبارات موثوقة ومعتمدة تسند عمل القوات بالوقت المناسب يؤدي الى تحقيق التفوق بالقدرات على كافة اشكال المجاميع المسلحة و يؤدي بالتالي الى اضعافها و اضمحلال دورها.

2. التوصيات.
‌أ مما تقدم فان على القيادة السياسية ان تعي واجباتها و دورها في بسط الامن خلال معالجة الخلل المشخص وان تكون اكثر جراة في اتخاذ اجراءات ملموسة و عملية. ان حماية الشعب و مصالحه فوق كل اعتبار ويجب على المتصدي لمهمة القيادة يجب ان يتحلى بعدد من الصفات القيادية و اهمها التحلي بروح المسؤولية و الاعتراف بالخطأ. انتشكيل اللجان و بحث التوصيات هي عملية ادارية روتينية و ربما تؤدي الى مماطلة في وضع الشيء في نصابه الصحيح. كما ان طرد و معاقبة المسؤولين يكشف حقيقة دامغة الا وهي وضع الرجل غير المناسب في في المناصب الحساسة فالاولى من طرد هؤلاء المسؤولين يجب معاقبة الذين اوصوا بتسنمهم هذه المناصب. يجب ان تهتم القيادات بتحقيق الغايات و الاهداف ذات الابعاد السوقية والعملياتية اكثر من الانشغال بامور جانبية تحيدها عن تحقيق واجباتها الاساسية.
‌ب ان الحفاظ على المهنيةو الحيادية المطلقة للقوات المسلحة اسبقية واجبة التنفيذ و ذلك لا يتم الا بالغاء المحاصصة الطائفية و عدم قبول التدخلات السياسية و تعدد ولاءات القوات، ان ارضاء ذلك الطرف و محاباة تلك الفئة سينعكس على امن الوطن والمواطن سلبا.ان مساواة الافراد في الحقوق والواجبات و رفع كل الامتيازات التي تفرق بين مفاصل القوات المسلحة جزء حيوي في اعتماد المهنية والكفاءة في تحقيق العدالة بين الافراد فليس من الانصاف ان يترقى ضابط لم يكمل المدة الاصغرية لاسباب واهية او يتسلم ضباط بنفس الرتب و بنفس المكان رواتب مختلفة لان الضابط ص يعمل في مكتب القائد العام.
‌ج يجب اعادة هيكلة منظومة القيادة والسيطرة و التخلص من كل اشكال تعدد المقرات المسيطرة و التي شكلت لاسباب غير موجبة فالدستور جعل رئاسة اركان الجيش تمثل المستشارية العسكرية للقائد العام و المقر المسيطر على كل عمليات و فعاليات القوات العسكرية ان ذلك يؤدي الى سهولة تمرير الاوامر والمعلومات تحديد المسؤولية و محاسبة المقصرين.
‌د يجب اعادة النظر في عمل و هيكل اجهزة الاستخبارات المتعددة و يجب ان يكون التنسيق بينها على اعلى المستويات و ان تهتم باستخبارات المعركة لمجابهة التهديدات الحالية. ان هذه التشكيلات الحساسة هي عين القائد التي يرى من خلالها المعركة لذلك لابد ان تكون محترفة بعيدة عن المحاصصات و الطائفية و التدخلات السياسية. يجب القبول ببعض المجازفة المحسوبة لبناء وكالات استخبارية قادرة على قلب المواقف في الظروف الحرجة و جعل العدو يتخذ اجراءات ليست في صالحه.
‌ه يجب اعادة النظر بسياسة التسليح و التي تعتمد بالاساس على التهديدات الحالية و المحتملة في المستقبل و العمل على تعزيز قيادة طيران الجيش بقدرات استطلاعية و تعرضية اكبر.ان تحقيق التفوق النوعي والعددي على الجماعات المسلحة، والتحول من الدفاع الموضعي الى الدفاع التعرضي يربك عمل العدو و يجعله يتقهقر و يضعف.
خلاصة القول و اذا ارادت القيادة السياسية ان تخرج العراق من هذا النفق المظلم عليها ان تعيد حساباتها مع الشركاء السياسيين وان تضع الثوابت الوطنية لبناء القوات المسلحة على اسس الحيادية والمهنية و ان تقدر انها امام مسؤولية تاريخية جسيمة لحسم معركة مستقبل العراق.

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات