عندما كنا نسمع ونحن صغارا، حكايات الخيال وابطالها الخارقين والقادرين وحدهم على فعل اي شيء وبعد ذلك عندما اخذنا نقرأ ونحن في بدايات الشباب قصصا ونرى افلاما تسرد لنا بطولات اشخاص ربما هي خارقة لا يمكن لغير هؤلاء الابطال القيام بها، سواء ما يتعلق بالمباغتة والاطاحة بالخصم وسرعة التواري عن الانظار والاختفاء بلمح البصر وسرعة البديهية والتخلص من كمائن البوليس واختلاق الاعذار وتغيير الاماكن.. الى ما يشبه المستحيل ،ولم ندرك ان وراء كل تلك الامور ما تسمى اليوم بالحيل السينمائية وكذلك اساطير وخرافات وقصص خيال، الا بعد ان امتلكنا مستوى معين من الوعي والمعرفة فتعاملنا مع كل تلك الامور بعقلانية ودراية …ولكن يشاء القدر وتحكم الظروف ان تعيد تلك الحكايات نفسها وتكرر المشاهد ذاتها وكأننا نقرأ قصص آرسين لوبين من جديد وما على شاكلتها، ولكن هذه المرة على ارض العراق وهي حقيقة وليس خيال او تحايل سينمائي وانما اعمال ارهاب ورعب حقيقية تحدث امام اعيننا وتنزل بنا ويلات متكررة وايام تسمى بالدامية، وعندما نرجع الى الوراء، الى افلام الرعب وقصص الخيال والاساطير (وحكايات جدتي عن طاقية الاخفاء وعن الطنطل والسعلوة وام المساحي) وكيف يمكن لمثل تلك الخرافات ان تفعل اي شيء دون ان يراها احد، نكاد نصدق ما كان يروى لنا ونحن في زمن ازدهار العلم والمعرفة.
نعم هذا مايحصل اليوم بين ظهرانينا وفي عقر دارنا وعلى ارضنا وبين ناسنا، ولكن من المفارقات ان رجال اليوم المرعبين والارهابين يستخدمون ارقى ما وصلت اليه العلوم والتكنالوجيا وحتى الخوف من امتلاك القنبلة القذرة والسطوعلى مواقع الاسلحة النووية المحدودة لتوظيفها من اجل العودة بالتاريخ الى حكم القرون الوسطى واحكام الجاهلية وتحريم كل شيء كما شاهدنا افغانستان طالبان عندما هاجمت مدارس الاطفال المختلطة ومنع المرأة من التعليم والعمل وتحطيم التلفاز والاقراص المدمجة والكاسيت والراديو وتحريم وضع الخيار بجانب الطماطة وتحريم التدخين والموسيقى والاغاني وسوق الناس للصلاة بالعصا وضرب المرأة في الشارع الخ..الكثير الكثير من اعمال الاشمئزاز والتخلف والرعونة..وهذا ما حصل لنا في العراق عندما سيطروا الارهابيين الى حدما على بعض المناطق والمحافظات.
ولكن لنعد الى بيت القصيد كما يقال، ولنسأل.. كيف يمكن لهؤلاء الارهابيين فعل كل ذلك؟ وهل هم يرتدون طاقية الاخفاء؟ ولكن قبل ذلك لا بد من استعراض بعض قدراتهم ايضا.
اولاِِ امتلاكهم وهم في السجون العراقية وليس خارجها، اجهزة الموبايل واجهزة الانترنت واتصالهم في الفضائيات تحت سمع وعلم الاجهزة المختصة دون تحريك ساكن ودون تدخل قيادة الدولة وسؤال الاجهزة الامنية كيف يتم كل ذلك دون رقيب او حسيب ،او لنقل عتاب على اقل تقدير.
ثانياِِ كيف يتسنى لعتاة المجرمين بأمتلاك مختلف انواع الاسلحة بما فيها كواتم الصوت والرشاشات داخل السجون ولا يفاجئ احد بذلك علما ان ذلك لا يحصل لاول مرة مع سكوت وغض الطرف من الجميع.
ثالثاِِ كيف ادخلت ادوات حفر ممرات الهروب تحت الارض ولمسافات بعيدة واين يخفى التراب وحتى الاعمى الذي لايراه يعثر به
رابعاِِ كيف تفتح الابواب وتحطم الجدران وتنسف الدفاعات وتتم الهجمات من داخل السجون وخارجها دون حصول اية مؤشرات تدل على ذلك لاتخاذ خطوات استباقية.
خامساِِ كيف يمكن لعصابات الارهاب ان تفرض الاتاوات على اصحاب المحال التجارية ومحطات الوقود والشركات والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية في مناطق معينة كالموصل وديالى وصلاح الدين والرمادي وربما في بغداد كذلك دون ان يخبر احدا من تلك المؤسسات الاجهزة الحكومية؟ وربما اخبروها ولم تحرك ساكنا.
سادساِِ ونحن نحدد تلك الظواهر المخزية والمهينة والتي لطخت سمعة الدولة واجهزتها الامنية بالوحل، لنعرج من خلالها الى الحرية التي يتمتع بها كاتم الصوت وهو يصول ويجول في مدن العراق ويجندل ابرز الشخصيات السياسية والامنية ورجال الدين وشيوخ العشائر وكأنّ على فوهة ذلك الكاتم ومن يحمله طاقية الاخفاء ..هل يصح ذلك؟ ..هل يعقل ذلك؟ ونحن نعرف ان كل جريمة تترك اثر دلالتها؟
نخلص الى القول ان في بيتنا حرامي ،لص متمكن (ومالي ايده) ومطمئن، يخطط وينفذ بعناية ومعرفة ودراية ويضحك في سره عندما يسمع بالحكايات والروايات ونكت الناس وحيرة المسؤولين وحرقة المخلصين وهم يضربون اخماسا باسداس.
واخيرا نسأل كيف يمكن ان يحصل كل ذلك ونحن الان نمتلك جيشا جرارا واجهزة امن وشرطة مزودة بأجهزة علمية وكامرات تملئ الشوارع وخطط امنية تلغى كل يوم ويستحدث غيرها؟..ولكن ومع ذلك يمكن ان نختصر الاسباب بما يلي”—1- زج الميليشيات التابعة لاحزاب السلطة بكل عاهاتها وامراضها واتخاذها نواة لتأسيس تلك الاجهزة كانت بداية الخطأ الذي لحقته الاخطاء الاخرى 2- البناء العشوائي لاجهزة الامن العراقي بكل اصنافه 3- دخول عناصر امية وغير واعية ومرتزقة في تلك الاجهزة عن طريق الرشى والمحسوبية والمنسوبية والمذهبية والمناطقية..4 – تمكن عناصر القاعدة وهي تمتلك المال ان تتسرب داخل تلك الاجهزة عن طريق دفع الرشى الكبيرة ونخرالمؤسسات الامنية من الداخل والاحتماء بها بنفس الوقت.5 – تسرب عناصر حزب البعث الفاشي في تلك الاجهزة واستخدام خبرتهم وقدرتهم ودرايتهم المكتنزة على مدى اكثر من ثلاثين عاما ويعرفون كيف ومتى واين يوظفوها.
وبالتأكيد ان هناك الكثير من العلل والاسباب التي يعرفها من يعمل بشكل مباشر في ومع تلك الاجهزة وعلى ارض الواقع ولكن لماذا لا يكشف المستور ونريح ونستريح؟.