قررت أن اذهب الى أبو نجم كي يجد حل لمشكلتي, فصاحب البيت يطالبني بدفع الإيجار أو أخلاء البيت, وأنا ألان مفلس, فنحن عائلة بالكاد نعيش, وكنت اعلم أن أبو نجم في مقهى أبو علي كعادته كل صباح, فأسرعت المشي نحو المقهى, ووجدت أبو نجم حزينا كئيبا جالسا وحده في طرف المقهى, فقط هو واستكان الشاي, لقد كان أبو نجم لنا دوما جبل من الأمل, فهو كبير المتفائلين في العراق, لم أعهده بهذه الهيئة الحزينة, فأسرعت للسلام عليه, وسحبت كرسي وجلست بجنبه, وقلت له:
– ما بك أبو نجم, تبدو على غير طبيعتك, فالحزن يلف كيانك, حدثني هل الم بك مكروه.
رفع رأسه ببطء ونظر في وجهي, وعينيه تغرقان في بحرا من الهم, كأن ألف عام مرت عليه, قال بصعوبة:
– زوجتي مريضة جدا, وتحتاج لعملية خارج البلد, انه ورم خبيث اكتشفه الطبيب صدفة, ولا علاج له في البلد, وأنا كما تعلم متعسر دوماً, بالكاد أعيش, ولا اعلم ماذا افعل, ستون مليون دينار صرفها الوطن على مؤخرة سياسي, وأنا احتاج مليونين دينار فقط, فتبخل علي دولتي الحنونة, مع تعسري وبحبوحة صاحب المؤخرة, فانظر الى الظلم في العراق.
سكتٌ عن مطلبي, ولم أجد من الكلام ما يمكن أن يواسي صديقي, أو يمكن أن يفرج عنه الهم, فمصيبته لا حل لها, وقد يكون عليه أن ينتظر الموت, كما انتظره حجي شامل عندما أصيب بورم خبيث قبل سنتين, لكننا دوما نكذب على بعضنا, كي نزيل عن خاطرنا فكرة الحزن القادم, أمل ممزوج بوهم, فقلت له:
– يا عم تسلح بالأمل, أنت كبيرنا وأستاذنا, ومنك تعلمنا التفاؤل, ستفرج بأذن الله.
سكت الحاج وأكمل ارتشاف الشاي, لحظتها اقبل علينا صديقنا زهير الموظف المسكين, ليبدد سكون مجلسنا, وقد بان عليه الغضب والثورة, سلم بصوت كله حرقة وآلم, ثم جلس واخرج سيكارته وأشعلها, وطلبت له شاي بالهيل, وقلت له:
– ما بك يا صديقي, هل عادت الضائقة المالية لتخنق وجودك, كما تفعلها كل شهر, مع قرب تبخر الراتب البائس؟
سحب نفسا عميقا من سيكارته ليملأ وجوده بدخان, دخان يحسسه ببعض اللذة والأمل, الممزوج بتحذيرات المرض والموت,التفت نحوي وقال:
– الموضوع مختلف, يتعلق بشارع حينا (شارع حي البتول).
– الم يصلحوه؟ أتذكر شكواك منذ عام تقريبا!
إطفاء سيكارته بعصبية, كأنه بركان سيثور, وقال:
– عندما نخرج صباحا للعمل ونمر بشارع حي البتول العجيب, أتذكر كم من الساسة الذين جاءوا لزيارة الشارع والتبرك بما بقي من أسفلته, من أمينة العاصمة المصونة, الى محافظ بغداد الخدوم, الى جمع من جهابذة البرلمان ومجلس حافظة بغداد, ممن وعدوا أهل المناطق الفقير خيرا, وان الشارع سيكون كشوارع المنصور أو اليرموك.
– ومتى يفعلوها, ويصلحون الشارع العجيب؟
– لن يصلح هذا الشارع أبدا, لان السياسة عندنا عبارة عن زريبة للحمير والخنازير.
فضحكنا من توصيف زهير لساسة البلد, ثم ارتشف زهير رشفة شاي بصوت مسموع, كأنه يريد أن يقول شيء مهم, فأكمل زهير:
– المصيبة كما تعرفون تتضخم على الفقراء, ويجب أن تكتمل, فقبل أيام انقلبت “ستوتة” بفعل حفرة بالشارع, وحصلت كسور وجروح للركاب, وكان احدهم جدتي المسنة, وهي ألان مريضة, مكسورة الضلع.
ضحك أبو نجم بشكل هستيري وقال: مسكينة جدتك, أتذكر انفها الكبير, فضحكنا وضحك زهير, ثم أكمل حديثه:
– العشيرة جعلت غضبها على سائق الستوتة المسكين, وتطالبه بفصل عشائري, مع أني نصحتهم بان نطلب فصل عشائري من رئيس الوزراء أو من محافظ بغداد أم من أمينة العاصمة, فضحك الشيخ وكبار العشيرة من كلامي, لكن ما يشغلني ألان كيف أجد ثمن العلاج لجدتي.
فقلت لزهير: (سيجزلون لك العطاء, فقط طالبهم بجواري حسان كثمن مقابل جمال جدتك الزائل بسبب الحادث), وتضاحكنا, ثم قال أبو نجم بتهكم:
– طالبهم بعملية تجميل لأنف جدتك.
فضحكنا جميعا, حتى دمعت عيوننا, فكان ضحك كالبكاء.
الايميل الدائم / [email protected]