24 نوفمبر، 2024 1:55 ص
Search
Close this search box.

كابوس آخر من العراق شقيقي المخطوف والحيوانات غير الأليفة

كابوس آخر من العراق شقيقي المخطوف والحيوانات غير الأليفة

حين عدت للبيت .. وجدت ابي على غير عادته قلقاً مضطرباً ..يسعى لتسخين كفيه على مدفأة علاء الدين كما يفعل اغلبنا حينما يداهمه البرد القارس.. في ذلك اليوم من القرن الماضي ..ويأمرني بلا مقدمة بمتابعة البحث عن شقيقي المخطوف !!!.
ـ ابي ارجوك اولاً.. فهمني الموضوع.. شنو القصة !!.. لِما وكيف ومتى ؟؟
ـ شقيقك خطفته عصابة في منطقة حدودية مع ايران !!.. وانت افضل من نرسله للبحث عنه في تلك المنطقة لأنك امضيت فيها سنين عديدة.. وتجيد لهجة سكانها وتعرف طبيعتهم عن قرب اكثر من غيرك.. بسرعة وبدون تأخير تحرك للبحث عنه .
ـ نعم يا ابي سيكون ذلك فقط ارجوك اهدأ.
شددت الرحال فوراً وتحركت حالاً .. وصلت الحدود..هالني منظر الجبال والوديان المكللة بالثلوج وعندما خيم الليل بقيت ساهراً افكر بهدوء عسى ان اجده في مكان من هذه المدينة الحدودية التي يعمها السكون في الهزيع الأخير من هذا الليل الطويل والمتعب..
وصلت قلب المدينة ..في مركزها توقفت امام طريقين للمارة يخترقانها في ذهاب وإياب من صفحتي الشارع العريض.. الغريب ان الشارع الذي يخترق قلب المدينة يخلو من الحركة.. لا عجلات ولا مارة كأن الناس قد هجرت المدينة وغادرت عن بكرة ابيها .. ليس في هذا الخلاء الا بعض من العجلات المركونة التي يتساقط عليها ضوء القمر من السماء ليحدد للناظر الوحيد في هذه المنطقة شيئاً من معالمها بوضوح رغم حلكة الليل.. بسبب انعكاس الضوء على الثلوج البيضاء ليتحول ليل المدينة الى نهار داعماً وجود بعض الأضوية المشعة من الأعمدة المتناثرة هنا وهناك .
في الاتجاه الذي مشيت فيه لاح لي رجل ضخم القامة .. خفيف الحركة .. وكلما اقتربت منه وبانت لي معالم وجهه تراى لي أني اعرفه .. وحين باتت المسافة بيننا قريبة جداً للنظر.. وجدت لبوة اسد تسير امامه كما ترافق الكلاب اصحابها .!!
ياالاهي!!.. هذا الرجل يمتلك لبوة بدلا من الكلب.. متى كانت اللبوات اليفة تمشي مع صاحبها في الطرق والأزقة؟!!
الاغرب انها غير مقيدة بسلسلة أو حبل في رقبتها .. بل حرة طليقة .. ويد صاحبها هي الاخرى طليقة لا تمسك بها او تجرها..!!
قلت احدث نفسي .. حتى بعض الكلاب غير الشرسة.. يقيدها اصحابها خوفاً وحرصاً من مهاجمتها الناس.
لكن كيف تكون لبوة الأسد حرة بهذه الشكل؟؟
شغلتْ رأسي تساؤلات عديدة .. قبل ان اجيب بنفسي عليها.. قررت التنحي والابتعاد للجهة الأخرى تاركا الممر للبوة وصاحبها .. الذي لا ينفع معه التنبيه والنصيحة بضرورة ربط الحيوانات الأليفة.. في مثل هكذا موقف طارئ فاجأني و لم اكن مستعداً له .. وكي لا تلحق الاذى بالناس في اي لحظة متوقعة.. فكيف بحيوان وحشي غير اليف.. تلك بديهية يعرفها الجميع من كبيرهم الى صغيرهم ؟؟..
دب الخوف فيّ ، فسارعت الحركة للانتقال للجهة الاخرى من الشارع.. صرت في الطرف المقابل للبوة وصاحبها.. الذي لم يكترث لوجودي اصلاً او لم يلاحظني كما بدا لي.. فهو مشغول يقهقه كأنه يسمع طرفة أو نادرة من النوادر في هذه اللحظات .
مضيت في الجهة الأخرى .. كأني احدث نفسي.. واقول: لقد نجوت منهما.. من اللبوة ..ومن لا مبالاة صاحبها ..وحين اجتزتهما خفت دقات قلبي ، لكن واجهتني مفاجئة اخرى !!
اذ سلكت الجهة الاخرى للشارع ..مبتعداً عن اللبوة بما يشبه بصعود جبلي.. كانت تتراء لي منازل وبيوت فخمة متفرقة.. مشيدة حديثاً ومضاءة كاملة وبألوان مختلفة ،أغلبها في سفح يشبه سفح جبلي كدت اعرفه ولكن لم اتذكر أين لي سبق رويته.!
في تلك الاثناء لاح لي شخص آخر.. يسبقه ضبع ..وكما في حالة اللبوة دون قيد أورباط .. ضبع حر طليق يتقافز كعادته بالاعتماد على ساقيه الخلفيتين.. يبدو فرحاً برفقة صاحبه.. وتذكرت ان هذا الحيوان يلتهم فريسته دون قتلها اولاً.. كما تفعل باقي الحيوانات.. ووجدت نفسي في حيرة وخوف اكثر من خوفي وحيرتي مع اللبوة .
وصلت قرب المنازل ، ولحد هذه اللحظة لم اجد شخصاً واحداً يجوب الشوارع والطرقات سوى اصحاب الحيوانين مع اصحابهما.. سأسأل من !! ..بمن استنجد ..ان هاجمني الضبع الطليق؟؟
وجدت نفسي محشوراً في باحة بيت ليس له ابواب ..فدخلت اليه استقبلتني سيدة في الستينات من العمر:
فه رمو كاكا ،جي ده وي؟
تفضل اخي ماذاتريد؟
خاله ت برايه م بزربوا لي ئه برسم وئه كه ريم؟؟
خالتي ابحث عن شقيقي المخطوف والمفقود.واعطيتها اوصاف( شقيقي اميل)* المخطوف.
لا اعلم،، ففي جوابها كشفت لي سِراً لي دون مقدمات !!.. دون شروط او طلبات.. كأنها تعاطفت مع مشكلتي وقضيتي حين قالت:
ان لم يساعدك زوجي في العثور على شقيقك ..فلن يستطع احد ان يساعدك في الوصول اليه.
تيقنت ان السيدة صادقة، واشارت باصبعها الى شخص مدد جسده امام المدفأة الجبلية المملوءة بالحطب .. التي يستعر جمرها الجمبدي بلهب ازرق مصحوباً بهشيم حاد رررغررغر.
خاطبته بلهجة آمرة : انهض يارجل.. وساعد ضيفنا واوصله لشقيقه المخطوف.. فانت تعرف من خطفه واماكنهم .
كان يدير ظهره للمدفاءة ولم يكترث لنداء زوجته وإستمرينا نترجاه دون ان يتزحزع من مكانه قيد انمله.
استيقظت كان الفجر قد بزغ .. ادركت اننا في شهر آب وذكرى جريمة الأنفال التي تكررت لتصبح مع مرور الزمن انفالين..
ـ الاول في جبل كارة / دهوك 1988
ـ الثاني في شنكال و بحزاني وبقية مدن سهل نينوى 2014.

————–
* شقيقي اميل هو احد اشقائي من الشهداء الثلاثة بصحبة والدتي وعائلة عمي .. جلهم الـ 13 فرداً وقعوا ضحايا وشهداء في انفال 1988 و منذ ذلك الحين لم نعثر لحد اللحظة على اثر لهم

أحدث المقالات

أحدث المقالات