قررتُ أن أجعل حياتي حلوةً، ساعاتها ودقائقها. جمعتُ ما أملك من خبرة في الهندسة وصنعتُ جهاز تحلية الحياة.
سأضع في الجهاز بطاقات حلوة، وهي بطاقات التهنئة في المناسبات السعيدة، بطاقات مليئة بكلام حلو كأنها خارجة من فرن للحلويات، أضعها في المخروط المخصص في الجهاز، والذي يدفعها إلى مجفف بهواء حار، لتكون جافة ويابسة لتحويلها إلى مسحوق حلو في المطحنة الموجودة بعد وحدة التجفيف في الجهاز، ثم تعبئة المسحوق الحلو في أكياس خاصة صممتها مع الجهاز، في كل كيس منفاخ يدوي، لرش المسحوق الحلو أينما أتواجد، فيختلط مع الهواء وتنزل دقائق الساعة حلوة، وسيكون الزمن حلواً والمكان حلواً والحياة حلوة.إشتريت كل ما موجود في مكتبات المدينة من بطاقات التهنئة، وأسرعتُ إلى البيت وعيون الدهشة من أصحاب المكتبات تلاحقني، فتلك الكمية لا تناسب ما موجود من مناسبات سعيدة في مدينتي، تلك التي تنحصر فقط في مَن يغادر المدينة، حينذاك، نشتري بطاقات التهنئة للصقها على جدار صاحب البيت الذي هاجر وأختفى من مدينتنا، ولكن بكل هذه الكميات التي معي، فتلك تعني بحسب تقليد مدينتنا، أن الجميع قد غادروا ، حتى الذين لم ياتوا بعد !
دخلتُ البيت ، وجهزتُ الجهاز، وألقمته البطاقات، وملأتُ أكياس كثيرة بالمسحوق الحلو الذي أنتجه الجهاز . حملتُ معي كيساً وجلستُ أمام التلفزيون، وفتحتُ قناة إخبارية، وبينما المذيعة تقرأ النشرة، وصور القتلى تغطي الشاشة، أبدأ برش المسحوق الحلو من الكيس الذي معي، بإستخدام المنفاخ اليدوي، فيغطي المسحوق أجواء الغرفة، وأحس بحلاوة ما أسمع وأرى، حتى حين إنتهت النشرة، وجدتُ بداية لتجمع النمل حولي، في إشارة إلى أن ما شعرتُ به من وقت حلو، كان حقيقة وليس فقط شعوراً لا وقعياً نسجته رغبتي في الهروب من نشرة أخبار مكررة، تكاد تكون الصورة نفسها كل يوم، مع أسماء جديدة، ومذيعة جديدة.
إذن الجهاز يعمل، وستكون الحياة حلوة، والساعات جميعها حلوة.
معي الآن أكياس من المسحوق الحلو لأجعل حياتي كلها حلوة، وساعاتي ودقائقي كأنها فتات بقلاوة تتناثر مني وأنا أستمتع بالوقت الحلو… لا يهمني الآن أي نشرة أخبار أو صورة، كل شيء حلو، الأخبار، الحروب، والبيانات، كلها ستكون حلوة. ولأني ممتلىء بالكوابيس، فسأرش على نومي من هذا المسحوق، لتكون حتى كوابيسي حلوة،. وهكذا فعلتُ، وضعت كمية من المسحوق الحلو في فمي وأنا أستعد للنوم، ورش كمية أخرى على فراشي ووسادتي، فبدأ كابوسي من أولى لقطاته حلواً، ذلك الكابوس الذي يأتيني مكرراً منذ زمن بعيد، بشخصيات لم تكبر رغم أنني دخلتُ في الخمسين، فأصبحتُ أمشي في شوارع كابوسي وأستمتع بكل شيء حلو فيه، ولأول مرة، لم أستيقظ من نومي على صراخي المرعب.أستمتع بكابوسي، كل شيء حلو، ليستمر هذا الكابوس ما طال النوم، غير أني أشعر بوخزة في أصابع قدميّ ، تزداد الوخزات، أشعر بألم تصعد من أصابع قدميّ ، ثم ساقيّ، فبطني، تبهت شخصيات كابوسي، ربما أحتاج لكمية أكثر من ذلك المسحوق الحلو، الألم أصبح شديداً جداً، تختفي شخصيات كابوسي تماماً، فأستيقظ لأرى أن نصفي السفلي قد أختفى تحت فوج نمل مرعب ، يصعد النمل الشره من بطني نحو رأسي، لا أجد الآن غير صرخة لعلي أرجع من هذا الواقع المرعب إلى كابوسي الحلو الذي كنت فيه…. لا… لاااا… لاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا.