23 ديسمبر، 2024 2:55 م

قصة قصيرة
عندما يكون حلمي بلا ألوان ، أعرف أنه الكابوس ، فأغمد أسلحتي وأرفع راياتي البيضاء مستسلما ، بصمت ..
في مكان قصي فوق جبال  شاهقة ، وعرة ،  ربما هو أبعد مكان يمكن لأنسان بلوغه ، لاأتذكر ، ولاأعرف كيف وصلت الى هنا ؟؟!!
أ سيراً على الاقدام ؟ أم طائراً ؟؟ لاأعرف ، لكنه مكان بعيد .. بعيد ..
خوذات ، بساطيل ، مزق ثياب ، معدات عسكرية  معطوبة ، أشلاء متناثرة ، جثث منتفخة وأخرى في طريقها للانتفاخ .
برودة تسري في جسدي ، قوتي تخذلتني ، لاأستطع رفع يدي ، أدرت رقبتي بعناء لعلي أرى جسدي المسجى ، كل  محاولاتي فشلت ، لاحركة …
 الملقى على الارض هو انا ، أنظر إلي ،  وكأني أنظر الى شخص آخر ، الرؤية تتضبب ، صورغامضة ،  تدنو، تبتعد ، تدور ، تنحسر ، هالات صاعدة هابطة ، شممت رائحة كريهة ، مثل رائحة حيوانات نافقة ..
ريح صفراء تعوي ، تتطاير مزق الثياب ، أشجار عارية تصطف على أغصانها الكواسر، عيونها تلتمع بجوع وحشي ، آكلة الجيف تحوم حول الجثث ، إقتربت إحداها مني ، لاأعرف إن كان ضبعاً ، أم ثعلباً ، أم إبن آوى ؟؟
  تشممني ، لسانه يلعق خدي ، لهاثه يكنس الغبار عن وجهي ، اللسان خشن كالحلفاء ، صككت أسناني ،  سرى تيارفي جسدي ، كيف أبعد هذا الوحش عني ؟؟ ، تنمل جسدي  وتقلصت عضلات وجهي ، أبعده عني جناجان كبيران  إصطفقا  قرب خطمه ، زمجر هاربا غير بعيد ..
جثم على صدري ببراثنه الكبيرة ، عيناه في عيني ، تمشى فوق جسمي ليحدد  المكان الذي سيبدأ النهش فيه ، كان ثقيلا ، خطاه أثقل ، عاد وأستقر في ذات الموضع ، يحدق بي ، دق بمنقاره الكبيرعلى صدري ، تقدم خطوة نحو رأسي ، أصبحت تحت مرمى المنقار ، رفع رأسه الى الخلف ، وبحركة سريعة فقأ عيني اليمنى ، خيوط الدم تمتد من محجرعيني حتى منقاره ، رأيت عيني بعيني ، تلمض ، السائل الاحمر والابيض يسيلان من منقاره ..
صَوّبَ  نحو اليسرى ، رفع رأسه الى الخلف ، براثن أكبر من براثنه تخبط رأسه بضربة هائلة ، ترنح ، سقط الى الخلف ، ثم استوى قائما  منفوشاً  ، إستقر أمام غريمه ، إعتركا فوق بطني ، من سيحضى بالعين ؟؟؟
 المخالب تنغرس في كل مكان من جسدي ، تناثر الريش  ، تصلعت الرؤوس الدامية ، الدماء  الناضحة تغري الوحوش ،فتهاجم عاوية أو نابحة ،  الكواسر  تحلق على إرتفاع منخفض ، تتحين فرصة إبتعاد ذوات الاربع ، هذا يدنو ، وذاك يبتعد ، عيني اليسرى تدور وتدور برعب حول كل هؤلاء..
في الافق الضبابي البعيد ،  يلوح  وجه أمي ، تهرع نحوي ، تهش  الوحوش والكواسر ، إنها صبية ، مثلما رأيتها  عندما كنت صغيراً ، إنمحت عن وجهها  تجاعيد العمر، وأخاديد الدموع التي حفرها الخوف والانتظار الطويل ، سقطت وذراعاها الى الاعلى ، لا تكل عن هش الكواسر والوحوش ، نهضت راكضة ، كسرت غصن شجرة يابسة ، هشت به آكلة الجيف من بعيد ، تصيح بصوتها الخافت المتعب :
هششششش
 هشششش
هه ش …
 يخفت صوتها ، تترنح ، تسقط ، تلوح بيديها :
ولدي …
أبي يركض هو الاخر نحوي ، وجهه بلا ملامح ،  كم عام مر على موته ؟؟!!
 هو أبي ، أعرفه من رائحة رجولته ، صوته الاجش يصيح
 :
 هشششش هششششش ، تتقطع أنفاسه اللاهثة بطعم التبغ  ..
 يريد أن يطرد الوحوش عني ،  يتبدد صوته ، لايُفزّع العيون المستعرة بالجوع ، والمخالب المنغرسة في الجسد  البالي ..
هششش هششش أمي ، أبي  ، بنات آوى يهربن بساقي ..
هششش هششش ، الضباع تبقر بطني …
هششش هششششش ، أمي تسقط ، تنهض ، تترنح ،  وجه أبي بلا ملامح ، ضباب أحمر ، لازمان ولامكان ..
هشششش هششش ، العقبان تحلق بما تبقى من أمزاق جسدي..
هششششش هششششش ، أسقط من سريري ، العرق يتصبب على وجهي الشاحب ، جفاف في حلقي ..
هششش هششش ، بعيد عن وطني ، الذي لايفتأ يمدني بالكوابيس..