23 ديسمبر، 2024 1:37 ص

كائنات هبطت تواً من كوكب الرماد إلى كوكب المسرات !

كائنات هبطت تواً من كوكب الرماد إلى كوكب المسرات !

سيرة ذاتية من يوميات سجين عراقي !الروائي محمد سعدون السباهي 

عالم محّير أجوف ، مشحون بالمصائب والمحن ، ولا من مٌجير ، عالم جديد من دون هدف ومن دون تاريخ ، شاذ وغريب ومبهم ، ص144
ماهي وظيفة الرواية ، وما هو السر في زماننا هذا على اننا في عصر الرواية ،  تلك الأسئلة التي تشغل البال ، وأنا أتابع واقرأ العديد من الروايات التي صدرت بعد عام 2003، من الأخوة الروائيين في العراق ، ومن البديهي فإن وظيفة الرواية التي نخوض عصرها الآن  تكمن في مقدرتها كما يقال على أن تجعلك تلتفت لوقائع عشتها وتأملتها ثم حولتها لنا عبر خطوط الصراع الذي أنهك قواك منذ دخولك هذا العالم الذي تصفه لنا ” ذكريات مجرد ذكريات ،مغموسة بالدموع والحسرات ، والعض على القلب بدلاً من الأصابع ،ص138،
كل هذا نجده في رواية ” كوكب المسرات ”  ذلك  الكوكب المبطن بالهم ،والحزن ، والموت الذي يسرده لنا الأديب العراقي ” السباهي ” وكأننا شخوص متهمة،  ومدانة عبر نسيج روائي أخاطه لنا فنان يتقن لعبته السردية التي مارسها عبر أكثر من ربع قرن ، وهو بذلك يمنحك هذه الفرصة الذهبية مجدداً ، ويدخلك في رواية  تحمل البنية الداخلية والقيمة الفنية ،وفي إلقاء الضوء على مجتمع السجون ، والقارئ لهذه الرواية يجد سحرية التعبير الروائي  للواقع المحلي  في عالم السجون المتهالك عبر شخوص رسمها لنا بتقنية عالية وبصيرة حادة ،وبأن خيوط روايته المشتعلة بتفاصيل دقيقة عاشها في زنزانة لتؤرخ إنسانا في موقف ” حادث دهس سير ” أو لنقل تؤرخ موقفاً في إنسان ، وهو يدخلك في الفشل الذي أصاب النزلاء من جراء هذا العالم المكتظ بأسرار الصيحات المدوية التي ترجمها ” السباهي ” كالدموع التي تنهمر من ضمائر هؤلاء الناس ومن أرواحهم التي شبعت حزناً وضيماً وخوفاً من المجهول الذي سرده لنا الكاتب عبر تجواله في عالم النزلاء ، وهنا أجد غصة كبيرة في رواية مفعمة باللغة وفيها الكثير من المعاني والدلالات ومن خلالها نتعرف على جمالية المشاعر الإنسانية  التي يمتلكها ” السباهي ” ذلك المنطوي على نفسه منذُ عرفته في فترة الثمانينيات عندما كانت الحرب تدور رحاها في العراق ” الحرب العراقية الإيرانية  ” وهو يقاوم الشخوص ذات النزعات الشريرة  التي عاشرها مرغماً نتيجة قرار ذلك القاضي المرتشي والذي فاتت على ” السباهي ” أن يرشيه ويدفع عنه هذه التهمة الباطلة ولا يستحق عليها دخول السجن لأنها ” قضاء وقدر ” ومع هذا تجده في هذه الرواية ذات الطابع الإنساني أنه” محام قديراً ” يدافع عنهم ويطالب المتسلطين على رقابنا وهم الذين أوصلوا ابناء هذا الشعب الى ما هم عليه الان بلغة فيها من الجماليات الكثيرة ويصوغ  جملها جملة إثر جملة ، وهو الخائف والمتردد من عسس الحكومة التي تطارد كل من يرفع عجيزته  بوجهها   ، يقول ” وفي السرٌ أهذي : العراقيون ضحايا تاريخ ينقصه الذكاء ، يعميه التعصب ، والتحيز والطمع ، يكتبه السفلة وأبناء البغي وذوو الأصول الوضعية ، والا هل يعقل أن يرموا بالآف  الناس في السجون الخربة ،ومن دون طعام وماء ودواء ! وهكذا رواية وفي  فصولها ” السبعة عشر ” والتي يتأفف فيها ”  السباهي ” على حياته التي قضاها في معاشرة المثقفين متشبثأ بمقولة ” مارسيل بروست ” أنا إنما أكتب لأستمتع أولاً بما أكتبه ، أما القارئ فيجيء في المقام التالي ، لأنه ظل يحمل قلمه بالرغم من المتاعب التي مر بها ، وها هو يقول فأنا دائماً أقع في مخاصمة مع المحرر الثقافي الانتهازي ، أو ذلك المنافق في هذه الصحيفة او تلك المجلة ص51 ، وهو بنفس الوقت يدين هؤلاء  المتحجرين  من وراء  إقترافهم المتكرر للجرائم ، أذن نحن أمام عمل فيه الكثير من الإسقاطات الكثيرة على الواقع العراقي من تاريخ 1997 حتى  1999وبالتالي أرجع الى قول باسكال ” الإنسان قصبة بل هو اضعف قصبة في الطبيعة ، ولا يتطلب سحقه ان يتجند ضده الكون باسره  . والجدير بالذكر أن الرواية المذكورة صدرت عن دار ( أ راس ) للطباعة والنشر في كردستان العراق وتقع في 227 وهي من القطع المتوسط .