23 ديسمبر، 2024 1:34 ص

كأس العالم وحملات التشوية ضد قطر

كأس العالم وحملات التشوية ضد قطر

لأول مرة في تاريخ مباراة كأس العالم لكرة القدم التي بدأت عام 1930، تدار ضد البلد المنظم حملة إعلامية واسعة وشرسة بهذا الاتساع من أجهزة إعلام بعض الدول الغربية ضد قطر وتنظيمها لمباراة كأس العالم. ويكفي الاطلاع على التجارب السابقة للتأكد من مدى استهداف قطر لحصولها على إقامة هذه الدورة. تحظى مباراة كأس العالم باهتمام عالمي وتغطية إعلامية استثنائية من كل الدول لأهميتها ولمتابعة بضع مليارات من الناس في مختلف أرجاء المعمورة لها. بل انها فرصة تجارية ضخمة للبلد المنظم وللشركات التي تتعاقد لبناء البنى التحتية من الملاعب والطرق والمجمعات السكنية وفرصة توفير الآف المهن للعمال الذين تستخدمهم الشركات وتجلبهم من كل مكان للعمل في شتى المجالات المهيئة من سكن ونقل وطعام وأمن لحضور يتعدى أحيانا المليون مشجع ومتفرج. لكن هذه المناسبة لا تقتصر على الرياضة واقتصادها المربح فحسب بل ان السياسة تحضر فيها دون استدعاء مباشر او غير مباشر وهذا عبر تاريخ تنظيم هذه المباراة منذ تأسيسها عام 1928 .
مع قرب افتتاح الدورة الثانية والعشرين ، تأتي أشرس الحملات ضد قطر من الاعلام الفرنسي ومن اعلام اليسار بالذات الذي يمرر مشاعره غير الطيبة زورا عبر موضوع حقوق الانسان ويتباكى على العمال الذين فقدوا حياتهم خلال عمليات البناء والاعمال الخاصة بالمباراة وبحجة ان قطر دولة صغيرة وليست مهتمة بالرياضة وكرة القدم على شاكلة كثير من الدول المعروفة بحب شعبها لهذه الرياضة وفوزها في اكثر من دورة عالمية. ليس ذلك فحسب بل ان هذا الاعلام يدعو الى فضح وادانه وافشال هذه البطولة مع قرب انطلاقها، لذا قامت مدن مثل ليون وباريس وليل ومارسي وتولوز وستراسبورغ ورنس والتحقت بها مدينة بوردو بالامتناع عن بث المباريات عبر الشاشات العامة الموجودة في احياء المدن المختلفة. وبهذه المناسبة نشر موقع “ار تي أس انفو” السويسري موضوعا عن كتاب “قطر في مائه سؤال” للصحفي “كريستيان شينو” الذي صدر مؤخرا ، بعنوان قطر بلد صغير مؤثر يلعب على كل الجبهات، فمن ناحية يستعرض الصحفي استثمارات قطر الواسعة في اوربا وقدرة خزينتها على امتلاك الفنادق المشهورة والشركات الكبرى مثل قطر للطيران وقناة الجزيرة ومن جهة أخرى يشكك في أسئلة مثل ما هي اجندة قطر وربما ان هناك خطرا منها ؟
فما هو هذا الخطر الذي لا يراه صحفي راديو فرنسا لوحده بل ان الأوساط الداعمة للسياسة الإسرائيلية هي التي تتهجم ومنذ سنوات على قطر وتسيء لها بشكل منتظم. يقول كريستيان شينو ان قطر استطاعت ان تفرض وجودها كوسيط مع أطراف لا يحب الغرب التعامل معهم مثل حماس وطالبان “والحركات السورية المتطرفة” لكن “المشكلة” برأيه هو التقارب الفكري مع حماس والاخوان المسلمين ومحاولات تمويل الإسلام في اوربا. واذا كانت العلاقة مع حماس علاقة علنية غير خفية هدفها دعم الشعب الفلسطيني وخاصة غزة المحاصرة ، فأن تمويل الإسلام في اوربا كذبة لان مثل هذا الامر خاضع للرقابة الحكومية لكل بلد ولا يتم بصورة عشوائية بل يخضع لرقابة استثنائية ؟ ومن المعلوم ان بعض أحزاب الدول الغربية هي التي تستنجد أحيانا ولأغراض انتخابية بطلب تمويل الجاليات العربية لأغراض التصويت.
هذه الحملة على قطر ليست فقط وليدة حصولها على تنظيم كأس العالم لكرة القدم بل انها تعود الى أكثر من عقد وذلك مع بدء علاقات الاستثمار بينها وبين بعض الدول الاوربية، اذ تحركت أصوات إعلامية معروفة مستنكرة ما سمته بتغلغل قطر في الاقتصاد وشراء الشركات والاستثمارات الواسعة التي لا تعجب البعض المتنفذ هنا الذي يستهدف قطر وقيام الاعلام الصهيوني بالتركيز على تشويه صورة قطر وتصنيفها داعمة للمقاومة الفلسطينية لتكون البداية في الهجوم الذي يستمر الى اليوم مع قرب افتتاح الدورة الثانية والعشرين في الدوحة. ليس ذلك فحسب بل التحق بهذا الاعلام قنوات وصحفيين سويسريين من جنيف ولوزان لبث دعوة المقاطعة في سويسرا على شاكلة المدن الفرنسية ورغم ان البعض منهم كان بنفس حماسة الفرنسيين الا ان احدى الصحفيات وهي “لور لوغان” من صحيفة “لوتمب” قد قللت من جدية واهمية هذه الدعوات ووصفتها بالديماغوجية والنفاق من على شاشة قناة “ار ت اس ” وبالكلام غير المقبول الذي لن يوثر كثيرا على متابعة المتفرجين حول العالم لهذه المباراة. والغريب انه حتى من دعا للمقاطعة وإدانة تنظيم قطر لكأس العالم هو نفسه يقول ان من استفاق اليوم للدعوة للمقاطعة وإدانة قطر حول حقوق الانسان هو منافق ومتسلق لأنه جاء متأخرا!
ان حجج من يتهجم اليوم علي قطر لتنظيمها هذا المونديال لا تصمد امام ما نشر في صحف مثل جريدة اللوموند وغيرها حول وفاة العمال الاسيويين خلال عملية البناء لمختلف مبان الملاعب وأماكن السكن وغيرها. ان مناقصات البناء بحسب جريدة اللوموند في الحادي عشر من الشهر الماضي لا تعود لقطر بل لإحدى كبريات الشركات الفرنسية وهي “دوفنسي” وقد تم رفع عدد من الدعوات في المحاكم ضدها في باريس من قبل بعض منظمات المجتمع المدني التي تعتقد ان هذه الشركة وربما غيرها تسجل وفاة العمال المتوفيين في ورشات العمل بالسكتة القلبية بدل تسجيلهم بالحوادث الحقيقية كي لا يتم تعويض عوائلهم وذوييهم عن الوفاة. اما عن حجة تنظيم بلد صغير وغير كروي لهذه المباراة فأن الوقائع تشهد ان اعداد المشاهدين عبر شاشات التلفزيون هو الأهم والذي يتعدى بضع مليارات من البشر وليس حضور المشجعين لان الملاعب لا تستوعب الا عددا محدودا وليس الملايين إضافة الي ان تنظيم المباراة العالمية كان حصريا في البلدان الغربية وقد كسرت هذه القاعدة عام 2010 عندما أقيمت في جمهورية افريقيا الوسطى فمن يتكلم عن حقوق الانسان عليه ان يعترف ان تنظيم مثل هذه المباريات في دول أخرى ليس امرآ سيئا بل يزيد من تطوير العلاقات بين الشعوب والبلدان.
تبدو الحملة الإعلامية الجارية ضد تنظيم قطر للمونديال حملة “أوساط إعلامية معينة” تستكثر على العرب وخاصة الدول النفطية والغازية تنظيم مثل هذه المناسبة العالمية بهدف تشويه صورة قطر وتعكير العلاقات بينها وبين الدول الاخرى وهو ما اشارت له الصحفية السويسرية “لور لوغان” التي قالت ان لا مصلحة لنا بهذه الحملة وخاصة في مثل الأوضاع الجيو- سياسية الحالية وأزمة الغاز وكل ما ينشر ويكتب يخلق توترا بيننا وبين قطر والعالم العربي الذي تلقى رسالة الحملات الاوربية غير المنصفة.