18 ديسمبر، 2024 8:56 م

قُضي الأمر الذي فيه تستفيان وحدة العراق تحت وصاية المرجعية العليا

قُضي الأمر الذي فيه تستفيان وحدة العراق تحت وصاية المرجعية العليا

ثلاثة أيام عجاف مرت على العراق، لم يُدرك قسوتها وشدة وعظمة خطرها، إلا من يعي نتائج ما حصل من مغامرة سياسية، قام بها الأخوة الكُرد، كادت أن تُضيع البلد، وتقتاده بشعبه وجماهيره الى عالم الضياع والمجهول، ولكن جمعة “التاسع والعشرين” من شهر أيلول 2017 كانت بمثابة السنبلات الخضر..! ويوم الوفرة، الذي أزاح شبح تلك المغامرة السياسية، وأعاد العراق مستقراً يهنىء بوحدته أرضا وشعباً، بعيداً عن أضغاث الأحلام، التي بدى يرتاد أسرتها سياسيو إقليم كردستان، فكانت خطبة المرجع “السيستاني” ومبادرته لحلحلة تلك الأزمة، هي الفصل الذي قضى على ذلك الإستفتاء المزعوم..!
من هذا المنطلق سنسلط الضوء على أهم ما جاء بخطبة “المرجع الأعلى”، من خلال منبر الجمعة في كربلاء، حول قضية الإستفتاء، كونه خطاب فصل لابد أن تقف عليه الأجيال، وللمتتبع الكريم لتلك الخطبة نجد ما يلي:
1- في المقطع الأول من الخطبة، وبنص كلامه القائل: (ما أن تجاوز الشعب العراقي الصابر المحتسب، محنة الإرهاب الداعشي، أو كاد أن يتجاوزها، بفضل تضحيات الرجال الأبطال في القوات المسلحة، والقوى المساندة لها، حتى أصبح وللأسف الشديد، في مواجهة محنة جديدة، تتمثل في محاولة تقسيم البلد، واقتطاع شماله بإقامة دولة مستقلة).
وهذا ما يشير: بأن ما يقوم به الأخوة الأكراد، من قضية الأستفتاء، ليس إلا ترسيم للحدود وتقسيم للبلد، وهذا ما لا يقل شأن وشدة عن ما قام به داعش، وهنا قارن المرجع بالمثل بين جريمة داعش والأستفتاء! ولكن بفرق أن الإستفتاء جريمة جديدة بالنسبة لجرائم داعش بفارق الزمن فقط، فيعطي نتاج بأن “المرجع” على علم ومعرفة ودراية تامة، بأن نتائج الإستفتاء محسومة، وما كان تلك المحاولات إلا مناورات يراد بها إستغفال الشعب، والذي وصفه بالشعب الصابر المحتسب، أي الذي ليس لديه القوة إلا الصبر والاحتساب عند الله، خوفاً من الفتنة والإقتتال، ومن الملفت للنظر بأن المرجع، لم يطرح مصطلح “الاستفتاء” نهائيا في هذا المقطع من الخطبة، لعدم شرعيته بنظره، وأستعاض عن تلك المفردة، بما يُرجعها الى أصل منشأها بعبارة “محاولة تقسيم واقتطاع البلد”.
2- في المقطع الثاني من الخطبة بما نص قوله:(إن المرجعية الدينية العليا، التي طالما أكدت على ضرورة المحافظة على وحدة العراق أرضاً وشعباً، وعملت ما في وسعها في سبيل نبذ الطائفية والعنصرية، وتحقيق التساوي بين جميع العراقيين من مختلف المكونات، تدعو جميع الأطراف الى الإلتزام بالدستور العراقي نصاً وروحاً، والإحتكام في ما يقع من المنازعات بين الحكومة الأتحادية وحكومة الإقليم، مما يستعصى على الحل بالطرق السياسية الى المحكمة الإتحادية العليا).
ولعل هذا النص، بحد ذاته دستور وقانون! يُلزم جميع الأطراف بما في ذلك الأقليم أوالحكومة الأتحادية او الفرد من كلا الطرفين، بأن يحتكم الى الدستور! وبالتالي هو نص جديد يقضي بشرعية الدستور العراقي الحالي من قبل المؤسسة الدينية العليا! وتأكيد منها بأن هذا الدستور وعلى الرغم من ما مُسجل عليه من نقاط خلافية، إلا انه كفيل بحل الأزمة المرتبطة بوحدة الارض والشعب والموارد البشرية والجغرافية.
وبذلك قطع الطريق، أمام كل من يحاول أن يُعرج على عدم شرعية الدستور، لتبرير خروجه من الحكومة أو الاستفراد بها، كما وأعطت مؤشرا خطيرا، بأن ما حصل وما يحصل الآن من مشاكل سياسية، سببها الاول والأخير هو الابتعاد عن الدستور! الذي كتبه السياسيون أنفسهم! ومن الملفت للنظر بأن المرجعية، استخدمت عبارة “وحدة العراق بدل توحيده” بدلالة أن الوحدة حاصلة مسبقاً، والتوحيد لا يأتي إلا من بعد تفرقة أو شتات، وهذا ما لم يحصل، كما وأعطت رسالة واضحة للإخوة الكُرد، بأن الحل يكمن بوجودكم في بغداد،حيث المحكمة الإتحادية لا وجودكم في أربيل، لتراشق وتبادل الاتهامات.
3- (إن القيام بخطوات منفردة، باتجاه التقسيم والإنفصال، ومحاولة جعل ذلك أمراً واقعا، سيؤدي بما سيتبعه من ردود أفعال داخلية وخارجية؛ الى عواقب غير محمودة تمس بالدرجة الأساس، حياة أعزائنا المواطنين الكورد، وربما يؤدي الى ما هو أخطر من ذلك).
في هذا المقطع من الخطبة، هنالك خطاب بصورة غير مباشرة، الى الأخوة السياسيين في شمال العراق أولاً، بأن المتضرر الأول والوحيد مما سينتج عما تقومون به هو الشعب الكُردي، لأنه سيكون على تماس مباشر بالحياة اليومية التي تتأثر بالسياسة! ومساوئ مواطنها وبواطنها، وإنكم أيها الساسة غير مكترثين لما يحصل لشعبكم! بعد إن أمنتم وجودكم وعوائلكم، ورسالة للشعب الكردي بنفس الوقت بأن ساستكم سيتخلون عنكم، أمام المخاطر التي باتت وشيكة، فيما لو تم إستقطاع شمال العراق كدولة مستقلة، وستدفعون ثمن ما يحصل.
وهنا اشارة ايضا الى حجم الكارثة التي استقرأها “المرجع الأعلى” في الزمن القريب، تحت ظل التقسيم المزمع إنشاءه من قبل السياسيين في كردستان، وكما حذر المرجع مسبقا من دخول داعش للسنة، ها هو يحذر اليوم الاخوة الاكراد والشعب بأن هنالك أطرافا أقليمية ودولية، لديها مطامع ومساع وأجندات ومصالح ومكاسب على حساب العراق بأجمعه، بما في ذلك الاكراد بصورة مباشرة.
4- من المقاطع الاخيرة للخطبة قوله (ندعو الأخوة المسؤولين في الإقليم الى الرجوع الى المسار الدستوري) ، وهذا ما يشرعن عدم دستورية ما يقومون به! تحت مسمى الاستفتاء، وهم لا زالوا إخوة ولازال المسار الدستوري قائم لسلوكه، وبنفس المقطع يشير المرجع بقوله (ندعو الحكومة العراقية والقوى السياسية الممثلة في مجلس النواب الى ان تراعي في جميع قراراتها وخطواتها المحافظة على الحقوق الدستورية للإخوة الكورد وعدم المساس بشيء منها) الى أن الاخوة الاكراد شعبا وحكومة، هم شركاء في الوطن، تترتب عليهم الواجبات وتحصد لهم الحقوق، على أن لا يتجاوز ذلك الدستور والقانون، وعلى الحكومة العراقية بأن تعي أن الاكراد عراقيون وإن أختلفت قوميتهم، وليس هنالك مدعاة لتهميش مكون من مكونات الشعب العراقي، وعليها أن تسهل مهمة إحتوأهم.
أدرك الأخوة الأكراد حكومة وشعبا، عظمة الخطاب والوصايا التي وجهها “المرجع الأعلى” بما يخص الوضع السياسي وقضية الإستفتاء، فدخلت مبادرة المرجع الأعلى أروقة البرلمان الكردستاني، بعد يوم واحد من خطبة الجمعة للتاريخ المذكور مسبقاً، ليصوت عليها بالإيجاب فصوت عليها بواقع 70 صوت، وبذلك نبعث رسالة اخرى للإخوة في “التيار المدني”، بأن “المرجع الأعلى” و “المؤسسة الاسلامية” لا زالت هي صمام الأمان، ومنشأ الوطنية في حفظ حقوق الشعب والمواطنة للجميع، في وقت لم نرى لكم في ذلك حسيسا ولا نجوى، أُحتل العراق وانتم ساكتون! وتقسم العراق وانتم ساكتون! وتطالبون بان الحكم لكم بدافع وطنيتكم وخيانة الإسلاميين للوطن؟!!! فلعمري أن أموت ولا أعلم متى سيكون لكم موقف وصوت وطني، إتجاه بلدكم وشعبكم بالرغم من كثرة شعاراتكم الخاوية المتهرئة، على المباني والمكاتب التي تشغلونها، لشن حرب خاسرة ضد الإسلام والمذهب والمرجعية.
من خلال ما تقدم في خطبة المرجعية العليا، وما ترتب عليها من آثر المبادرة، نجد بأن السيد “السيستاني” هو الشخص الناطق المؤثر! والصامت المؤثر! وأن الأخوة السياسيين في الحكومة الأتحادية ممن لهم مساع وصفها المرجع بــ(المساعي النبيلة) في لملمة جراح الوطن والشعب، في قضية ما يسمى بتقسيم العراق عبر الاستفتاء، سيكونون هم صمام أمان البلد، وليس هنالك أي مصلحة من لغة التهديد والوعيد، التي أذاعها بعض السياسيين وللأسف، لأن لغة التهديد لا تنتج إلا الحرب والدم والقتل، والشعب لازال يخوض غمار حرب شرسة مع داعش، قطعت بها الاف الرؤوس والأشلاء من أبناء هذا البلد الجريح، وهم ليسوا على إستعداد لفتح جبهة اخرى، سنخسر بها الاكثر والأكثر، مادامت لغة الحوار ستنهي جميع تلك المشاكل بهدوء، ولا تشوبها شائبة التشنج السياسي، والصراع المجتمعي، على أساس القومية والتكتل والطائفة