يوم كان العراق يجرّب ديمقراطيّة “مود” كان أن انفتح على العالم بقوّة بعد قرون طويلة من الانغلاق ما نسمّيها بلغة العصر “حالة طوارئ” كانت قد ابتدأت منذ ظهور الإسلام سنة 700 للميلاد ولغاية 1917 للميلاد ! لتزول مع زوال آخر معاقل خلافة المسلمين “الخلافة العثمانيّة” , والانفتاح ذاك يقترب لشراهته شراهة انفتاح العراق بعد الاحتلال والغزو 2003 بعد عقود من الانكفاء إلى الداخل ولأسباب عدّة أغلبها معروف لدى الجميع , وهذا الانفتاح استمرّ فقط لبضع سنين لا تتعدّى الثلاث سنوات بعدها استمرّ الانفتاح لكن باتّجاه واحد , الاستيراد فقط فيما عدى أنبوب النفط بالطبع ! , تصاعدت وتيرتهة الانفتاح الأخير هذا منذ ما قبل 8 سنوات وإلى الآن هي فترة تولّي رئاسة حكومة العراق السيّد نوري المالكي , 8 سنوات من الانكفاء الحسّي الشعبي القسري إلى داخل العقل والضمير , سنوات لم يعرف العراقيّون لرئيس حكومته مبدأ حقيقي أو عقيدة حقيقيّة أو برنامج إصلاح حقيقيأو توجّه واضح , سنوات مليئة بالكذب والاحتيال والمحاباة والحثّ على الطائفيّة كلّما اقترب موسم الانتخاب إلى أن أصبحت سلوكيّاته هذه مدار نكات وتهكّم ومآسي تراجيديّة ميلودراميّة حقيقيّة , فلأوّل مرّة يشهد العراق طراز من الكذب المستمرّ بشكل مباشر وملموس لرئيس حكومة , وطبعاً جميعنا يعرف الدارج من القول في الكذب “دير بالك لا يوكع علينه الشيلمان” أو “عله كيفك يمعوّد تره سكف الغرفة عتيك !” وغيرهما وجميعها يشير إلى الكذب من النوع الثقيل , والعراقيّون في هذا المجال بارعون في توجيه النقد الّلاذع لمن يتمادى به الخيال فيصوّره حقيقة , لكوننا شعب يتميّز بالصراحة حدّ التقريع إن تطلّب الأمر , لذا انحسر الكذب داخل مجتمعنا على تفاوت ثقافاته المتنوّعة إلى أضيق مجال فلم يعد يتنفّس إلاّ إذا سُمح له ! , أي عدما يضطر الواحد منّا إلى الكذب اضطراراً , إمّا خوفاً من عقاب أو إحراج أو تحسّباً لخسارة تجاريّة الخ , ومن أكثر الّذين اشتهروا بالكذب داخل مجتمعنا “كذب المحرج” شريحة معروفة منه هم أصحاب معارض السيّارات المستعملة ! ف”الجذب ينرادله كلب من حديد” مثل ما نقول “مو گلب من بلاستك مُعاد” مثل گلب عبعوب المسكين .. ومن ضمن الانفتاح المجنون الّذي أصاب العراقيين والبغادلة منهم على وجه الخصوص بعد دخول “مود ” بغداد , بعد التنافس على البدء بتبديل زيّهم المتوارث بزيّ “الأفندي” وغيرها من تقاليد وسلوكيّات ومُرتديات افتتحت , كانت مقاهي تمّ افتتاحها لها وظائف ترفيه من نوع آخر مقتبسة من الحياة العامّة للمدن البريطانيّة ومن نوع آخر لم يألفه العراقيّون , هي مقاه للضحك ! لم يفتتحها البريطانيّون إلاّ في العراق دوناً عن مستعمراتهم جميعاً بحسب بعض المصادر ! ذلك عدى افتتاح مقاهي لتدخين “الحشيشة” ومقاهي للشذوذ الجنسي أيضاً ! وكان بعضها في نطاق ضيّق جدّاً ومتوار عن مسقط عيون المارّة بالشكل المباشر , وأشهر المقاه الّتي افتتحت بعد الاحتلال البريطاني هي مقاهي للكذب ! ومن هذه المقاهي بزغت نجوم في الكذب ولربّما من أشهرهم كان في مدينة الديوانيّة عاصمة محافظة القادسيّة يكنّى ب “قُرْبن” صاحب مقهى في المدينة كان كذاب اشتهر بخصوبة خيال لا تضارع في الكذب , أقلّ كذبة أطلقها “قربن” المسكين رحمه الله من مقهاه “في الصوب الزغيّر من المدينة” بحسب ما كان يرويه لنا أهالينا المعاصرون له كانت كذبة بيضاء من كذباته الشهيرة هي : “دعوة عاجلة من ملكة بريطانيا وجّهت إليه برقيّاً للحضور فوراً إلى لندن وخلال “ساعتين فقط!”, أمّا لماذا استدعت الملكة البريطانيّة المرحوم قربن التحاقه خلال الساعتين فلكي “يُنقذ فريق بريطانيا الكروي من هزيمة محقّقة” ! ولا ندري كيف حسبها بساعتين من “الديوانيّة” إلى بغداد إلى لندن بالطائرة !؟ إلاّ إذا حسبها بطائرة حربيّة “نفّاثة” لها محرّكا دفع صاروخيّين ! , المهم المستمع يسمع ولا يبدو على وجهه أيّ انفعال وإلاّ فمصيره الطرد من المقهى! “خاصّةً والفريق الخصم متقدّم على الفريق البريطاني “4 ـ 0″ أول 10 دقائق ! أوقف الحكم المباراة إثر هجوم الجمهور على وسط الملعب” ! , وهي “فرصة” تأخير “لحين وصول السيّد قربن!” , لا نطيل , ترك قربن الملعب وهمّ بالعودة بعد تأدية “واجبه” عقب ترحيب الملكة .. الخ , كما يروي , والجمهور البريطاني رافعاً قطع شباك حارس مرمى الخصم “الّذي دخل المستشفى بسبب ضربة كرة قويّة من قربن!” وحاملاً بيده أيضاً القطع المتناثرة لقوائم المرمى “الهدف” والّتي تحطّمت جرّاء تهديفات قربن الصاروخيّة ! في حين يواصل الجمهور هتافاته “قربن.. قربن ..” ! وعاد قربن إلى بغداد ثمّ مدينته بعدما أودع خمسة اهداف لصالح بريطانيا ! .. أحياناً أسأل نفسي , ما الفرق بين كذّاب وكذّاب آخر ؟ طالما مبدأ الكذب متوافر سواء أدّعى السيّد قربن “سمّي بذلك الاسم من صوت سرعة فائقة وهو يقذف طابوقة البناء لأعلى ناطحة السحاب فتدوّي حين يطلقها من يده ـ قرررر .. بنننن ـ !” أو ادّعاء السيّد المالكي من إحدى مقاهيه قصدي منصّة خطاباته “أنّ العراق أفضل من بريطانيا في الديمقراطيّة” ! , برأي الفارق كبير , فكذب صاحبنا السيّد المالكي خبيث ووراءه منصب دولة ليس من السهولة التفريط به لشخص نصف أمّي مثله ومستعدّ لأنّ يضحّي لأجل المنصب هذا ليس بسمعته بلّ بأغلى ما يملك كي يستمرّ رئيساً للوزراء , طبيعي بالنسبة لأيّ شخص لا تهمّه سمعته من السهل عليه جدّاً أن يضحّي بأعزّ ما يملك مقابل مكاسب ذاتيّة حتّى لو يروح ضحيّتها مئات الألوف من الأبرياء و700 تريليون دينار من أموال العراق , عدا الخسائر الغير منظورة .. فإن كان كذّاب الديوانيّة “وكذبه كان للتسلية لأجل انعاش وضعه الاقتصادي” يلخّص شهرته الخاصّة المزعومة من ساعتين فقط , فإنّ السيّد المالكي يلخّص الدفاع عن عرشه بوعد كاذب من مئة يوم “لإصلاح وضع العراق وإعادة خدماته كهرباء وإعمار الخ وإعادة هيبته الحضاريّة المحطّمة خلال هذه المدّة ال 100 يوم !؟ وإن سؤل السيّد المالكي كيف تستطيع أن تصلح بلد منهك مثل العراق محطّمة بنيته التحتيّة تكاد تكون تماماً بفعل عوامل مدمّرة عدّة وأنت لم تقدّم شيئاً للعراق طيلة سنوات حكمك وتريد إصلاح البلد بمئة يوم ! وأنت غير مهتم لذلك لانشغالك المستمرّ بالتحضير للفوز بالولاية القادمة عندما تفوز بها تحضّر للأخرى ؟! وهكذا, لربّما سيجيب : سأدعم تحرّكاتي لإصلاح وإعمار العراق خلال المئة يوم بصواريخ نفّاثة أحزّم “ظهري” بها من الخلف بالتعاون مع المخلصين , أمّا من هم المخلصون , فلم يفصح عنهم السيّد المالكي حينها إلى أن رأينا واحداً صاروخيّاً منهم “دهدر” بعض من إنجازاته على الشعب العراقي , لكنّ المسكين “عبعوب” شعر لربّما بتأنيب ضميره له فسقط مغشيّاً عليه لرهافة قلبه الّذي لا يتسّع لمسؤوليّة بحجم غير مهيّأ الالتزام بحمايته ..