بلا شك أن التنظير للإرهاب والعنف الدموي باقي ويتمدد في فكر وفلسفة الجماعات الأصولية الإسلامية، تلك الجماعات التي تهدف وتعمل بكل قوة على الأرض بغرض إعادة صياغة المجتمعات العربيّة وَفقاً للنموذج الإسلاميّ المتصور في أذهانهم، بعد فشل النماذج الليبرالية واليسارية وغيرها عن تقديم مشروع حضاريّ نهوضيّ يضعها على طريق التقدم والنمو. القضية لن تنتهي بقتل أسامة بن لادن والزرقاوي وغيرهم من زعماء وقادة التنظيمات الإرهابية. فقد مات قبلهم الباكستاني (أبو الأعلى المودوديّ) والذي يُعد من بين أهم المنظرين لفكرة قيام الدولة الإسلاميّة، هو صاحب فكرة (الحاكمية الإلهيّة). والأب التاريخيّ لفكرة الحاكمية لله. وعلى نهج المودوديّ سار (سيد قطب) في قضية الحاكمية، لكنه انتقل بمفهوم الحاكمية من نطاق الاجتهاد السياسيّ الذي أملته الظروف المحليّة في الهند إلى نطاق العقيدة والتوحيد، فالحاكمية عند سيد قطب جزء لا يتجزأ من توحيد الألوهية، وبهذا أصبح قطب الأب العربيّ لفكرة الحاكمية، والعلامة البارزة والرائدة في التاريخ الإسلاميّ الحديث مؤسساً ومؤصلاً لأفكار العنف والتكفير والإرهاب، فهو الرائد والملهم لكل الجماعات والتيارات الجهاديّة الإسلاميّة التي تعتمد نهج العنف والإرهاب، ثم أعدم قطب. وبعد قطب مات المصري (رفاعي سرور) هو أحد أهم قادة الرعيل الأول للحركات السلفيّة الجهاديّة، ومات (شكري مصطفى) من أبرز وأهم قيادات جماعة التكفير والهجرة. أما الفلسطيني (عبد الله عزام) المُنظر الأول لتنظيم القاعدة ورائد الجهاد الأفغاني فقد قُتل من قبل الجماعة نفسها. وفيما يخص الدكتور الفلسطيني (صالح سرية) الجهادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين ومؤسس تنظيم الفنية العسكرية كان قد أصدر وثيقته الشهيرة (رسالة الإيمان) تلك الوثيقة التي تعتبر تجسيدا واضحاً للعنف والإرهاب عندما هاجم سرية في وثيقته هذه، السلطات في الدول، وكفّر جميع الأحزاب السياسيّة متهماً كل مَن اشترك في حزب عقائديّ كافراً، ولا شك في كفره، وقد حكم على سرية بالإعدام بعد عملية الكلية الفنية العسكرية في مصر والتي تسمى بمذبحة الكلية الفنية العسكرية في 18 نيسان/أبريل عام 1974 بعدما اقتحم تنظيم الفنية العسكريّة بقيادة صالح سرية، مستودع الكلية الفنية العسكريّة، واستولوا على عدد كبير من الأسلحة، وكان هدفهم قتل الرئيس أنور السادات من أجل إعلان ولادة جمهورية مصر الإسلاميّة.
يبقى السؤال المهم: بعد رحيل كل هذه الأسماء وعلى رأسهم (حسن البنا) مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وغيرهم من منظري الإرهاب والعنف والتكفير، هل ماتوا هؤلاء موتا ماديا حقيقيا أم موتا روحيا ومعنويا، بمعنى هل ماتوا فعلا أم الفكرة التي نظورا أليها هي التي ماتت؟
الجواب:
لم ينتهي العنف بعدهم وإنما أصبحت ظاهرة العنف الإرهابيّ من أكبر التحديات وأخطرها التي تواجه الحكوماتِ الساعيةَ إلى الاستقرار الوطنيّ والإقليميّ والدوليّ على حدٍ سواء، فهي عقبة رئيسة أمام تنمية الشعوب وتطورها. الأمر الذي يدعو إلى ضرورة البحث فيما يقف وراء هذه الظاهرة، والآثار والتداعيات التي تترتب على ظاهرة الإرهاب بأشكاله وصوره المختلفة. وإذا تفحصنا موضوع الإرهاب بدراسة تحليلية. وإذا ما أجرينا مراجعة تاريخيّة فسوف نجد أن هذه الظاهرة تتزايد وبشكل كبير جدًّا حتى أصبح الإرهاب اليوم يشكل هاجس خوف وقلق يثير الرعب، خاصة أنّ الإرهاب ليس حرباً نظامية، وإنما على شكل حرب عصابات غير منظمة بحيث إنّ الدول والمجتمعات أصبحت تواجه عدوًّا مجهولاً يمارس شتى أنواع العنف كالتفجير والتفخيخ والقتل والذبح والاختطاف والإبادة دون أن تعلم هذه الدول والمجتمعات لماذا، ومتى، وأين.
وتـأسيسا لما تقدم، فإن المشكلة ليست بالأشخاص بل في التنظير، صحيح أن الشخصيات المذكورة آنفا وآخرون هم من نظروا للإرهاب، لكن عندما تكون المعالجة في القضاء على الأفكار والفلسفة العقائدية لكل هذه الجماعات، لن يبقى للأشخاص دور مستقبلا. من هنا يجب أن نصلح ثقافتنا بأيدينا، وعلينا أن نفهم جميعا، بأن كل الفصائل والحركات المتشددة، جماعات الإسلام الراديكالي يدركون أن التدخل الإلهي في الكون ليس اعتباطيا فحاربوا أي قانون عقلي يسعى إلى فهم أوامر الله وجعلوا أنفسهم مقياسا لكل شيء. في السياق ذاته أن كل الإرهابين يعانون من أزمات نفسية حادة ولهذا يرون في فكرة (الجهاد) حلا لمشاكلهم. بيد أن مشكلتنا الخطيرة مع هؤلاء أنهم لا يقفون عند حدود الرأي، وإنما يتجاوزونه إلى إصدار الأحكام، أما الأخطر فهو في الجانب الفلسفي في أفكارهم التي لا تتجاوز تأويلهم الفاسد لنصوص القرآن.
إن الله اراد للإسلام أن يكون دينا، لا أن يكون الإرهاب والانتهازية عنوانا للدين، ولا يكون مفهوم الجهاد عنوانا لسفك الدماء. وعليه فإن تسييس الدين وأدلجته لا يحتاج إلى عمق فلسفي، وعندما يكون الهدف بعيد عن الدين، يفقد الدين روحه الإنساني وتحل في ثناياه روح التوحش، ومن هنا انطلقت الجماعات الأصولية ليصبح الإرهاب مشروعا لهم وليس وسيلة، بالتالي فإن الدين لديهم وسيلة ومطية لتحقيق أهداف لا صلة لها بالإسلام. مع العرض أن هذه الجماعات كان وما يزال دعمهم من قبل مخابرات دولية عالمية، وإن دعمهم هذا جاء وفق حسابات التوازن السياسي.