لا أعلم؛ هل أنها دموع الفرح؟ أم دموع الحزن, التي تنساب مني, كلما تناولت درس من دروس الجهاد المقدس, “إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى”, وأي هدى الذي يمضي اليه المتطوعين, لتلبية نداء السماء, والوقوف بوجه اعتى اشرار الارض بالتاريخ المعاصر, فكانت لنا وقفة لاستذكار شهيد من شهداء العقيدة والوطن.
عامر باشي الجبوري؛ مواليد محافظة الديوانية قضاء الحمزة الشرقي, عام 1987 ذو السبعة وعشرين ربيعاً, ترك عائلة من النساء والاطفال, يئنون بحمل معاناة الحياة بأنفسهم, بلا معين ولا معيل سوى أهات الفراق, ودموع الثكالى بوداع وليهم, نحو ملتقى الإمام الحسين “عليه السلام”, وهنا تكمن أسباب البكاء تارة للفرح, حيث نال وسام شهادة, وأخرى لتركه نسوة أعميت عيونهن عليه من البكاء.
عرف الشهيد عامر منذ نعومة اظفاره, بولائه لأهل البيت “عليه السلام”, وارتباطه العقائدية بالمرجعية الدينية, لاسيما المرجع الاعلى الإمام السيستاني, فكان يتمتع بعشق كبير, ومتابع جيد منذ نشأته للقضية المهدوية, وكونه اباً لولدين, وأربع بنات, وليس لديه عمل ثابت, كان يعمل بإعمال الحرة, أجير في إعمال صيانة مشاريع الكهرباء, تخرج من الدراسة الاعدادية المسائية, وقُبل في كلية القانون عام 2014.
كان محبوب لدى اصدقائه بمنطقته, يتفقدهم ويسأل عنهم, ويتواصل حتى مع من يقطعه, أو يبتعد عنه, ترك بفراقه فراغ لدى محبيه, فأنه ذو فطرة سليمة, يمتلك صفات حميدة, وأخلاق فاضلة, عندما أطلق المرجع الاعلى فتواه بالجهاد المقدس, لصد تمدد داعش في حزيران عام 2014, كان الشهيد عامر متحمساً جداً للمشاركة, وكثيراً ما يردد “هذه فرصتنا وقد لا نحصل عليها لاحقاً”.
شارك في قاطع عمليات تكريت, منطقة البو عجيل, كانت المنطقة مكتظة بالبساتين, مما تشكل صعوبة بالمواجهة مع الاعداء, ومعرفة تواجدهم مع قلة الامكانيات التقنية, في بداية انطلاق الفتوى, كان شهيدنا عمار يتفقد نقاط المرابطة في أحد البساتين, بالمقابل كانت هناك مجموعة من البيوتات تسيطر عليها العناصر الارهابية, وفي الاثناء تعرضت أحدى تلك النقاط لهجوم مباغت, أضطر بعض المتواجدين فيها لتركها.
بقى الشهيد عامر؛ وأثنين من زملائه في مواجهة الارهابيين, يقاتلونهم قتال شرس, بالسلاح الـــ”PKC” المتوفر, حتى انتهت ذخيرتهم, فتوجه الشهيد لسلاح “الدوشكا”, بالإثناء كان العدو يتربص به, وحاول أكثر من مرة إصابته, فلم يتمكنوا منه, نظراً لشجاعته وبسالته, الا أن حصلت ثغرة في ساتر الصد, مما مكن الارهابيين من أصابته من خلال ذلك, لينتقل الى الرفيق الاعلى مضرجاً بدمائه الطاهرة.
يروى أن أخر كلمات كانت ينادي فيها الشهيد هي؛ “لبيك يا حسين”, فوجدت جثته بعد خمس ساعات من استشهاده, وهو رافعاً أصبعيه بـــ “علامة النصر”, فهكذا هم الرجال؛ الذين لابد أن يسطر التاريخ بطولاتهم, ويخلدها مفاخر للأجيال القادمة, فشهادة الشهيد عامر؛ تمثل درس عميق المعاني بالتضحية والفداء من أجل العقيدة.