23 ديسمبر، 2024 12:52 ص

قَتلُ الحسين ع , بِقَتلِ أدوات قضيته!

قَتلُ الحسين ع , بِقَتلِ أدوات قضيته!

لم تتعرض فكرة بشرية- إلهية للنقاش والجدل, وكثرة التوصيفات والمدح والذم والتسفيه والتعظيم, كما تعرضت له القضية الحسينية؛ ولم تُهاجم قضية في أدواتها التثقيفية والإعلامية والفكرية, كما هوجمت القضية الحسينية, والعلة الرئيسية في ذلك, هو أن أعداء هذه القضية هم أنفسهم- في اغلب الأحيان- من نفس البيت الديني (وأحيانا المذهبي) الذي ينتمي له الإمام الحسين عليه السلام.

عملية التثقيف (البشري) تجري عادة باتجاهين متعاكسين, فمرة يكون التثقيف على الأفكار أو النظريات من خلال الطريق النازل, أي من خلال الطبقة المثقفة أو النخب الفكرية والعلمية, أو من طبقات المجتمع ذات السطوة الاجتماعية؛ وهذا النوع من التثقيف غالبا ما يكون مرتبطا بأجندات خاصة, تمثل توجهات أيديولوجية أو مصالح برغماتية لهذه الفئة من الناس.

النمط الثاني من التثقيف البشري هو الطريق الصاعد, والذي يكون من خلال قوة وصلابة وتماسك, أفكار اجتماعية أو أخلاقية يتميز بها مجتمع من المجتمعات, يؤثر بتركيبته وقوته ووهجه, في تربية وتنشئة الطبقات الفكرية والنخب العلمية والدينية المذكورة آنفا.

عادة ما تكمن الخطورة في عملية التثقيف النازل, حيث تكون في الأغلب الأعم مدروسة بعناية, ومرتبة على شكل مراحل منهجية, تراعى فيها عوامل كثيرة, تمكن أصحابها من التحكم بوعي الطبقة المستهدفة من الجمهور, ومحاولة تفتيت أسس ما يحملونه من أفكار وتقاليد وأخلاق, وإعادة صياغتها بما يتلائم مع مشاريعهم المراد تطبيقها.

الحسين ع هو مشروع الهي كبير وعظيم. هو اكبر من ان يُحبس بين جدران توصيفات بشرية, هدفها توظيف القضية الحسينية للتسقيط السياسي أولاً ، ولإضعاف وتتفيه وتسفيه الشعائر الحسينية ثانيا, سواء بعلم ممن يفعل ذلك، او بغفلة وجهل منه؛ ويكون ذلك غالبا من خلال إطلاق أحكام ما انزل الله بها من سلطان: كتوصيف القضية الحسينية! أو لماذا قام بها الحسين! أو لمن هي موجهة ومحددة! أو أن هذا لا يحق له إقامة الشعائر! وذاك لا يحق له! وأن هذا سارق وذاك حرامي! وأن التطبير حرام والبكاء بدعة! والزيارة إشراك بالله!

هؤلاء لا يعلمون بأنهم, يقومون بإضعاف صورة القضية الحسينية او كيانها المتكامل، خاصة إذا طبقنا مبدأ “تداعي المعاني” الذي قال به ديفيد هيوم، سنجد أن الإنسان البسيط عندما يقرأ لهؤلاء، سيبقى في ذاكرته معنى لصورتين: الصورة السلبية المظلمة التي يحاول هؤلاء توصيف الشعائر الحسينية بها, والثانية هي تحديد الناس الذين لا يحق له إقامة الشعائر!

المستهدفين من الجمهور بعد فترة, ومن حيث لا يعلمون, سيقومون بعملية ربط بين الاثنين (وهو مفهوم تداعي المعاني)، حيث سيكون المنبر الحسيني والقضية الحسينية عندهم, مدعاة لاستجلاب واستحضار الصور التي وُصفت بأنها سلبية! وبعدها, سيكون انجذاب الفرد، نحو الشعائر الحسينية انجذابا ضعيفا؛ وهذا هو هدف الذين يدَّعون الثقافة أو المدنية, او يَدّعون أنهم يفهمون من الدين والإسلام والأخلاق، أكثر من فهم علمائنا ومراجعنا وفقهائنا لها!

هذه الأفكار التهديمية والتخريبية, ستبقى كالمعاول مستمرة مع أعداء الحسين في محاربة القضية الحسينية, ومحاربة أدوات القضية الحسينية وهي الشعائر, وكل مرة ستكون بعذر, وكل مرة ستكون بصورة أو قالب

جديد, وعادة ما يهاجم هؤلاء القضية الحسينية والشعائر الحسينية, بأفكار وتوصيفات يعتقدون أنها الحق, مع أن كثيرا منهم جحدوا بها وأستيقنتها أنفسهم!

(قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ،وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا)

*ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالأيديولوجيات السياسية المعاصرة.