من الممكن الحصول على شهادة وفاة لأنها لاتتطلب سوى جثة وتقرير طبي يبين سبب الوفاة لكن كيف يمكن للمرء أن يثبت إنه على قيد الحياة اذا طلب منه ذلك؟
يبدو الطلب غير منطقي , لكنه حقيقة تتطلبها بعض المعاملات الرسمية في العراق ويقال أنها من أصعب المعاملات وتتطلب مراجعات عديدة من جهات مختلفة !
وبعيدا عن هذا, كيف للمرء أن يثبت أنه على قيد الحياة؟ وكيف يمكن للحياة بكل مباهجها أن تقترن ,لغويا, بالقيد ؟
انها مفارقة لغوية تؤكد اننا حين نسير على دروب الحياة نكون بلاشك مشدودين الى كل مافيها من مسرات وأفراح وأتراح بخيط خفي لا فكاك منه الا بحلول “هادم اللذات ومفرق الجماعات ” حيث ينقطع ذلك الخيط.
حين اصطدمت طائرة انطوان ده سانت اكزوبري بجبل جليدي وسقطت في مكان مجهول ظل ثلاثة أيام بلا طعام ولا شراب يكافح من أجل حياته , حتى النوم حرم نفسه منه لأنه كما يقول في روايته “أرض البشر” المنشورة عام 1939م لو نام فان الجليد سيتراكم عليه ويسلم نفسه الى نوم لذيذ سيختم بالشمع الأحمر على كل معاناته تلك , لكنه كان يقاوم الموت لا حبا بالحياة ,كما يؤكد, بل لأن على الجانب الآخر له أهل وأصدقاء سيشكل موته صدمة لهم ومن أجل تفادي تلك الصدمة ظل يقاوم حتى تم العثور عليه حيا , ورغم انه فقد حياته في حادث آخر الا أنه أعطى لنا مثالا يؤكد أن وجودنا وتمسكنا بهذا “القيد” ليس بالضرورة من أجلنا بل من أجل الذين يحبوننا والذين يورث رحيلنا لهم حزنا .
والسؤال الذي يمد عنقه الآن : هل يكفي للإنسان أن يشرب ويأكل ويذهب للعمل ليكون حيا ؟ الكائنات الحية الأخرى تشارك الإنسان ذلك عن طيب خاطر , فكلها تأكل وتشرب وتتنفس وتعمل لكسب قوت يومها بفعل قوة غريزة البقاء ؟
طبعا الحياة أوسع من ذلك المفهوم الضيق حتى الشعور بالألم هو دليل حياة فالموتى لا يشعرون بالالم , في رواية “الحب في زمن الكوليرا ” لماركيز يشكو البطل فلورينتينو أريثا لوالدته شعوره بالاحباط بسبب عدم قدرته الوصول الى حبيبته فيرمينا داثا فقالت له”تمتع بألمك , فمثل هذه المشاعر لاتتاح لك دائما وطوال الوقت”
وهي لاتقصد هنا الألم بمعناه السادي المتجه للآخر والمازوشي المتجه للذات بل الألم باعتباره شعورا ايجابيا محفزا للخروج من الدوائر الضيقة وايجاد حلول للأوضاع المستعصية , فاذا كان طبيب الأسنان يرى أن وجع سن من الأسنان يعني وجود تلف يجب معالجته قبل أن يستفحل فيكون جرس إنذار يؤشر وجود خلل ما وأن عضوا تعرض لعطب يجب اصلاحه , فالشعور بالألم هنا حالة ايجابية ينبغي الانتباه له واصلاح المسبب ليزول السبب وبذلك نضمن للحياة أن تستمر بشكل أفضل مما كانت عليه قبل ظهور الألم
لذلك فالاحباطات التي نواجهها في حياتنا هي اشارات تؤكد لنا وجود ثمة خلل ينبغي التوقف عنده ومعالجته وإن حصل ذلك فإننا نضمن إننا مازلنا على قيد الحياة وقيد عن قيد يختلف وفي النهاية فالمحبة قيد والجمال قيد والصداقة قيد في مهرجان جميل اسمه الحياة
[email protected]