في بلاد ما بين نهرين ومنذ سبعة ألاف سنة قبل الميلاد والى يومنا هذا؛ قدمت الأمة (الأشورية) ملايين الشهداء دفاعا عن العرض والأرض والوطن ومقدساتها، شهداء ناضلوا نضالا مستميت بكل عزم وقوة وتضحية؛ وقدموا أرواحهم فداء لمبادئ امنوا وعملوا لتحقيق امن الأمة وحريتها وأهدافها في حق تقرير المصير والحرية، فهذا العطاء لهو جدير ليصبح لشهداء الأمة (الأشورية) يوم يخلد في قلوب أبنائها وهم في امتنان وفخر واعتزاز بأرواحهم الطاهرة بما قدموه هؤلاء الشهداء من بطولات وتضحيات وما أجادوا من صولات وجولات في ساحات الحرب والقتال من اجل بقاء راية الأمة مرفوعة شامخة بأبنائها أحرارا منتصرين ليبقوا ذخرا للأمة ووجودها .
فيوم السابع من آب، هو يوم (الشهيد الأشوري)؛ هو يوم نتذكر فيه كل شهداء الأمة الذين استشهدوا وهم يؤدون واجباتهم دفاعا عن الوطن وشرف الأمة، شهداء وهبوا أرواحهم فداء للأمة وللأرض لتبقى رايتهم خفاقة عالية ليبرهنوا لكل شعوب الأرض إن أبناء (أشور) أبطال أرخوا بدمائهم النقية تاريخهم؛ تلك الدماء التي سالت وهم يؤدون واجباتهم دفاعا عن حقوق الأمة ومكتسباتها؛ هي دماء تمثل معنى الطهارة والشموخ والوفاء لمبادئ الإخوة القومية والإنسانية ونجدتها من الظلم والطغيان؛ ولهذا تعد رسالتهم عنوانا للكرامة والحرية؛ لأنهم امنوا بمعاني حب الأمة والوطن والحرية والأمان والاستقرار والتضحية وغوث المضطهدون من اجل رفع راية العز والكرامة؛ ليس للأمة (الأشورية) فحسب بل لكل أحرار العالم .
نعم إننا في يوم (الشهيد الأشوري) نستذكر التضحيات والبطولات والشجاعة لهؤلاء الخالدين، ونذكر الأجيال بان يسيروا على دربهم ويتخذون منهم قدوة لمسيرة نضالهم وتضحياتهم؛ وشعلة لتنير دربهم نحو الحرية، فالشهادة فخر وعز وكبرياء لا تعلوها قيمة؛ والتاريخ يؤرخ لشهداء ملاحمهم وبسالتهم وبطولاتهم ووقفاتهم؛ وان موروثهم سيبقى في ذاكرة الأمة خالدا ومستمرا ومتجددا؛ لان ما قدموه هو انعكاسا لشجاعتهم وبطولاتهم التي يحفظه التاريخ، لان الأوطان لن تبنى إلا بسواعد الإبطال من الرجال والنساء وبشهامة مواقفهم، ونحن كـ(أشوريين) لنا إن نفتخر بما نملك من سجلات حافلة بالبطولات وسطور متألقة في كتاب السمو والمجد والفداء، فلنا كوكبة من الإبطال والفرسان الأشاوس بأرواحهم سموا إلى مقام الشهادة؛ فدوا وطنهم بأرواحهم وبدمائهم؛ ليجلوا منها نموذجا غير اعتيادي في التضحية والفداء؛ ليواجهوا الأعداء؛ وليكونوا حصنا وسدا منيعا بوجه كل إطماع الأعداء الذين يحاولون السيطرة على هوية أرضنا ومحو هويتها .
نعم إن للحرية ثمن وفي سبيلها تفدى الأرواح دفاعا عن عرض والأرض وكرامة الأمة والوطن، ولهذا فان بدون الشهادة لن نستطيع إن نؤمن مستقبل الأمة، لان لا استقرار للأمة بدون وطن ولا حضارة بدون قيم، لان الأمة والوطن والحضارة لا تقوم إلا بالقيم العظيمة؛ وان عظمة المجد للأمة والوطن والحضارة لا تقام إلا بالنضال وبالتضحيات كبرى، فسيرة الشهداء هي مدرسة نستلهم منها دروس وعبر وكل معاني الإنسانية والقيم السامية والمبادئ الخلاقة، فالمناضلين الذين استشهدوا في ساحات الشرف والبطولة ووهبوا أرواحهم بدون تردد فداءا للوطن وللأمة؛ هي شهادة تقدم لنا أروع وأرقى معاني الشهامة والوطنية؛ لأنهم لبوا نداء أمتهم بكل شجاعة معبرين عن صدقهم وحبهم للأمة والوطن بأرواحهم الطاهرة وبدمائهم الزكية لنصرة قضيتهم المصيرية في الحرية وحق تقرير المصير ومن اجل إرساء الأمن والاستقرار والسلام لأبناء أمتهم تحت راية (الأشورية) ليرتقي شعبهم إلى أفق العز والعلا؛ وبنضالهم يرفع إلى العلى تاريخهم الزاهي المشع بالنور الفجر والحرية والعز والكرامة والفخر والمجد، وما قدموه الشهداء في مسيرة الأمة (الأشورية) الخالدة؛ رسم أجمل قيم الشهامة والوطنية؛ وكان فعلهم ابلغ رسالة من الأقوال؛ والفداء كان ابلغ رسالة لتضحية بالنفس .
نعم إن شهدائنا قدموا لنا دروسا في التضحية والتفاني والإخلاص بلغة عظيمة في حب الأمة والوطن لا يمكن الاستغناء عنها لتوعية الأجيال بماضيها وحاضرها ومستقبلها، أنها لغة التضحية والفداء والحب والعطاء والبناء؛ وهذه المفردات الجليلة لكل معاني الشموخ ينسجها العقل ويحضنها القلب لتكون لغة يرددها اللسان وتترجمها أفعالنا؛ بما نحمل من حب وغيرة باتجاه الأمة والوطن؛ كما حملوا شهدائنا هموم الأمة والوطن فدافعوا عن الأمة والوطن وفدوها بأرواحهم محققين أروع انجازات في حب الأمة والوطن بكل صدق وبأبهى صورة، وكل هذه التجليات من لدن الشهداء إنما هي ثمرات من التربية البيت الصالح، ثمرة الإباء والأمهات الذين عززوا الأمة بالمناضلين والمناضلات؛ هؤلاء الذي استشهدوا؛ هم خريجو الأسر الصالحة الذين ألقنتهم التربية الوطنية والتضحية والنضال من اجل رفع شان الأمة بين شعوب الأرض؛ بعد إن شبوا وترعرعوا على هذه المعاني السامية في النضال، فطوبى لذوي الشهداء لان منهم سقت الأمة ربوعا وتعلمت معاني الصبر وبما أجادة بفلذات الأكباد؛ فلا جود بعد هذا الجود، فمواقف ذوي الشهداء؛ رسائل عظيمة يفهما الشعب؛ حين اعتبروا مواكب الشهداء أعراسا ملؤها أهازيج وزغاريد وهلاهل، وهذا ما أزاد أبناء الأمة بهم فخرا واعتزاز؛ ليزيد من عزمهم إصرارا وقوة وثبات وهمة في السير على طريق الشهداء مستلهمين من سير الشهداء كل معاني الإقدام والشجاعة والولاء والانتماء والإرادة؛ ليتخذوا منها دروسا لمواجهة تحديات .
لذلك فان رمزية يوم (الشهيد الأشوري) يمثل بعدا في تعزيز قيم القومية والاجتماعية والوطنية والدفاع عن القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية ويحملنا مسؤولية الحفاظ على المكتسبات، فالمناضلون والمناضلات الذين ضحوا بأرواحهم في ساحات الوغى دفاعا عن الأرض والعرض ومن أجل الحرية والاستقلال؛ إنما أرخو في لحظة استشهادهم لحظة تاريخية في تاريخ الأمة (الأشورية) بكونها حفزت امتنا لتكون أكثر إصرارا وتصميما على المضي قدما نحو الإمام في طريق النضال والتحرير والاستقلال .
فمنذ سقوط الإمبراطورية (الأشورية) عام 612 قبل الميلاد والى يومنا هذا؛ ما انفكت حملات الإبادة والاستهداف الأمة تواصل ضدها؛ فما إن تنتهي مجزرة حتى تأتي أخرى أبشع واقسي دموية من سابقتها؛ لتبقى الأمة (الأشورية) مستهدفة من قبل الأعداء على هويتها القومية والدينية، فمنذ القرون الأولى من دخول (الأشوريين) إلى الديانة المسيحية؛ تعرضوا لحملات الاضطهاد والإبادة الجماعية كان أفظعها خلال عهد الملك الساساني (شابور الثاني 309 – 379 م) في القرن الرابع الميلادي، حيث استمر الاضطهاد والاستهداف لأكثر من أربعين سنة؛ من التنكيل والقتل والاضطهاد المتواصل؛ ليقدموا (الأشوريون) وكنيستهم كنيسة (المشرق الأشورية) خلال هذه الفترة؛ مئات الآلاف من الشهداء؛ حتى سميت كنيسة (المشرق الأشورية) بـ(كنيسة الشهداء)، ومع كل هذه القسوة في الاضطهاد والتنكيل والقتل؛ كان تمسك (الأشوريين) بقوميتهم وديانتهم اقوي واشد لمواصلة نضالهم في إثبات وجودهم قوميا ودينيا .
ونظرا لشدة حملات استهداف (الأشوريين) واضطهادهم؛ اضطروا إلى النزوح من مناطق السهول في بلادهم (أشور) واللجوء إلى المناطق الجبلية في منطقة (هكاري) للاحتماء – وهكاري، وهي منطقة كانت تابعة لدولة (الأشورية) قبل سقوطها؛ وكان أغلبية سكانها من (الأشوريين)، التي تقع في الجنوب الشرقي من دولة تركيا، ومنطقة (هكاري) وقعت تحت سلطة الدولة (العثمانية) بعد غزواتهم لعموم منطقة الشرق – وهناك تمكن (الأشوريون) من الصمود لأكثر من (ألف سنة) تقريبا؛ بعد إن تمكنوا من تعزيز أمنهم وحريتهم وإقامة نوع من الإدارة الذاتية حتى عام 1914، ولكن حين بدأت الحرب العالمية الأولى؛ اضطروا (الأشوريون) الانضمام إلى جانب الحلفاء (بريطانيا وروسيا وفرنسا) نظرا لما كانوا يلاقونه من تميز واضطهاد من قبل (العثمانيين)، مما قام الجيش (العثماني – التركي) بمطاردتهم واضطهادهم فارتكبوا بحقهم أبشع جرائم الإبادة الجماعية ابتداء منذ عام 1848 وحتى نهاية عام 1918 ، حيث راح ضحيتها ما يزيد عن سبعمائة وخمسون إلف إنسان (أشوري) بكونهم مسيحيين؛ وهي الإبادة التي سميت بمذابح (سيفو) خلال (الحرب العالمية الأولى) على يد (العثمانيين) والقوى المحلية، ومن تبقى منهم أرغموا إلى الفرار من أماكن سكناهم في (هكاري)، فتم لبعض منهم التوجه نحو (روسيا) والقسم الأخر توجه نحو (إيران) والأخر باتجاه شمال (العراق) و(سوريا) و(لبنان)، وفي طريق النزوح والهجرة تحت ظروف معاشيه ومناخية قاسية وقسوة المطاردة من قبل العشائر المحلية والجيش العثماني لاقى ألاف منهم حتفهم؛ ليس فحسب من (الأشوريين) المسيحيين؛ بل ارتكبت مجازر بحق كل المسيحيين في (تركيا) وتحديدا بحق مسيحيي من (الأرمن) و(اليونانيين) ومنهم (الأشوريين)؛ حيث تم إبادة على ما يزيد عن مليونين ونصف مليون (ارمني) و(يوناني) في تركيا؛ إضافة على ما ذكرناه من (الأشوريين) .
فمناصرة (الأشوريون) الحلفاء ودخولهم ضد المعسكر الأخر الذي كان يضم (العثمانيون الأتراك وألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية وبلغاريا) بعد إن قدمت (بريطانيا) في بداية دخول (الأشوريين) إلى جانب معسكرهم مساعدات وإنقاذهم من هجمات الجيش (التركي – العثماني)، وهكذا أصبحوا تحت الحماية (البريطانية) اللذين قاموا بتسليح الرجال وإدخالهم في معسكرات التدريب ليكونوا منهم قوة مسلحة تمسك حدود جبهات القتال التي حددوها لهم، وخلال المعارك أبلوا (الأشوريون) بلاءا حسنا واثبتوا جدارتهم في مقاتلة الأعداء والهجوم عليهم ومسك الأرض، مما زاد أعجاب ضباط الجيش (البريطاني) بالمقاتلين (الأشوريين)؛ وعلى ضوء ذلك قدموا لقيادات (الأشورية) وعودا بنيل الاستقلال الذاتي في ارض أجدادهم في (العراق) بعد انتهاء الحرب، ولكن هذه الوعود لم يتم تدوينها والتوقيع عليها بين الجانبين؛ أي الجانب (الأشوري) والجانب (البريطاني)، ولهذا نجد لاحقا بان الحكومة (البريطانية) تخلت عن وعودها مع (الأشوريين) وتنكرت عن كل ما قدمه الجيش (الأشوري) من ألاف الشهداء من مقاتليهم في جبهات القتال والخدمات والبطولات على ساحة المعارك مع الجيش (البريطاني) في شرق (العراق) وفي جبهات (إيران) وشرق (تركيا)، ولهذا استاء (الأشوريين) من تصرفات (البريطانية) اتجاههم؛ وخاصة حين أعلنوا انتهاء (الانتداب على العراق) بدون إن يقدموا لهم أي شيء؛ فشعر (الأشوريون) بخيانتهم؛ لان (الأشوريون) كانوا يضنون بان أي اتفاق ستبرمه (بريطانيا) مع الجانب (العراقي) سيأخذون بنظر الاعتبار ما تم الاتفاق عليه اثر دخولهم الحرب إلى جانبهم بمنحهم (حكم شبه ذاتي) في (العراق) مشابه بما كان يعمل في الدولة (العثمانية – التركية) والذي كان معروف تحت اسم (نظام الملل)؛ ولكن الجانب (العراقي) رفض مطالب (الأشوريين) خوفا من توسع نطاق هذه المطالب من قبل مجموعات قومية وعرقية ودينية وطائفية أخرى كـ(الأكراد في شمال العراق) و(العرب الشيعة في جنوب العراق) في وقت الذي كانت المنطقة الشمالية من (العراق) تشهد اضطرابات في المناطق (الكردية)، فأحست الحكومة (العراقية) بان تحركات (بريطانيا) بين القوميات والطوائف والمذاهب (العراقية) ما هي إلا مؤامرة لتقسيم (العراق) عن طريق إثارة وتأجيج وزراعة الفتن المذهبية و الطائفية والقومية والدينية والعرقية بين هذه المكونات، وفي ظل هذه الأجواء المتوترة والمشحونة؛ كان لدى (الأشوريين) قناعة مسبقة بعدم ثقتهم بالحكومة (العراقية) لأسباب كثيرة لا يتسع المجال الحديث عنه في هذا المقام ولكن نستطيع إن نذكر منها :
* عدم قدرة الدولة (العراقية) الناشئة آنذاك على حفظ الأمن وإرساء الأمن والعدل وتوفير مستلزمات العيش الكريم دون تميز بين مكونات المجتمع وتصنيفهم وفق درجات .
* الاعتقاد بأن غياب (بريطانيا) عن (العراق) سيخلق حالة من فوض وصراعات بين قوميات والديانات والطوائف والمذاهب (العراقية) لعدم تجانس المجتمع وفق هوية (الدولة العراقية) الحديثة آنذاك، ولا محال فان مذابح ستنفذ بحق هذه الجهة أو تلك؛ وخاصة إذ علمنا بان السلاح كان منتشرا بيد الكل وليس محصورا بيد الدولة .
ولهذا وقبيل انتهاء الانتداب (البريطاني) على (العراق) واستقلال (العراق) في عام 1932 طالب بطريرك (كنيسة المشرق الأشورية – مار ايشا شمعون الثالث والعشرون) الذي كان بمثابة زعيم وقائد الأمة (الأشورية) بالحكم الذاتي لـ(لآشوريين) في شمال (العراق) – في وقت الذي كانت منطقة الشرق الأوسط قد وقعت تحت اتفاقية (سايكس بيكو) عام 1916بين (فرنسا) و(بريطانيا) حيث تم تقسيمه وتفتيته – فطالب (بريطانيا) دعم هذا المطلب الذي كان هو جزء من اتفاق بينهم؛ ولكن غير موثق وغير مدون في أوراق رسمية بين الجانبين (الأشوري) و(البريطاني)، وفي نفس الوقت الذي قدم البطريرك (مار ايشا شمعون) هذا الطلب إلى (بريطانيا) عرض هذه القضية (قضية الحكم الذاتي الأشوري) إلى (عصبة الأمم) عام 1932، ولم يكتفي البطريرك بهذا الطلب فحسب بل قدم إلى (عصبة الأمم) في الفترة بين 1931 و 1932 خمس وثائق حدد فيها مطالب (الأشوريين) بالحكم الذاتي في شمال (العراق) قبيل إنهاء الانتداب (البريطاني) على (العراق) .
* جاءت الوثيقتين الأولى والثانية في 20 و23 تشرين الأول عام 1931 و الوثيقتين كانت تخص مصير اللاجئين (الأشوريين)، ولكن لم يتطوع أي طرف دولي لتحقيق هذه المطالب .
* ثم جاء الوثيقة الثالث في 16حزيران 1932 حيث التقى البطريرك (مار ايشا شمعون) مع قادة (الأشوريين) في منطقة (العمادية) ورفعوا إلى الحكومة (العراقية) و(عصبة الأمم) وثيقة تدعو إلى الاعتراف (بالأشوريين) كمكون من مكونات الشعب (العراقي)، وتطالب بإعادة رسم الحدود مع (تركيا)، بحيث تضم منطقة (هكاري) بالإضافة إلى بعض أطراف أقضية (زاخو) و(دهوك) و(العمادية)، كما طالبوا بإنشاء منطقة الحكم الذاتي لهم في هذه المناطق التي تم تحديدها، كما طالبوا بالاعتراف بزعامة البطريرك (مار ايشا شمعون) زعيما روحيا ودنيويا عليهم وإعطاءه صلاحية لتعيين عضو يمثلهم في البرلمان العراقي، غير أن الحكومة (العراقية) سرعان ما رفضت هذه المطالب وتحجج رئيس الوزراء (نوري سعيد) بأن (الأشوريين) لا يمثلون كل مسيحيي (العراق)؛ لذا لا يحق لهم بالمطالبة بمقعد في البرلمان، كما إن (تركيا) رفضت إعادة رسم الحدود وعودة للاجئين (الأشوريين) إلى قراهم في (تركيا) .
* إما الوثيقة الرابعة، فقد تم تقديمه في 21 أيلول 1932 إلى (عصبة الأمم) واعترضت (بريطانيا) على هذه الوثيقة بحجة أن البطريرك (مار ايشا شمعون) لا يمثل جميع (الأشوريين)، وأن هناك من (الأشوريين) بمذاهب أخرى يؤيدون توجهات الحكومة (العراقية) .
* وبناء على رفض الوثيقة الرابعة؛ أصدر البطريرك (مار ايشا شمعون) وثيقة وهي الخامسة يؤكد فيها على حقوق (الأشوريين) في المطالبة بعودة (هكاري) إلى (العراق) أو توطين (الأشوريين) في المناطق المحاذية لها، في وقت الذي كان (الأشوريين) قد صوتوا بضم لواء (الموصل) إلى (العراق) في استفتاء 1925.
وبعد رفض (بريطانيا) مطالب (الأشوريين) قرر أتباعه من الذين كانوا يخدمون في الجيش (البريطاني) استقالتهم الجماعية من اللواء (الأشوري) الذي كان تحت السيطرة (البريطانية) ويخدم المصالح (البريطانية)، وعلى الفور قام المعتمد (البريطاني) في (العراق) بالاجتماع مع هؤلاء المجندين الذين قدموا استقالاتهم وأنذرهم بأن إقدامهم على هذا التصرف سيحرمهم من أي عطف في المستقبل ونصحهم بإعادة النظر في استقالتهم، ولكن (الأشوريين) المجندين في القوات (البريطانية) – وهذه القوات كانت تسمى بـ(قوات الليفي) – أجابوه بأنهم لا يستطيعون مخالفة رئيسهم الروحي الذي هو البطريرك (مار ايشا شمعون)، ليتم بعد انفصالهم عن الجيش (البريطاني) التمركز في منطقة (العمادية) بشمال العراق، وعلى وجه السرعة قام البطريرك ( مار ايشا شمعون) بإعداد خطة يتمركز بموجبها هؤلاء المقاتلون في المنطقة الواقعة ما بين مدينتي (دهوك) و(العمادية) كي يتسنى لكل من يرغب من (الأشوريين) الانضمام إليهم، وفي ربيع عام 1933 تم تحشد عدد كبير من (الأشوريين) المسلحين بأسلحة خفيفة؛ الأمر الذي اعتبرته الحكومة المركزية في (العراق) تحديا للسلطة المركزية؛ باعتبار إن هذه القوة المسلحة من (الأشوريين) تسبب أنشطتها في ظهور توترات أخرى في المنطقة الشمالية مع (الأكراد) والحكومة (العراقية)؛ مما اضطرت الحكومة (العراقية) بإرسال جيشها إلى منطقة (دهوك) بهدف:
أولا.. تخويف وردع (الأشوريين) من الانضمام إلى الجيش (الأشوري) خوفا من توسع نطاقهم في شمال (العراق) .
وثانيا.. إرسال رسالة إلى (الأكراد) لمنع أي تمرد قد يقومون به ضد الحكومة المركزية في (بغداد) .
وفي هذه الإثناء اجتمع في (بغداد) المعتمد السامي البريطاني (همفري) ووكيل رئيس الوزراء (جعفر العسكري) ووزير الداخلية (ناجي شوكت)، وبعد أن اطلعوا على مطالب البطريرك (مار ايشا شمعون)، قرروا إصدار تعليمات إلى لواء (الموصل) و (أربيل) بإنذار (الأشوريين)، وإعادة تشكيل مخافر الشرطة في لواء (الموصل) بحيث يتم تجريد كل المخافر من أي عنصر (أشوري)؛ وتم في – ذات الوقت – دعوة البطريرك (مار ايشا شمعون) إلى (بغداد) للتفاوض مع حكومة (حكمت سليمان) في حزيران 1933، ولكن حين تم وصول البطريرك إلى (بغداد) تم احتجازه هناك بعد أن رفض التخلي عن مطالبته بـ(الحكم الذاتي)، وبعدها تم نفيه إلى (قبرص)، ومن هناك توجه إلى (أمريكا) حيث استشهد هناك بعد إن تم اغتياله عام 1975 .
وفي هذه الإثناء حاولت الحكومة (العراقية) بإقناع (أشوريي) المناطق الممتدة من (شيخان) إلى (زاخو) بقبول (الجنسية العراقية)؛ إلا إن مطالب (الأشوريين) كانت تتمحور قبل أي شي هو منحهم (الحكم الذاتي) الذي كانت الحكومة (العراقية) ترفضه، لذلك قررت بعض فصائل (الأشورية) المقاتلة في ( 21 أيار ) التوجه إلى (سوريا) أملا في إقناع الحكومة (الفرنسية) بإقامة حكم شبه ذاتي لهم في الأراضي الخاضعة تحت سيطرتها شرقي (سوريا) غير أن (الفرنسيين) رفضوا السماح لهم بالبقاء في (سوريا) وقاموا بمصادرة أسلحتهم؛ فقرر هؤلاء العودة مجددا إلى (العراق) بعد أن اكتشفوا استحالة تقديم مطالبهم في (سوريا)، فأبلغ (الفرنسيون) السلطات (العراقية) بأن حوالي 800 (أشوري) مسلح سيعبر الحدود إلى (العراق) من معبر (ديربون) في ( الرابع من آب ) وحين بدأت هذه القطاعات من المقاتلين (الأشوريين) بالعبور نهر (الخابور) حدثت اشتباكات عنيفة بين الجيش (العراقي) المدعوم بالطيران العسكري وبالأسلحة الثقيلة والمدفعية والجيش (الأشوري) الذين كان مقاتليه قد استعادوا بنادقهم من (الفرنسيين) فانسحب الجيش (العراقي) بعد أن تكبد خسائر فادحة إلى بلدة (ديربون) الحدودية، ويبدو أن (الأشوريين) قد اقتنعوا أن الجيش (العراقي) هو من بادر بإطلاق النار فهاجموا إحدى ثكناته في (ديربون)، غير أن الهجوم لم يسفر سوى عن احتلال أحد المخافر الحدودية تم استعادته بعد أن قام الجيش (العراقي) بشن هجوم موسع ضد (الأشوريين) وبغطاء جوي من قبل الطيران الحربي وبمساعدة الجيش (البريطاني) الذي كان يرسل صور عن تحركات القطاعات (الأشورية) من الجو إلى الجيش (العراقي)، مما اضطر مقاتلون (الأشوريين) وقف القتال بعد إن تكب خسائر جسيمة والعبور باتجاه (سوريا) مجددا؛ معللين سبب عدم استمرارهم في الهجوم لعدة أسباب منها:
أولا.. إن الجيش (العراقي) قد احتمى داخل البلدات ذات الأغلبية (الأشورية) واخذ من أهالي تلك القرى (الأشورية) كدروع بشرية .
وثانيا.. إن قوات (البريطانية) تقدم مساعدات لوجستية إلى الجيش (العراقي) .
لذلك كان خيار المقاتلين (الأشوريين) هو تجنب الاشتباك مع الجيش (العراقي) لنقص ذخيرتهم ولعدم وجود أي طرف أخر يساعدهم ويمولهم؛ ومن جهة أخرى لكي لا تذهب الأسر (الأشورية) ضحية قد يسيء الجيش (العراقي) التصرف معهم؛ لهذا قرر المقاتلون (الأشوريين) وقف إطلاق النار والانسحاب باتجاه (سوريا) .
وبالرغم من توقف إطلاق النار بشكل تام بين الجانبين في (الخامس من آب)، إلى إلا إن ما زيد الطين بله؛ هو إن الصحافة (العراقية) في (بغداد) قامت بتغطية هذه الأحداث بشكل مبالغ، وانتشرت أخبار وعلى نطاق واسع بين صفوف الشعب (العراقي) عن قيام (الآشوريين) بثورة مسلحة بدعم من (بريطانيا) من أجل تفكيك (العراق) وإعادته تحت السيطرة (البريطانية) مرة أخرى، مما أجج موقف الجماهير (العراقية) ومشاعرهم ضد (الأشوريين)، ومما صاعد نبرة الجماهير في (بغداد) وموقفهم ضد (الأشوريين) هو قيام الحكومة (العراقية) بدعم هذه الآراء من أجل تشتيت الانتباه عن العصيان (الشيعي) الجاري في منطقة (الفرات الأوسط) ولتوحيد موقف (العراقيين) إلى خطر موحد ضد (الأشوريين) بكون تطلعاتهم تهدد امن الدولة؛ ولهذا تم إعلان (الجهاد ضد الأشوريين) من قبل (مجلس الوزاري العراقي) الذي كان يرأسه (رشيد عالي الكيلاني) بعد موافقة الملك (فيصل الأول) على هذا الإعلان في صيف سنة 1933.
وعلى ضوء هذه التطورات المتلاحقة؛ واشتباك (الأشوريين) مع الجيش (العراقي) في منطقة (ديرابون)، صرح الملك (فيصل الأول) تصريحا غير مسؤول جاء فيه :
((… لا يهم كم من (الأشوريين) قد يتعرضون للقتل، ولكن ينبغي أن تتخذ الحيطة لحماية النساء والأطفال، وذلك تحسبا لما قد يسببه ذلك من تشويه سمعة المملكة (العراقية) في المحافل الدولية، وليس لأي اعتبار آخر….))، ولم يكتفي الملك (فيصل) بهذا تصريح؛ فقد قام شخصيا وعلى رأس حكومته بتأجيج وإثارة العشائر العربية ضد (الأشوريين)، في وقت الذي كان أدلى سابقا بتصريح خطير حين حدد حقيقة موقفه من عموم الشعب (العراقي) بمختلف مكوناته حين قال:
((…لا يوجد في العراق شعب (عراقي) بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة…)) .
ولذلك وخلال مسيرة حكم الملك (فيصل ) في (العراق) لم يحاول بناء جسور المحبة والود والتآخي بين مكونات الشعب؛ بقدر ما حاول الاقتراب من جهة على حساب أخرى؛ وهذا ما زاد من حدة انقسامات بين صفوف أبناء الشعب الواحد في (العراق) قوميا ودينيا ومذهبيا، ولهذا ما كان يكنه من حقد وكره وضغن باتجاه هذا المكون وأخر كشف عنه لاحقا؛ فبعد مضي ثلاث سنوات على مذبحة (سيميل) التي ارتكبها هذا الملك بحق (الأشوريين) نقل عن (نوري السعيد)، حين التجأ إلى السفارة (البريطانية) في أعقاب انقلاب المجرم (بكر صدقي) قال للسفير (البريطاني):
((….سأخبرك بأمر خطير لم أبح لأحد من قبل متعلق أمره بمذابح (الأشوريين) في (سميل) حيث كان الملك (فيصل) هو المسؤول الأول عن تلك المذابح وما حدث إنما كان بناء على توصياته…)) .
وقد اعترف الملك (فيصل الأول) في(برن) العاصمة (السويسرية) قبل وفاته بأيام فصرح:
((…عن أسفه الشديد ليس لاقتراف الجيش جريمة بحق شريحة من شعبه العراقي، والتي بلغت مستوى الإبادة الجماعية، وانه الآن متألم بسبب توسع الحقد والعداء نحوه بعد أن أصبحت أخبار المذبحة، والانتهاكات لحقوق الإنسان على كل لسان فاعترف الملك بالخطأ وأبدى ندمه لما حصل في (سيميل) … )) .
علما بأن الملك (فيصل الأول) كان في وقت سابق من عام 1933 وقبل مذبحة (السميل)، قام باستقبال البطريرك (مار إيشا شمعون) في (العمادية) استقبالا رسميا ووعده بكل ما يرغب من أجهزة الدول المدنية والعسكرية مقابل إلغاء رحلته إلى (جنيف) – والتي كان مزمع فيها إلقاء كلمة تطالب عصبة الأمم بمنح (الأشوريين) الحكم الذاتي في (العراق) بعد أن تم استهدافهم استهدافا قاسيا من قبل بعض الشوفنيين والعنصريين في المنطقة – ولكن حينما سأله (البطريرك) عما سيكون مصير شعبه (الأشوري) تملص من الإجابة…!
لان ما كان يدور في رأس الملك (فيصل) هو القضاء على (الأشوريين) وتصفيتهم من (العراق)، ولم تكن مقابلته لبطريرك (مار إيشا شمعون) إلا مراوغة سياسية وخدعة ليس إلا…..!
فالملك لم تكن له مواقفه أجابية باتجاه مكونات الشعب (العراقي) بدءا وانتهاء، بقدر ما يتحمل كل المسؤولة التي وقعت ضد (الأشوريين) – كما قلها (نوري سعيد) – لأنه لم يكن نسبه وأصوله (عراقية)، فالذي لا ينتمي لهذا الشعب كيف سيكون أمينا وحريصا على عدم سفك دماء الأبرياء من أبناء الشعب (العراقي)….! وكيف يكون أمينا وفاعلا لوحدة الشعب والعمل على إرساء مبادئ التآخي والأمن والعدالة بين مكوناته ….!
فالملك لم يكن (عراقيا) ولم يولد في (العراق)، وكان غريبا عن المجتمع (العراقي)، واعتقاده – كما ذكرنا – بأنه ((..لا يوجد في (العراق) شعب (عراقي) بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة..))، فالذي يكون له مثل هكذا تصورات عن الشعب، كيف سيكون واقع الحال قراراته في الحكم هذا الشعب …..!
ولهذا لم يبالي ولم يعر أية أهمية بما يصيب هذا المكون أو ذاك، ولم يعمل على وحدة الشعب واستقراره؛ بقدر ما همه هو حكم (العراق) ليس إلا، لذلك لم يستغرب أحدا حين صدر مرسومه ملكي اللا أنساني بقتل جميع (ألأشوريين) في (العراق)، وهم من مكونات الشعب (العراقي)، فان كان حريصا على الشعب (العراقي) ما هدر دم أبناءه بهذا الشكل المريع والبشع الذي تم تنفيذه بحق (الأشوريين) عام 1933 .
ولهذا فان هذا الملك المجرم الغريب عن الشعب (العراقي) اصدر في عام 1933 مرسوما ملكيا ونفذه ابنه الأمير (غازي) ولي العهد، أعلن فيه ((..الجهاد ضد (الأشوريين) وقتل جميع ألأفراد ممن يثبت انتمائهم القومي إلى (الأشوريين) في العراق؛ مع حق العشائر (العربية) و(الكردية) في مصادرة ممتلكاتهم وقتل كل (أشوري) يجدونه حيا في (العراق)…)) .
ونظرا لعدم وصول أخبار عن (إعلان الجهاد) ضد (الأشوريين) إلى المقاتلون (الأشوريين) الذين عبروا نهر (الخابور) باتجاه (سوريا) فان الكارثة وقعت بحقهم حين أراد قسم ليس بالقليل من هؤلاء المقاتلون العودة إلى عائلاتهم في (العراق) بعد وقف القتال بينهم وبين الجيش (العراقي)؛ إلا إن الجيش (العراقي) كان تحت إنذار وكان يرصد كل المعابر الحدودية؛ وحين تم لهؤلاء المقاتلون (الأشوريين) دخولهم حدود (العراق) صدرت أوامر من قبل قيادة الجيش (العراقي) بإلقاء القبض عليهم وإعدامهم رميا بالرصاص دون سابق إنذار؛ وبإيعاز من الضابط العراقي المجرم ( بكر صدقي) الذي كان يرأس قطاعات الجيش، وبعدها أمر فرقة من الجيش (العراقي) بتمشيط المنطقة من شمالي مدينة (الموصل) إلى مدينة (العمادية) وباتجاه نهر (الخابور) المحاذي لحدود بين (العراق) و(سوريا) وإعدام كل من يقبض عليه من (الأشوريين) ابتداء من (سابع آب)، وبالرغم من محاولة وزير الدفاع آنذاك (جلال بابان) السيطرة على القوات (العراقية) المتواجدة في الشمال؛ إلا أنها كانت قد أصبحت فعليا خارجة عن سلطة الحكومة، كما شهدت مدن (زاخو) و(دهوك) عمليات قتل واسعة النطاق استهدفت (الأشوريين) بمساعدة من السلطات المحلية، ففي مدينة (دهوك) تم نقل (الأشوريين) بشاحنات عسكرية إلى خارج المدينة حيث تمت تصفيتهم بإطلاق النار عليهم؛ ومن ثم دهسهم بالشاحنات للتأكد من قتلهم، وخلال هذه الفترة حدثت عمليات سلب ونهب أثناء المجازر استهدفت قرى (الأشورية) من قبل العشائر (الكردية) بتحريض من قائمقام (زاخو) آنذاك، فهربت النسوة والأطفال إلى مدينتي (سميل) و(دهوك) كما تم نهب القرى الواقعة في أعالي الجبال من قبل بعض العشائر (الكردية)، وشارك كذلك بعض (الايزيديون) في أعمال النهب وخصوصا في قرى (شيخان)، كما تم نهب قرى أخرى في (العمادية) وقامت الحكومة بتحريض العشائر (العربية) في مدينة (الموصل) وضواحيها؛ فشاركوا هؤلاء بنهب واسع النطاق للقرى (الأشورية)؛ وقد حثهم في ذلك الجفاف الذي أدى لنفوق أعداد كبيرة من ماشيتهم في أوائل الثلاثينات؛ فقاموا بالإغارة على القرى الواقعة على سفوح الجبال شمال شرق (سميل) ونهبها.
وقد اختلفت مستويات النهب من سلب محتويات البيوت والماشية في بعض القرى إلى حرق قرى بأكملها في مناطق أخرى، فكانوا هؤلاء الغوغائيون يجبرون النسوة وأطفالهم الفرار إلى القرى البعيدة؛ بينما يقتادون الرجال ويسلمونهم إلى للجيش (العراقي) حيث كان يتم إعدامهم على الفور، وقد نهب خلال شهر آب من عام 1933 أكثر من (ستون) قرية (أشورية)، معظمها استوطنت لاحقا من قبل (الأكراد) بعد أن أفرغت من ساكنيها .
وفي خضم هذه الفوضى والانفلات الأمني حدثت أسوأ المجازر في بلدة (سميل) التي تبعد حوالي 12 كم عن مدينة (دهوك)، وهي المدينة التي اتخذت منها تسمية (يوم الشهيد الأشوري)، ففي ( 7 آب ) – كم ذكرنا – دخلت قوة عسكرية بقيادة قائمقام (زاخو) إلى البلدة وطلبت من الأهالي تسليم أسلحتهم، كما أعلمهم بأن يحتموا بمخفر الشرطة وأنهم سيكونون بأمان ما دام العلم (العراقي) يرفرف فوقه، في وقت الذي كانت البلدة قد شهدت موجه من نزوح أهالي القرى المجاورة إليها فتم وصول الآلاف من الأسر (الأشورية) الذين نزحوا إليها بعد استهداف قراهم، كما قامت العشائر (العربية) و(الكردية) المحيطة بالمنطقة بالاستيلاء على المحاصيل الزراعية والماشية من البلدة وقطع المياه عنها بعد إن تم سلب بيوتهم، وحين تم استياء الأسر (الأشوريين) من الذين احتموا في المخفر البقاء فيها؛ طلبوا العودة إلى قراهم، ولكن قائمقام رفض طلبهم ومنع مغادرتهم المخفر، عندها دخل ضابط في الجيش (العراقي) وبرفقة فرقة مدرعة إلى البلدة وأمر بقتل جميع من يتواجد هناك دون رحمة وشفقة؛ لتبدأ المجزرة في البلدة بشكل فوضوي لا مثيل له في تاريخ (العراق) الحديث، ويسرد (ستافورد) وهو عقيد (بريطاني) الذي كان ملحقا عسكريا في الجيش (العراقي) في مدينة (الموصل) ما حدث بعدها:
((…استمرت المجزرة بحق (الأشوريين) فترة من الوقت، وكان ضحاياهم في وضع عاجز ولم تكن هناك أي فرصة لتدخل طرف ثالث في الأمر لإنقاذهم، فقد تم نصب الرشاشات المدفعية في شبابيك الغرف التي احتمى بها الرجال، وبعد جمع أكبر عدد ممكن منهم تم إطلاق النار حتى لم يبق أحد واقفا، وفي حالات أخرى ظهر التعطش الدموي للجنود بشكل فعال، فقاموا بسحل الرجال وإطلاق النار عليهم وضربهم حتى الموت، ومن ثم ألقي بهم في كومة الجثث المتزايدة…)) .
وهكذا تمت مجزرة (سميل) بقتل أكثر من (خمسة ألاف إنسان أشوري ) بدون رحمة وشفقة وبوحشية لا مثيل لها؛ ونظرا لبشاعة الموقف والجريمة (الإبادة الجماعية) التي نفذت بحق (الأشوريين) العزل في يوم ( السابع من آب ) عام 1933 في (العراق)، وهو اليوم الذي اختارته الأمة (الآشورية) يوما لاستذكار شهدائها؛ ليس من الذين تم إبادتهم في مدينة (سميل) فحسب بل لاستذكار كل قوافل الشهداء الذين سفكت دمائهم على مذابح الحرية والحقوق القومية والوطنية، ولهذا يعتبر (يوم الشهيد الآشوري) ذكرى تخليد أرواح الشهداء الذين سقطوا على مر العهود والى يومنا هذا بسبب حملات الإبادة العرقية الجماعية التي ارتكبت ضد امتنا (الأشورية) من قبل القوى الغازية لأرض (أشور)، وما زالت أبنائنا يستشهدون على أرض الآباء والأجداد وهم يناضلون من اجل نيل حقوقهم المشروعة وفي حقهم في تقرير المصر والحرية، فالشهادة أصبحت حقيقة ثابتة في حياة كل فرد وعائلة من أبناء هذه الأمة، وكان امتنا رغم التضحيات الجسام التي قدموها في هذه المعارك؛ كتب لـ(أشوريي) إن تكون تربة (العراق) معطرة بدماء شهداء هذه الأمة، رغم إن امتنا (الأشورية) منذ فجر تاريخهم على ارض الرافدين (العراق) قدموا قوافل من الشهداء ثمنا لكرامة الأمة وحريتها؛ بعد إن تكالبت عليهم قوى الغدر والأعداء والاستعمار (الفارسي) و(العثماني) و(البريطاني) مدعومين ببعض القوى المحلية المعايدة لامتنا وأرادوا تدمير امتنا وتشتيتها وتمزيقها، وأمام هذه التحديات التي واجهت الأمة (الأشورية) في (العراق) والذين منها تشتتوا في (تركيا) و(إيران) و(سوريا) و(لبنان)، واليوم تشتتوا في كل إنحاء العالم؛ وقف (الأشوريين) بوجه كل هذه المخططات التي كان يرسمها العدو بهدف تحطيم معنويات مقاتلي الأمة بتمزيق أوصالها؛ ومع ذلك خاضوا مناضلين ومناضلات الأمة أشرس معارك الشرف من اجل الاحتفاظ بهوية الأمة (الأشورية) على ارض الأجداد في العراق .
نعم أن الأمة (الأشورية) تعرضت لمجازر (الإبادة العرقية) على مدى عصور طويلة وما زالوا سائرين في طريق التضحية والنضال يقدمون أرواحهم فداء لامتهم وحرية أبنائهم، لان ثقافة الشهادة تجسدت في أعماقهم وكيانهم تأكيدا على تمسكهم بتاريخهم الحضاري والوطني والقومي، من اجل تحقيق المشروع القومي للأمة (الأشورية) بإقامة كيان مستقل على أرض الإباء والأجداد في وادي الرافدين (العراق) الحالي، فالشهادة والتضحية إنما هو إيمان الإنسان (الأشوري) بكل طوائفهم ومذاهبهم الكنسية في العيش والوجود على أرضهم التاريخية في (العراق) بالحرية والكرامة، ولهذا فان استمرار أبناء الأمة في الكفاح والنضال من أجل تحريرهم من الطغيان وجرائم الأنظمة الاستبدادية والمنظمات الإرهابية، ومن كافة أنواع الممارسات القمعية وجرائم القتل والتهجير والتطهير التي يتعرضون لها على يد القوى العنصرية والشوفينية في المنطقة ، فان نضال الأمة سيستمر لحين تحيق أهداف الأمة في الحرية وحق تقرير المصير .
ولذا فان في ذكرى (يوم الشهيد الأشوري) بقدر ما نتذكر شهدائنا، نستذكر كل ما مضى في تاريخ الأمة (الأشورية) وما حدث في الأزمنة الماضية؛ القريبة والبعيدة منها؛ حيث تعرضت وتتعرض الأمة (الأشورية) إلى اقسي أنواع الاضطهاد والتميز والعنف والبطش والقتل والخطف والابتزاز والتشريد ألقسري والنزوح وعمليات التطهير العرقي وديني والقومي والاستيلاء على ممتلكاتهم وأراضيهم، وفرض مشاريع عنصرية على مواقعهم التاريخية بهدف أحداث التغيير الديمغرافي لها لإنهاء وجودهم والقضاء عليهم كليا، وعلى كل ما حدث ويحدث فان إرادة الأمة (الأشورية) وعزيمة أبنائهم في الصمود والتحدي والنضال ما زال مواكبا مع الإحداث؛ لنتخذ منها دروس وعبر لمواكبة مسيرة الأمة نحو الحرية والاستقلال، لأنهم اثبتوا عبر كل مراحل التاريخ بأنهم لن يخضعوا ولن يستسلموا وإنهم مستعدون لتقديم شهيد تلو شهيد من أجل الحرية والكرامة، فامتنا رغم كل ما ارتكب بحقها من مجازر وإبادة جماعية قدموا أمثولة مشرقة بالصمود والصبر والنضال من اجل الحرية وحق تقرير المصير؛ وظلوا يناضلون ويضحون ولم يبخلوا بدمائهم عند اشتداد المحن ليقدموا لامتهم أثمن ما لديهم وهو فداء النفس لتحرير الأرض والإنسان من العبودية والاستغلال .
فذكرى يوم الشهيد هو تاريخ متجدد؛ هو تاريخ حي؛ هو أمانة ووصية يجب أن نعيد قراءته ونقرأه كل مرة قراءة جديدة من أجل شحذ الهمم واستثمار قيمته التاريخية لاستنهاض إرادة الأمة لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل؛ والمضي قدما نحو البناء والتقدم؛ لكي يدرك أجيال الأمة بأن المستقبل لا يبنى إلا بالعمل والعلم والإرادة والتضحية؛ لان الوصول إلى الحقوق وتحقيق الأهداف لا يكون إلا بالتضحيات .