في إطار تقليدنا المعهود بصناعة الصنمية بمهارة عالية سيعتلي المنصة هذه المرة خطيبا شبحيا يرتدي جلبابا استعاره من القرون الوسطى , سيرفع سبابة يده مخاطبا .. ايها العراقيون سأعطيكم الامان والراحة والإستجمام .. سأعطيكم الكهرياء التي ستنير شوارعكم وبيوتكم وقلوبكم .. سأعطيكم الماء حتى ترتوي اجسادكم وارضكم وتمتلئ فيضا ويطفئ ظمأكم .. سأبني بيوتا لكم تشبه اعشاش السنونو في هندستها .. سأعقد قرانا لكل عشاق المحبة واجعلهم يطلقون في لقاءاتهم اغاني عبد الحليم حافظ ( انت عارفة لي .. على شان احنا مع بعضينا ) وهكذا تردد الحبيبة مع الحبيب ( انت عارف ليه ) الى نهاية الاغنية .. سأقضي على البطالة وابناء الشوارع .. كل هذا سيقوله الخطيب المجلل المهلهل . أما انا فسأمنح نفسي إجازة طويلة من هذا الزمن المستحيل , سأدخل صومعتي لأرسم عصافير كونية تحت ضوء الشموع , وفي المساء سأصنع قوارب صغيرة من الورق واضع فيها احلامي البسيطة جدا واتركها يداعبها الموج في نهر الحلة مراقبا ابتعادها شيئا فشيئا امام ناظري لأمارس بذلك لعبتي العجيبة , وفي ايام اخرى سأضيء شموعا على صفائح الامال واطلقها في النهر نذورا لخضر الياس . سأمسك زمني وارغمه على العودة الى بداياتي الى الصفاء والروعة , الى فسائل النخيل وهي لازالت بكر , الى رائحة القداح وهي تنتشر في الدروب القديمة , الى مساءات الحلة حين كانت تماهي بألوانها لون الغروب , الى رائحة الارض حين هطول المطر في مواسمه الاولى .. أيها الخطيب الشبحي لاقدرة لك على هذا فالغناء لديك حرام , وعدم الامان هو صنيعتك بإمتياز , والكهرباء تعني النور وانت تكره الضياء , وكل الوعود هي جزاف . نفاق . رياء .. سينزل الخطيب الشبحي من المنصة محاطا بجحافل الجيوش ويستقبله الرعية بالهتاف والتصفيق .. بالروح . بالروح . قيام انه القائد الاوحد .
