صادق البرلمان العراقي الاربعاء الماضي على الموازنة العامة للعراق لسنة 2017, وكان مقرر اللجنة المالية في البرلمان العراقي قد ارسل في الثالث والعشرين من تشرين اول الماضي نسخة من مشروع الموازنة الى سكرتير مجلس وزراء اقليم كردستان للاطلاع وبيان الرأي والموقف ولكي يعمل عليها ممثلو الكورد في بغداد، وبعد ان مر المشروع بمرحلة الاعداد في وزارة المالية ثم ناقشه مجلس الوزراء واقره وارسله الى البرلمان.
مر مشروع الموازنة في البرلمان العراقي حسب الاصول القانونية وجرت له قراءة اولى وبعدها اعدت اللجنة المالية تقريرها حوله، وشارك 80 نائبا في المناقشات التي جرت بعد القراءة الثانية من قبل كافة الكتل، وبذلك يكون المشروع قد نضج لتقديمه للتصويت، والى هذا الحد لم يصدر عن حكومة الاقليم اي رد فعل لا ايجابا ولا سلبا، في الوقت الذي تضمن فيه المشروع ذات الفقرة السابقة للسنوات السابقة المتعلقة بالاتفاق النفطي بين الاقليم والحكومة العراقية مقابل حصة 17% من الموازنة.
يبدو ان الوضع الاقتصادي الصعب في الاقليم وتظاهرات السليمانية وحلبجة وكرميان ورابرين ومطالب الموظفين في الاقليم ومطالب الاحزاب السياسية الكردستانية وعدم قدرتها السيطرة على السياسة الاقتصادية للاقليم باتت عوامل ضغط على ممثلي الكرد في البرلمان العراقي للبحث عن حل قانوني فيما يتعلق بموازنة الاقليم لاخراج الوضع في اقليم كردستان من ازمته المالية المستفحلة.اقترحت كتلة حركة التغيير في البرلمان ان يجري التعامل مباشرة مع بغداد عن طريق محافظات الاقليم، وهو ما ادى الى ردود افعال قسمت الشارع الكردي الى قسمين. وخلال عطلة البرلمان اثناء مراسيم اربعينية الامام الحسين (ع) دعا المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني كتلته في البرلمان العراقي للاجتماع وتبادل الرأي بهذا الشأن، وعقد لهذا الغرض يوم الاربعاء 16/11/2016 اجتماع بين المكتب السياسي وكتلة الاتحاد الوطني في البرلمان في مقر المكتب السياسي في كركوك، حيث تناول الاجتماع بالتفصيل موضوع الموازنة وجرى الاتفاق على نقطتين، الاولى: التزام كلا الحكومتين الاقليم والعراق بتطبيق قانون الموازنة, وعند عدم التزام اي طرف يكون من حق الطرف الثاني اللجوء الى المحكمة الاتحادية. والنقطة الثانية: البحث عن وسيلة قانونية لتأمين رواتب موظفي اقليم كوردستان من زاخو الى خانقين، ومن اجل ذلك كلفت لجنة الكتلة لجنة اصغر من اجل التوصل الى تلك الوسيلة القانونية. لهذا الغرض قدمت المقترحات الى الهيئة العاملة في المكتب السياسي، وكان من المقرر ان يجتمع اعضاء الكتلة البرلمانية مع رئيس واعضاء الهيئة العاملة في المكتب السياسي الخميس 24/11/2016 من اجل مناقشتها، لكن بسبب سوء الحالة الصحية لرئيس الهيئة تم تأجيل الاجتماع الى اليوم التالي، حيث عقد الاجتماع في مكتب عضو الهيئة العاملة عمر فتاح مع رئيس الكتلة وثمانية من اعضائها قبل عودتهم الى بغداد، وجرى مناقشة الاراء المطروحة مرة اخرى وابلغ عضو الهيئة العاملة الكتلة، ان المكتب السياسي يكلفها ان تعمل ما بوسعها من اجل تأمين رواتب الموظفين في الاقليم بشرط الحفاظ على جغرافية اقليم كردستان وكيانها السياسي.
عندما عدنا الى بغداد طرحنا مقترحاتنا على الكتل الكوردستانية الاخرى حيث ساندتنا منذ البداية كتلتا التغيير والجماعة الاسلامية واصبحت المقترحات مشروعا لثلاث كتل، في البداية رفضت كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني المشروع وحاربته واعربت عن رغبتها في ان يبقى المشروع على حاله وبالشكل الذي جاء من حكومة اقليم كردستان، وهو ما رفضته الكتل الاخرى.بذلنا جهودا كبيرة من اجل اقرار مقترحاتنا في اجتماعات اللجنة المالية للبرلمان، وامضينا ساعات من النقاش مع اللجنة, وقمنا في الوقت نفسه بزيارة الاطراف الفاعلة في البرلمان والعملية السياسية, منهم السادة عمار الحكيم ونوري المالكي واياد علاوي وسليم الجبوري وكلا الطرفين الشيعي والسني, من اجل الحصول على دعمهم لمقترحاتنا.
عندما نجحنا في اضافة مقترحاتنا وحصلنا على التاييد من اجل تمريرها، ويأس رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني من افشال المقترحات، طلب من رئيس حكومة الاقليم ان يدخل مباشرة على الخط، والا فان مشروع الاتحاد الوطني والتغيير والجماعة الاسلامية سوف ينجح، وكان من المقرر ان تطرح المقترحات على التصويت الخميس 1/12/2016 لكن غياب 53 عضو برلماني من محافظات البصرة والعمارة والناصرية عن الجلسة ومطالباتهم باحتساب حصة محافظاتهم من البترودولار افشل الجلسة.في اليوم التالي وفي الذكرى الثالثة لاعلان الاتفاق النفطي بين اقليم كوردستان وبغداد, اصدرت حكومة الاقليم ايضاحا من اجل افشال مقترحات الكتل الثلاثة رفضت فيها مسبقا قانون الموازنة العراقية، وتضمن ايضاح حكومة الاقليم مجموعة من الارقام مخالفا لكل ايضاحاتها وتصريحاتها السابقة حول موارد اقليم كردستان والميزانية والرواتب، فيما وصلت في اليوم نفسه رسالة نائب رئيس حكومة الاقليم قوباد طالباني عن طريق رئيس كتلة الاتحاد الوطني الى الكتلة والتي طلب من الكتلة ان تكون دقيقة في عملها، وفي7/12/2019 طرح مشروع الموازنة على التصويت، حيث اثارت كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني ضجة كبيرة حول الفقرة المتعلقة بالبيشمركة وترك اعضاؤها القاعة، بل وغادر القاعة معهم نائب رئيس كتلة الاتحاد الوطني، فيما بقيت الكتل الاخرى بما فيها كتلة الاتحاد الاسلامي الكردستاني في القاعة، اضافة الى بقاء النائب الكوردي المستقل عادل نوري، واثناء المناقشات حول الفقرة المتعلقة بالبيشمركة تظافرت جهود رئيسة كتلة الاتحاد الوطني الكوردستاني واللجنة المالية واعضاء منهم النائب عن الاتحاد الوطني ريبوار طه لاضافة عبارة اخرى للفقرة وهي (تأمين رواتب البيشمركة) وجرى التصويت عليها، وبذلك تم تأمين رواتب كافة البيشمركة، رغم ان الكتل السياسية الاخرى وبالاخص الكتل الشيعية رأت ان هذه العبارة مررت عليهم!!.
بعدها جرى التصويت على مقترح الكتل الكردية الثلاث، وجرت نقاشات بين الكتل السنية والشيعية حول نسبة السنة في قوات الحشد الشعبي ولم تكتمل مما ادى الى تأجيل الجلسة الى يوم اخر، وفي يوم الاثنين جرى تأجيل الجلسة مرة اخرى الى الاربعاء السابع من كانون اول. وفي السادس من كانون اول وبعد اربعة ايام على ايضاح حكومة الاقليم الاول, صدر ايضاح اخر يتضمن مجموعة ارقام اخرى لم يعترف بها سابقا ورافضا قانون الموازنة مرة اخرى!.
في السابع من كانون اول جرى التصويت على القانون وبالفقرة المتعلقة بالبيشمركة مع اضافة عبارة “تنظيم التنسيق بين وزارة الدفاع ووزارة الييشمركة والقائد العام للقوات المسلحة”.
في يوم الخميس 8/12/2016 اصدر مسعود البارزاني العم بيانا لم يرفض فيه قانون الموازنة مشيرا الى ضرورة ان تقوم حكومة الاقليم والبرلمانيون الكرد في بغداد بمناقشة تفصيلية للقانون، وان يتفقوا عليه اذا كان يصب في مصلحة كوردستان, او يكشفوا الحقائق اذا كان عكس ذلك.
وهنا نرى ان “البارزاني العم” و”البارزاني ابن الاخ” احدهما رفض قانون الموازنة قبل اقراره, والثاني يطلب مناقشته بعد اقراره، فيما يقف موظفو الاقليم بين هذا وذاك في انتظار “گودو” كي يأتي لهم برواتبهم