22 نوفمبر، 2024 11:06 م
Search
Close this search box.

قوة عربية مشتركة في مواجهة الربيع العربي

قوة عربية مشتركة في مواجهة الربيع العربي

لقد تضمن البيان الختامي لقمة الدول العربية المنعقد في شرم الشيخ كل شييء إلا السعي لتحقيق الديمقراطية والحرية والرفاهية لشعوب العالم العربي, وأن أهم ماتضمنه هذا البيان هو إنشاء قوة عربية مشتركة لحماية الأمن القومي العربي في مواجهة التحديات المحدقة بتلك الأمة, وأن كلمة الأمن القومي قد تكررت مرات عدة في هذا البيان من أجل إضفاء صبغة شرعية على عملية عاصفة الحزم التي تقودها السعودية في مواجهة الحوثيين في اليمن. نعم, أن كلمة الأمن القومي عند الزعماء العرب لاتعني أكثر من حماية الدولة والسلطة المهيمنة المسيطرة على مساحة جغرافية محددة بمؤسساتها التقليدية القمعية وغير القمعية.

هل فعلا ً أن الأمن القومي العربي يواجه تحديات تستوجب إنشاء قوة عربية مشتركة لحمايته؟ سؤال ربما يبدو سهل الاجابة بالقول نعم, لكن التحدي الأكبر هو الجواب على ماهي المخاطر الحقيقية التي تربك المنظومة السياسية والعسكرية لمجموع تلك الدول؟ لقد كانت إسرائيل ولعقود مضت هي عدو العرب الأول حيت ترسخت تلك العداوة في الذاكرة الجمعية للشعوب العربية بعد أن تبنت معظم الدول العربية القضية الفلسطينة كقضية مركزية إلا أن هذا التهديد قد تراجع كثيرا ً بصعود نجم إيران لتتحول العدو رقم واحد بدل إسرائيل من مبدأ أن التخلي قبل التجلي كما يقول الصوفيون, أي الوقوف بحزم أمام التمدد الصفوي قبل ردع الخطر الإسرائيلي. وبالرغم من بروز داعش كلاعب أساسي في العراق وسوريا ً وليبيا وهو يتمدد لباقي البلدان العربية لم يشكل ذلك موقفا ً ليعتبر خطرا ً حقيقيا ً وتحد للأمن القومي العربي, فالحقيقة أن الكثير من الدول العربية قد ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر بوجود داعش وهي بحاجة إليها في بعض الأحيان لوقف مايسمى بالتمدد الشيعي الصفوي حين تعجز تلك الأنظمة عن أداء دورها بذلك الردع. لكن, هل من أجل كل هذا يحاول الزعماء العرب أنشاء قوة عربية مشتركة أم أن هناك تحد آخر؟

لنكن واقعيين, لم يستطع العرب أنشاء قوة عربية مشتركة موحدة تواجه الخطر الإسرائيلي منذ عقود, أما ذريعة تمدد إيران في المنطقة فإيران موجودة في عراق مابعد 0320 وفي لبنان وفي سوريا منذ سنين وهم من ساهموا بتمددها باستراتيجيات بائسة أبعدت العراق عن العرب لتملئه إيران ولم يجد العرب غير دعم الجماعات الجهادية التكفيرية بحجة مقاومة الإحتلال لتنقلب عليها لاحقا ً فما الجيد؟ أما داعش فيعلم أغلب الزعماء العرب بأنها نتيجة طبيعية لغياب الحريات السياسية والتدهور الاقتصادي والتهميش المتعمد من قبل الحكومات لمواطنيها وبمساعدة المؤسسات الدينية التي تجتر خطابا ً دينيا ً بائسا ً لايعترف بالآخر المختلف ويتضمن تكفير المخالف وأموال البترودولار لامراء وتجار كبار من دول الخليج. إذن, لم يبق إلا الإستحقاق الداخلي فهو يشكل التحدي الأكبر الذي يواجه الأنظمة العربية بأجمعها. نعم, إنه أستحقاق الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والرفاهية للشعوب والذي تحركت من أجله فئات كبيرة من المجتمعات العربية لتبدأ ربيعا ً يقوده شباب في تونس ومصر لينتهي طائفيا ً في سوريا وليبيا واليمن والبحرين كنتيجة طبيعية للقمع ولسوء إدارة الأزمات من قبل السلطة.

أن اكثر ما يخافه الحكام العرب هو تقويض السلطة التي يمارسون بها بطشهم ويسترزقون من خلالها هم وعيالهم وذلك بفتح باب الحريات الذي سيجلب بالضرورة للسلطة ممن لايرضي هؤلاء الحكام ولاحلفائهم الغربيين, ولهذا السبب هم ينشؤون جيشا ً عربيا ً ذات طابع طائفي لدول من مكون مذهبي محدد من أجل أضفاء الصبغة الشرعية عليه فهم يعلمون أن الدين والطائفة

تشكل جزء لايتجزء من وعي الشعوب العربية لقمع أي حركة تدعو للحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. فيمكن لتلك القوة ضرب أي تمرد يمكنه أن يقوض أي نظام عربي بأسم حماية الأمن القومي العربي, ويمكن أستخادمه ضد أي أقلية عرقية كالكرد والأمازيق أو طائفية كالشيعة أو العلوية أو أي فئة أخرى تشكل تهديدا ً حقيقيا ً للأنظمة كفئة الشباب أو المهمشين من الفقراء. الشيئ المحزن أن جمع من المثقفين من كتاب وإعلاميين وفنانين وغيرهم يسيرون بركب القومين القدامى الذين أنتعشت صدورهم بالاوكسجين باحياء فكرة الوحدة العربية والامة العربية في مصطلحات عفا عليها الزمن ولاتمت للمستقبل بأي صلة من اجل قتل روح أي تمرد ينادي بأسم الحرية.

الغريب في الأمر أنه لم تعترض دول أخرى بالمنطقة من تشكيل هذه القوة المشتركة ولم تصيب أحدا بالرعب كما يصيب البرنامج النووي الإيراني الغرب أجمعه. فلم تتحرك إسرائيل لمنعه ولاحتى أبدت مخاوف بالرغم من مجاورتها لمعظم من يشكل هذه المجموعة, ولم يثر حفيظة امريكا التي ربما باركته ولا أي دولة أخرى كإيران أو تركيا بالرغم من أن حجم هذه القوة سيكون كبيرا ً ومؤثرا ً بوجود السعودية ومصر على الأقل.

إذن, لاوجود في الخطاب الختامي للقمة العربية مكان للشعوب وطموحاتها وأحلامها بتحقيق العدالة الاجتماعية بترسيخ مفهوم الديمقراطية والعمل من أجل تطوير المجتمعات العربية وذلك من خلال تطوير المؤسسات الديمقراطية لتواكب التطور الحاصل في المجتمعات المتحضره كصدى لمطالب الشعوب العربية في ربيعها الذي بدئته في تونس ومصر. على العكس نرى ممن هاجم حق الشعوب بالتظاهر والمطالبة بالحقوق الطبيعية التي يطلبها كل أنسان لحفظ كرامته. فقد علمتنا التجارب أن القمم العربية على الدوام هي قمم للسلطات الحاكمة شرعية وغير شرعية وليست للشعوب ولهذا السبب هي تبوء بالفشل منذ عقود طويلة.

[email protected]

أحدث المقالات