23 ديسمبر، 2024 4:38 ص

قوة امريكا الناعمة في العراق

قوة امريكا الناعمة في العراق

ليس من الصعب على المتتبع للشأن العراقي الحالي تصنيف نفوذ الولايات المتحدة الامريكية ومدى تأثيرها على الساحة السياسية بأنه اقل من السابق، الا انه لم ينته تماماً، فبرغم انسحاب القوات الامريكية من الارض الا انها لاتزال لديها قوة ناعمة تتمثل في عدة مفاصل مهمة وحيوية منها مبيعات الأسلحة، وحاجة القوات العراقية لمكافحة الارهاب، وكذلك مساعدة العراق بشان الاستثمار واسهام الشركات الأجنبية في هذا الشأن، وقضية خروج العراق من تحت طائلة الفصل السابع للأمم المتحدة، والذي يمنع العراق من امتلاك سيادته الكاملة كونه لايزال يدفع تعويضات إلى الكويت، لذا فمن البديهي ان هناك العديد من الاوراق التي تمكن الولايات المتحدة من الضغط بها على الحكومة  العراقية.
فالاعتقاد السائد بأن الإدارة الامريكية الحالية خسرت في العراق، لايجانب الحقيقة، فواشنطن لم تستطع ان تحقق اي مكسب حقيقي طوال السنوات التسع المنصرمة الا انها تمكنت من ابقاء الباب موارباً من خلال احتفاضها باوراق الضغط هذه، كما وانها صنفت هذه الاوراق كل حسب اهميتها لاخراجها في الوقت التي تراه مناسباً لتحقيق ماتصبوا اليه، فتصريحات الرئيس الامريكي باراك اوباما خلال زيارة رئيس الوزراء نوري المالكي الاخيرة لواشنطن بأن العراق دولة ديمقراطية وذو سيادة بأمكانها ان تعتمد على نفسها، تندرج تحت باب فذلكة الخطاب السياسي الامريكي، حيث ان معظم العراقيين ينظرون اليوم إلى سياسييهم بوصفهم طبقة فاسدة، فشلت في توفير الأمن وفرص العمل، وتحسين الخدمات، ولم يتمكن اعلى هرم في السلطة من فصل نفسه عن هذه الظاهرة، كما يمكن وصف سياسة واشنطن في السنوات الثلاث الاخيرة تجاه العراق بالفصامية، لأنها من ناحية ساعدت خلال انتخابات عام 2010، بالتوسط في صفقة تشكيل الحكومة الحالية، ومن الناحية الاخرى تراجعت عن ضمان تنفيذ تطبيقاتها، مؤكدة ان مثل هكذا قرارات يتعين على العراقيين وحدهم اتخاذها، تحت ذريعة ان هناك حدودا لما بوسع أي بلد القيام به لضمان تنفيذ اتفاق داخلي في بلد آخر، متناسية انها لعبت في كثير من الأحيان دورا في اختيار الفائزين والخاسرين في العراق، وانها مازالت تفعل ذلك من خلال دعم المالكي.
ولكل ماتقدم نرى ان اللاعبين السياسيين العراقيين لايثق احدهم بالاخر، كونهم يعدون السياسة لعبة محصلتها صفر، وانهم لازالوا أسرى للماضي بحيث ينظرون إلى معارضيهم ليس فقط كخصوم سياسيين يمكن حملهم على الخروج من مناصبهم، ولكن بوصفهم أناس قد يقتلونهم أو يسجنونهم، مما يجعل من الصعب التوصل إلى حل وسط، كما ان عدم وجود من يحوز على كامل القوة في العراق، لا رئيس الوزراء ولا المعارضة، هو ما يزيد من صعوبة تحقيق التقدم الذي يصبوا اليه الشارع، ومما لاشك انه يخلق فراغا يوفر مساحة للجماعات المسلحة والمتطرفين لاستغلاله في محاولة لخلق حالة من الفوضى.