الاغلبية السياسية, الشراكة, التوافق ثلاث مفاهيم امتزجت في تجربة العراق مع النظام الديمقراطي البرلماني, وكانت مخرجاتها مشوهة ومعطُلة في كثير من الاحيان, فالاغلبية السياسية المعتمدة في هكذا انظمة, حكمت بالشراكة, والاخيرة اصبحت تحت سطوة التوافق؛ فأدى ذلك الى تخريب العمل السياسي, وتقهقر دورة الريادي في بناء الدولة.
قد يبدوا منطقيا في العراق, ان يتم التنازل عن مبدأ الاغلبية في تشكيل الحكومات وادارة البلاد, لأنها كثيرا ما كانت توصف بأنها اغلبية طائفية لايمكن ان توفر الطمأنينة لبقية المكونات, خصوصا في فترة بناء اساسات الدولة من دستور, وانظمة انتخابية, وبعض القوانين ذات الشأن في استقرار البلد, وقد تحققت جملة من النجاحات في تلك الجوانب, ولكن استمرار ذلك في ظل غياب ادارة حصيفة للاغلبية فضلاً عن تشرذمها ادى الى مشاكل كبيرة.
فالشراكة انسحبت من القضايا الكبرى الى ادق التفاصيل, والتوافق اصبح رهن الامزجة والمصالح الشخصية, والاغلبية التي تمثل قطب الرحى في الانظمة البرلمانية, اصبحت وسيلة لكسب رئاسة الوزراء ثم ترك الأمور للتنازلات المخجلة او الجفاء المخرب, وهذا ما انعكس على الخطاب السياسي, فالاقلية رغم كل المكاسب ما فتأت تطالب بالمزيد, وتصدر المظلومية, حتى بات جمهورها ساخطا على التجربة ساعيا في تخريبها, والاغلبية انكفأت على نفسها واخذت تمزق بعضها, فخسرت كثيرا كما خسر جمهورها. لذلك لاحل اسرع وانجع من عودة التحالف الوطني لاخذ زمام المبادرة في جميع القضايا, وتوحيد خطابة, وترشيد العمل السياسي الآخذ بالتقهقر, ولابد ان تكون عودته على شكل مؤسسة لها نظامها الداخلي, ولجان مشكلة تأخذ على عاتقها ادراة الملفات الموكلة اليها, ويكون التنسيق على اشده مع الحكومة التي يشكل فيها الاغلبية, وهذا ما تحقق بشكل كبير اليوم بالادارة المتميزة من سماحة السيد الحكيم الذي يسعى بمعية قيادات التحالف الى تخطي نقاط الضعف التي اوجدتها الفترة السابقة, واعطاء كافة الضمانات لشركاء الوطن في العيش الكريم, واخذ كافة الاستحقاقات, ولكن من دون التخلي عن واجباتهم في ارساء الاستقرار في البلد, والحرص على اشاعة ثقافة القبول بمخرجات العملية السياسية ومحاربة بؤر الارهاب اينما كانت.ان السعي في مأسسة التحالف في هذا الوقت يعد التقاطة سياسية مهمة, نتيجة لعوامل كثيرة اولها تراجع ميزانية الدولة بشكل كبير الامر الذي دفع الجميع للبحث عن مخرج من دون ان يكونوا خاضعين لتخدير ثراء الحكومة, ووفرة مدخولاتها, كما ان اقتراب تطهير البلاد من براثن داعش, يدعوا الى ايجاد عمل سياسي يرسم مستقبل البلاد, ولايترك فراغاً يملىء من الخارج وقد يؤدي الى التقسيم.
رغم الفترة القصيرة لعودة التحالف الى وحدة الكلمة, ولكنه يلاحظ وحدة في خطاب مكوناته الى حد مقبول, وتشريع جملة من القوانين التي تصب في مصلحة الوطن, وتبني بعض المبادرات التي لها اهمية على مستقبل البلاد ما بعد داعش, والمثير ان كل ذلك قد لاقى قبول دولي واقليمي, ولذلك فقوة التحالف الوطني, وانسجامة, وخطابة المعتدل المطمئن هو ضرورة وطنية لابد ان يشجعها الجميع.