18 ديسمبر، 2024 6:07 م

قوانين سوق المعلومات تهذب الشباب العراقي

قوانين سوق المعلومات تهذب الشباب العراقي

في عراق اليوم، لم تتضح معالم النظام الاقتصادي الذي تتبناه الدولة بعد، رغم ان الحكومات التي أتت بعد تبني النظام السياسي الجمهوري عام 1958 تعتقد انها تبنت النظام الاشتراكي. إعتمدت كل حكومة جديدة على سياسة اقتصادية خاصة لاغية بذلك سياسة الحكومة التي سبقتها مما منع التأسيس لقطاع خاص أو مختلط رصين قادر على استيعاب الايدي العاملة. ومنذ ان أطيح بالنظام الملكي، صارت الحكومات العراقية المتوالية الجهة الموظفة الاولى في العراق، ساعدها في ذلك تدفق عائدات النفط.
وعلى هذا الاساس، تحولت المؤسسات والنقابات والاتحادات وحتى الشركات الى كيانات غير نفعية – وفي أحايين غير انتاجية – معتمدة على الدعم المالي الحكومي. إذن لم يتوجب على هكذا مؤسسات أرضاء زبائنها وماعليها الا ارضاء زبونها وولي نعمتها الاوحد: الحكومة. فقدت هذه الكيانات استقلالها واضطرت للترويج لخطاب الحكومة وسياساتها… تنفذ توجيهاتها وأوامرها وحدها بما فيها السياسات والاوامر التي تتقاطع مع حقوق وتطلعات الشعب العراقي.
الفرق بين هكذا مؤسسات ومؤسسات ربحية أو افراد منتجين يعتمدون في تمويل نشاطاتهم على مايبيعون من منتوجات- اي منتوجات كانت- هي ان الاولى لايهمها ارضاء اي طرف او زبون طالما الحكومة راضية عليها أما الثانية فمضطرة لارضاء كل زبائنها الحاليين والمحتملين والا فانها حتما ستفلس. هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل المؤسسات والافراد الذين يعيشون في دولة تتبنى النظام الراسمالي (صار الآن يدعى نظام السوق الحرة ) أكثر دبلوماسية وتهذيبا من أولئك الذي يعيشون في دولة تتبنى نظاما اشتراكيا أو في دولة يعتمد افرادها بالدرجة الاولى على الدعم الحكومي.
لذا لم نعتد ،نحن العراقيون، على رؤية مسؤول او موظف عراقي يقدم اعتذاراً عن خطأ ارتكبه أو كلام صرح به، ذلك لانه ليس بحاجة لرضى احد طالما ان وظيفته مؤمنة ومرتبه مستمر ، بينما لو كان هذا محررا في صحيفة نيويورك تايمز او فايننشال تايمز على سبيل المثال وارتكب خطأ او نشر خبرا غير صحيح او كتب مقالا أغاض شريحة معينة من المجتمع فان المدير سيجبره على الظهور في اليوم التالي ليقدم اعتذاراً – يكون مهيناً احيانا. لماذا؟ لان مالك الصحيفة يفضل خسارة خدمات المحرر على خسارة زبائنه. إذن فالرأسمالية، إضافة الى فوائدها الأخرى، تجعل الفرد اكثر تهذيبا ودبلوماسية والا فانه سيطرد من عمله وليس أشد عقاب من طرد الفرد من عمله في المجتمعات الرأسمالية فقطع الاعناق ولا قطع الارزاق، أو انه يجازى اذاما بذل قصارى جهده لاسعاد زبائن المؤسسة التي يعمل لها.
ساعدت العولمة الافتراضية والعصر الرقمي شبابنا هذه الأيام على الاستفادة من نظام السوق الحرة عن بعد، فخضعوا طوعاً لقوانين سوق المعلومات من أجل كسب المال. لدى كثير من الشباب المراهقين في العراق حسابات على الموقع الشهير يوتيوب. كجزء مما يحصل عليه يوتيوب من الاعلانات الدعائية، يدفع هذا الموقع اموالا للحسابات التي تستقطب اعداداً كبيرة من المعجبين ( عدد “اللايكات”). بمرور الوقت تعلم الشباب العراقي فنون الدبلوماسية والتهذيب وادب التخاطب مع المتصفحين من العراق والدول الناطقة بالعربية من أجل ان يكسبوا اكبر عدد من المعجبين وبالتالي تزداد المبالغ التي يتقاضونها من يوتيوب. صارت اللغة التي يتكلمون أكثر دبلوماسية من لغة مسؤولي الحكومة العراقية والتزموا الادب وبدوا اكثر فهما عمليا للسياسة وتجاوزت علاقاتهم الحدود لتصل الى اقرانهم في الدول العربية الاخرى وما كانوا ليتمكنوا من ذلك لولا تطوير لغة متسامحة مع المختلفين معهم والتفاعل الايجابي مع متصفحي مواقعهم. ليت سياسيينا تعلموا من شباب اليوتيوب كيف يخاطبوا الناس وكيف يكونوا اكثر أدبا ودبلوماسية لخدمة “زبائنهم” والابتعاد عن الانتصار للحزب او العشيرة او المنطقة وتالياً كسب ناخبيهم.