18 أبريل، 2024 10:13 م
Search
Close this search box.

قوانين العدل وحقوق الإنسان

Facebook
Twitter
LinkedIn

الحق والواجب كفتي ميزان العدالة الإنسانية ومن خلالهما يمكن أن تمنح الحقوق وتؤدى الواجبات على أكمل وجه ليقوم مجتمع إنساني قادر على التطور يضمن ذلك القانون الذي يحمي الفرد كما أن على الفرد أن يحترم القانون .والقانون مجموع تعاليم وفقرات لتنظيم العلاقات العامة والخاصة يختص قسما منها بمادة حقوق الإنسان .

في بلدنا غيبت دراسات حقوق الإنسان لأزمنة طويلة في ظل فكرة أن القانون جرة قلم ولم تدخل هذه الدراسة ضمن المناهج الدراسية إلا بعد العام 2003 …. هذا لا يعني أن بلدنا العراق و هو مهد الحضارة ومهبط الأنبياء لم تشرع فيه قوانين تنظم الحياة الإنسانية وتضمن حقوقها فحضارة وادي الرافدين تعتبر الحضارة الأولى التي استقت منها الحضارات قيمها الأخلاقية والتربوية والعلمية والفلسفية.. وعشرات ألواح الطين شاهد أزلي على الرقي الإنساني والخلقي للعراقيين إذ أنها حضارة استندت إلى احترام حقوق الإنسان.

ويعتز ملوكها بأنهم حراس عدل وحق وعلى سبيل المثال تباهى الملك (اوروكاجينا) بأنه حرر مواطنيه من كل أنواع الظلم وأعاد لهم العدل والحرية .وقد احتفل بولده (شولكي ) بوصفه ملك المساواة ) وقد تم العثور على جميع نسخ هذه الوثيقة في تنقيبات البعثات الفرنسية في مدينة (لكش) عام 1878م وترجمها لأول مرة العلامة الفرنسي فرانسوا تورو دانجان ويشير الباحثون إلى أن الملك السومري اوركاجينا ترك كتابات مهمة وسن قوانين وفرت للشعب السومري الحرية والعدالة الاجتماعية وتعتبر من أهم الوثائق في التاريخ لأنها نادت ولأول مرة بأهمية حقوق الإنسان وتأكيدها على حريته وان مفردة الحرية وردت لأول مرة في التاريخ بهذه الوثيقة إلا إن هذه الكتابات لم تصل إلينا ,وقد يعثر المنقبون عليها مستقبلا .

وفي قانون أور نمو (2061- 2043) ق.م نصت المواد على تعويض قانوني عن إلحاق الضرر بجسد الغير .

و أما قانون بايلالما (Bilalma) القانون الأول الذي تمت صياغته(بستين مادة قانونية في حوالي سنة 1920 ق.م تناولت :حق الأمومة والقروض والوديعة والبيع والإيجار ويعتبر مثل غيره من قوانين الحقوق البدائية حيث خصص حيزا للعقوبات .

أما القانون الثاني الذي وضعه لبت عشتار Lipit – ashtar)) وهو يعبر عن المؤسسات السامية إذ تغنى الملك بمحاسنه قائلا : (وطدت العدل في بلاد سومر وأكد ,كنت عاتيا على الكبراء ورحيما بالوضعاء وأقمت الحق وأعطيت الحرية للناس .

ويعتبر الإمبراطور حمو رابي( 1728 -1686) ق.م أعظم واهم مشرع في التاريخ بشريعته المكونة من (282) مادة قانونية هي محط احترام وتقدير لما تمثله من قيم تعتبر نقاط مضيئة في المسيرة الإنسانية الخالدة المتطلعة للحرية تتضمن إشارات وتشريعات لحقوق الإنسان.

يؤكد كريمر في كتابه – هنا بدء التاريخ – إن أول سابقة قضائية في تاريخ البشر وردت مسجلة في إحدى الوثائق السومرية تعود إلى أواخر الإلف الثاني قبل الميلاد وتتحدث هذه الوثيقة عن ثلاثة رجال اشتركوا ا في جريمة قتل ولسبب ما غير معروف اخبروا زوجة القتيل بجريمتهم تلك وكانت يد القانون قوية فتم إلقاء القبض على المجرمين وتم عرض قضيتهم أمام الملك أور –نينورتا في العاصمة وقام الملك بتحويل القضية إلى جمعية الشعب في مدينة نفر وموقعها الآن قريب من مدينة عفك.لتنظر الجمعية في هذه الجريمة وتتخذ القرارات المناسبة لمعاقبة المجرمين ,وتشير الوثيقة إلى إن سبعة رجال من الجمعية قاموا بمهمة الادعاء العام وأعلنوا أن طائلة العقاب يجب أن لا تطال المجرمين الثلاثة فقط وإنما تشمل زوجة القتيل التي تسترت على الجريمة وقد انبرى من هذه الجمعية رجلان قاما بمهمة الدفاع عن الزوجة واثبتا أن الزوجة بريئة من الجريمة وبالفعل صدر قرار الحكم بإدانة المجرمين الثلاثة وتبرئة ساحة الزوجة .

قراءة هذه الواقعة دليل لا يقبل الشك بأن تطبيق العدالة التي تعتبر واحدة من أهم حقوق الإنسان الأساسية وقد تم تطبيقها بالفعل وبشكل متطور يكاد يقترب مما يحصل في هذا العصر وهي نموذج واحد من نماذج تاريخية عديدة.

حقوق الإنسان ليست منحة من سلطة معينة, إنما هي حقوق أساسية من حقوق البشر الطبيعية التي فطر الإنسان عليها منذ خلقه, ومنذ أن ميزه الله تعالى بالعقل والقدرة على سائر البشر. وهنا يطرح السؤال ما المقصود بحقوق الإنسان…؟يمكن القول بأن حقوق الإنسان هي قدرة الإنسان على اختيار تصرفاته بنفسه وممارسة نشاطاته المختلفة دون عوائق ,مع مراعاة القيود المفروضة لمصلحة المجتمع .و يعتبر الإنسان هو محور الحقوق جميعا, وان هذه الحقوق ترتبط وجودا وعدما بوجوده وعدمه. وقد تم الاهتمام بهذه الحقوق من قبل منظمة اليونسكو منذ عام (1946) وتمكنت من عقد اجتماع دولي للخبراء عام (1991) في استراليا وأدى إلى إنشاء ( شبكة اليونسكو الدولية لبحوث الكتب المدرسية ) ومثلت ( الخطوط التوجيهية لتطوير منهج وكتاب مدرسي للتربية الدولية.

ويحفل الدين الإسلامي الحنيف بمبادئ وتشريعات حقوق الإنسان متمثلة بأحكام القرآن الكريم وأحاديث النبي محمد (ص) وتعاليم أهل البيت (ع) لو اخذ بها ورعيت حق رعايتها لنهضت المجتمعات الإسلامية من وهده التخلف والجهل والظلم ولحققت أعظم درجات الرقي ولكن أنى لكلمة (لو) أن تتحقق ففي القرآن الكريم تأكيد لإقامة العدل ورعاية حقوق الخلق من خلال أكرم العواطف وأنبل المشاعر حيث تبين الآية الكريمة ذلك ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم) وقال النبي محمد (ص) في حديث مبارك (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكرهه لها ).

وتعتبر كلمة الإمام علي (ع) ميزانا وعنوانا للحقوق (الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ) وقد اعتمدت هذه الكلمة المباركة في هيئة الأمم المتحدة مثلما اعتمدت كلمته حول التملك والأثرة في جمهورية مصر الحبيبة إذ يقول (ع) :(من ملك استأثر) فهو عليه السلام خبير في شأن الطبائع البشرية إذ هو تلميذ النبي (ص) والنبي صنيعة الله عز وجل (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) ونجد في عهده لمالك الاشتر حين ولاه مصر نموذجا إنسانيا فريدا في رعاية الحقوق وأداء الواجبات باعتبار الولاية تكليفا لا تشريفا ونستشف منها عظمة الشريعة الإسلامية ومبادئها السامية التي تثبت قوانين حقوق الانسان قبل انبثاقها بألف ونيف من السنين إذ يؤكد العهد ان على الحاكم ان ينتصر لله بقلبه ولسانه و يده و أن ينتصر لعباد الله وذلك بمراعاتهم و إعطائهم حقوقهم وان يمسك الحاكم نفسه عن أذى الآخرين لأن النفس أمارة بالسوء أن يأمرهم بالاعتبار من تاريخ من سبقهم من الحكام بالعظة والعبرة و تكون ذخيرة الحاكم العمل الصالح المقدم لخدمة الإنسان وليس بالعصا الغليظة والتعسف والظلم وان ينصف الناس من نفسه بما يحب ويكره ممثلا بمفهوم( حب لأخيك ما تحب لنفسك)و على الحاكم أن يكون صاحب رحمة وعطف وليس سبعا ضاريا وأن يكون الحاكم أخا للناس مهما كان دينه لأنهم نظراء له في الخلق وأن يكون صاحب شيمة و عفو و أن يتذكر أن الله فوقه و يراقبه وعليه أن يعلم إن المسؤولية امتحان وقد تكون ابتلاء يختبر فيه الإنسان وهي تكليف وليس تشريف .

وهناك نقطة أساسية ينبغي الالتفات إليها وهي أن على المسؤول عدم التبجح والتسرع والتباهي وخصوصا عند إنزال العقاب.

ان بلدا كالعراق علم الدنيا الحرف والكلمة وأول من خط بالقلم وأول من سن قوانين العدل وان لم تكن قوانين عدل الهي كما في الشرائع السماوية المقدسة جدير بأن يتمتع الإنسان فيه بحقوق الإنسان . فلتتضافر الإرادات الخيرة من اجل أن يكون لنا مستقبل مشرق إن شاء الله تعالى .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب