ينص قانون المحافظات غير المنتظمة بأقاليم رقم ٢١ لسنة ٢٠٠٨ على ان مجلس المحافظة هو اعلى سلطة تشريعية ورقابية ضمن الحدود الإدارية للمحافظة ،ولها الحق في إصدار التشريعات المحلية في حدود المحافظة بما يمكّنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية وبما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية .
هذا القانون يتيح للسلطة التشريعية في المحافظة (مجلس المحافظة ) إدارة مختلف الملفات في مجال المشاريع الخدمية والاستثمارية ،كما يتيح لها التعاقد مع الشركات بحرية ، كما انه يتيح لها الصلاحيات الإدارية والفنية بما يخفف او يلغي دور تسلط الحكومة المركزية والوزارات في تعاقد المحافظات مع الشركات وفي مختلف المجالات ، وبالتالي إلغاء البيروقراطية الإدارية التي أوجدت ديكتاتورية سيطرت على اي ارادة الحكومات المحلية ، وقوضت اي دور لها في تطوير عمل المؤسسات في المحافظات .
التعديلات التي اجريت على القانون والتي إثارت غضب الحكومة السابقة ، والتي اعتبرها المالكي خطوة ثورية لتطبيق مبدأ اللامركزية الدستوري والذي ظل حبراً على ورق دون تطبيقه لأسباب وصراعات سياسية بين المالكي ودعاة اللامركزية الإدارية (المجلس الاعلى ) ، ويبدو انه نجح الى حداً ما في استغلال هذا المبدأ من اجل اثارة الرأي العام وتسقيط اي دعوة بهذا الاتجاه .
هذا القانون الذي جاء على اثر مطالبات من نواب البصرة ونينوى في وقتها ، تحول الى منبراً للصراع السياسي بين المالكي وحزبه من جهة وبين اي منافسيه السياسين ، على حساب تخفيف معاناة المحافظات الجنوبية والوسطى التي عانت الظلم والاهمال طيلة عقود مضت على يد السلطة البعثية ، واليوم تعود ذاتها المعاناة في سيطرة الحكومة المركزية على صلاحيات الحكومة المركزية وتنفيذ قانون ٢١ نافذ المفعول لتجد إدارة المحافظات القدرة والسيطرة على تحسين الواقع الخدمي والمعاشي بعيداً عن البيرقراطية وسيطرة المركز والتي اضرت كثيراً بمستقبل المحافظات وازدهارها .
القانون بعد سحب النقض من حكومة الدكتور العبادي اثار حفيظة وسخط المالكي يعد انتصار كبير للمحافظات الغير منتظمة بإقليم ، والذي يفسح المجال امام الحكومات المحلية في ممارسة دورها التشريعي والرقابي والتنفيذي دون الرجوع الى المحكومة المركزية ، كما انه يعد انتصار الادارة السياسية والتي أراد المالكي إنهاءها عبر حملات التسقيط التي مارسها ضد شركاءه السياسيين خصوصاً المجلس الاعلى الذي كان من دعاة اللامركزية الإدارية وضرورة ان تأخذ المحافظات دورها الرئيسي في إدارة ملفات الخدمات والمشاريع الاستثمارية دون الرجوع الى الحكومة المركزية .
ان سحب النقض انهيار تام للفكر الشمولي المعارض لنهضة المحافظات وتطورها ، الذي استخدمه المالكي في طريقة تعاطيه مع منافسيه في المحافظات وتطويق اي دور لمجالس المحافظات ، وتكريس دور المركزية المقيتة التي عانى العراق طويلا في ظل حكومات استبدادية اضرت بمصالح العراق وشعبه .
كما انه يعكس التحرك السياسي المرن الذي يتمتع به المجلس الاعلى وقيادته والتي استطاعت من التعامل مع المتغيرات بالمرونة والوسطية المعهودة دون ضجيج او تنافس إعلامي والذي عكس افلاساً سياسياً لدى خصوم المجلس الاعلى ، كما ان قيادة المجلس الاعلى استطاعت تجاوز الأزمات حتى مع الشركاء والمنافسين