القسم الثامن
نصت المادة (26) من الدستور المؤقت لعام 1970 ، على أن ( يكفل الدستور حرية الرأي والنشر والإجتماع والتظاهر وتأسيس الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات ، وفق أغراض الدستور وفي حدود القانون ، وتعمل الدولة على توفير الأسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات ، التي تنسجم مع خط الثورة القومي التقدمي ) ، إلا إن التطبيق العملي لم يترك أثرا مهما في أي نشاط سياسي لما ثبت وصفه ، بإستثناء بداية فترة قيام الجبهة الوطنية والقومية التقدمية في عام 1973 ، التي تشكلت ظاهريا في إطار ( برنامج عمل مشترك ) لإقامة تحالف بين حزب البعث العربي الإشتراكي والحزب الشيوعي العراقي والحزب الثوري الكردستاني ، وقسم مؤيد للحكومة من الحزب الديمقراطي الكردستاني ومستقلين متنوعين ، حيث كفل إنشاء الجبهة الدور القيادي لحزب البعث في الدولة والمجتمع ، مع السماح بالحكم الذاتي للأحزاب الكردية المشاركة في الجبهة . والذي عبر عنه على أنه ( أحد الأشكال الأساسية للتعبير عن إرادة حزب البعث وتعميق الديمقراطية والمشاركة السياسية للشعب والقوى الوطنية في بناء التجربة الجديدة في جميع المجالات ) ، في ظل ظروف تضمن هيمنة حزب البعث على الدولة والتفرد السياسي داخل القوات المسلحة ، ولكن الجبهة لم يكتب لها دوام العيش السياسي ، لفقدانها مقومات إستمرار العمل المشترك ، بسبب إنعدام الثقة المتبادلة بين أحزاب الجبهة ، وإختلاف توجهات مكوناتها وعدم تقاربها في حدود قواسم العمل السياسي المشترك ، إلى الحد الذي ( يعتبر عملا تخريبيا ضد أمن الدولة كل نشاط تنظيمي أو سياسي غير مصرح به قانونا ، أو خارج نشاط الجبهة الوطنية والقومية التقدمية ) ، وذلك ما لا ينسجم ومبادئ الدستور الظاهرة في مفردات نصه ، ولعله التعبير الوافي عن نوايا عدم إستحسان العمل الجماعي ، بتوجه النزعة إلى التفرد بالحكم والسلطة إداريا وسياسيا ، وبممارسة الحريات المقيدة لما ينسجم مع خط الثورة القومي التقدمي فقط ، غير الضامن لمشاركة قوى المعارضة الوطنية العراقية في الداخل على أقل تقدير ، من أجل هدم جدران الحرص على كرسي الحكم الزائل يوما ما ، وإستكشاف حجم وقوة تأثير أحزاب المعارضة غير المرئية للعيان ، من خلال السماح لها في المشاركة السياسية وإدارة شؤون الدولة ، وللتأكد من حجم صحة الإعتقاد بضمان الأغلبية الشعبية عند إجراء الإنتخابات العامة في البلاد ، بالإستناد إلى ما أنجز خلال مدة حكم حزب البعث للعراق ، بدلا من إخضاع ذلك لنتائج توقعات وتخمينات الإعتزاز بنوعية التجربة ، التي إختلف بعض قادة حزب البعث عليها في إجتماع مصغر لهم في العام 1989 ، بالوصول إلى رأي موحد بشأن كيفية التعامل مع موضوع تمت مناقشته دون إهماله ، بتأكيد ما يجب أن تكون عليه نصوص فقرات ومواد الدستور من تطبيق عملي صحيح وسليم ، بدلا من عدم وضوح وإستقرار المستقبل السياسي لكوادر الحزب ، والإستمرار في تغيير شخوص أركان الدولة العسكرية والأمنية ، وتولي أقارب رئيس الدولة لمقاليد المسؤولية البعيدة عن مؤهلاتهم وإمكاناتهم المهنية ، مع عدم الإطمئنان لولاء الشعب متقلب الأهواء ، وخاصة الإنتهازيين من المنتمين إلى الحزب الحاكم بدوافع مختلفة ، إضافة إلى إرتباط معظم الأحزاب المعارضة بدول وأجندات أجنبية معادية ، وتزايد الضغوط الدولية لإضعاف قدرات العراق في جميع المجالات ، وغيرها من عوامل التفتيت الخارجي والداخلي لبنية الدولة ، مما عشنا تفاصيلها مثل تحقيق وتجسيد شعار( الثورة تأكل رجالها ) ، المتمثلة بإعدام العديد من قادة حزب البعث سنتي 1974 و1979 ، وتمسك قيادة حزب البعث بمطلق التفرد بالقيادة السياسية ، ورفض الحزب الشيوعي لذلك التوجه ، بإعتباره يشكل إنتهاكا صريحا لميثاق العمل الوطني الذي ينص على القيادة المشتركة للجبهة ، مع طمع وطموح السياسيين الأكراد بإستغلالهم الجبهة لتحقيق المزيد من المكاسب ، بإشاعة نقصان تشريعات وإجراءات الحكم الذاتي ، الذي إتخذوه مبررا لعودة القتال مع الحكومة سنة 1974 ، بذرائع وحجج ومبررات غير شرعية ولا مشروعة حتى الآن ؟!. وإن كان ما تحقق لهم بعد الإحتلال ما لم يتوقعوا الحصول عليه في الأحلام ؟!.
ولعل ما تم إستخلاصه من التجربة ومن قبل الأحزاب الثلاثة على وجه الخصوص ، هو أن تحالف أي حزب سياسي مع حزب حاكم في نظام لا يقوم على أسس ديمقراطية مؤسساتية ، هو خطأ مبدئي يرتكبه الحزب غير الحاكم ، لا بسبب عدم توفر تكافؤ الفرص فحسب ، بل لتعذر ضمان إستقلال الحزب سياسيا وتنظيميا وفكريا ، وهو مبدأ أساسي في أي تحالف سياسي أو حزبي غير مهني .