القسم الرابع والعشرون
إستكمالا لما أوضحناه بشأن ما نصت عليه المادة (31) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الإنتقالية ، نبين الآتي :-
6- ألا يكون محكوما عليه بجريمة مخلة بالشرف ، وأن يكون معروفا بالسيرة الحسنة .
*- عندما تضيع المقاييس ، وتنقلب الموازين ، وتنعكس مدلولات ومقاصد الحروف والكلمات والألفاظ والتعابير إلى غير معانيها الأصيلة والحقيقية ، فيصبح المجرم شريفا ، والسيرة الحسنة عنوانا لكل سارق وفاجر ومعتد أثيم ، وكل من حارب العراق وأهله ووضع يده بيد الأجنبي الغادر المحتل مناضلا ومجاهدا غيورا ، وقائمة مواصفات وصفات الأعمال المخلة بالشرف والسيرة الملوثة بكل تفاصيل السوء لا تنتهي ، وشواهد الفساد الإداري والمالي والتربوي تحتوي ملء إنائها من المحرمات .
7- أن يكون حاملا لشهادة الدراسة الثانوية أو ما يعادلها على الأقل .
*- التلاعب بالألفاظ من المهام التشريعية للسياسيين غير المهنيين ، لأن حمل الشهادة لا يعني الحصول عليها ، وعليه نجد حملة الشهادات المزورة أو ما يعادلها في مقدمة طوابير المرشحين لتولي المناصب العامة ، ما دام نقص المؤهل الدراسي المطلوب ممكن حمله في ظل عدم المساءلة أو التدقيق ، لفقدانه قيمة عدم التناسب مع جسامة الضرر الإجتماعي أو المهني ، وبما لا يوازي ما تقتضيه متطلبات العلاج من مرض إستفحلت عقده ، بإتخاذه المعيار والمقياس الوحيد والبديل لمواجهة نقص الوجاهة الإجتماعية وعدم الكفاءة والخبرة العملية التطبيقية المتراكمة مهنيا ؟!.
8- ألا يكون عضوا في القوات المسلحة عند الترشيح .
*- إستهانة واضحة بإمكانيات وقدرات العاملين في القوات المسلحة ، وتشكيك مسبق بنزاهة وأمانة العسكريين ، وتعامل لا يستند إلى عوامل الثقة المتبادلة بين المواطنين ، وكأن وقت الترشيح خط فاصل بين صفتين مختلفتين عمليا ، تقتضيها متطلبات ترشيح العسكري ولا يستدعيها شرط أن لا يكون المدني موظفا ، لعدم إشتراكهما في صفة المواطنة وأحقيتهما المتماثلة في تولي المناصب العامة في أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة ، ولست ممن يفرقون بين العسكري والمدني من حيث الوظيفة والخدمة العامة ، وإن إختلفت المهام ، ولكنها سرعان ما تتحد عند تعرض الوطن للخطر ، فتسخر كافة الإختصاصات والإمكانيات المادية والبشرية المدنية لشد أزر الصد والدفاع العسكري ، إلى حد لم يعد الفرق قائما بين الجهدين حين ذاك .
وعليه كتبت في 13/2/2016 ، على بعض صفحات التواصل الإجتماعي كلمات أسطر بعنوان ( حكم المدنيون أم العسكريون تريدون ؟.) ، ردا على شيوع المفاهيم الخاطئة لدى البعض وبالنص ( من مفارقات ثقافات قشور الألفاظ والكلمات ، وليس بما تعني معانيها ومقاصدها ، أن يفهم البعض ويجادل بعدم جواز حكم العسكريون للدولة المدنية ، وهذه هي خلاصة وعصارة الفكر المنبثق من التعريف ، بأن الدولة المدنية هي التي يحكمها المدنيون وليس العسكريون أو رجال الدين ، وفات أولئك أن الدولة المدنية لا تفصل الدين عن الدولة فى الحياة المجتمعية ، وإنما تراعي أحكام التنوع الديني فى إجراءات المحاكم والقضاء والحياة العامة ، ولكنها لا تشترط فى هوية الحاكم أن يكون من أتباع دين الأغلبية فيها ، وعلى أساس ذلك يكون الحكم مدنيا وليس عسكريا ، لإختلاف العقيدة العملية للوظائف ، فالعقيدة العسكرية ( هي مجمل المبادئ الأساسية التي تتخذها القوات العسكرية لإنجاز مهامها ، وهي قواعد ملزمة وإن ظلت المواقف القتالية المختلفة ، الحكم الأساسي لإتباع أي من قواعد العقيدة العسكرية ) ، أما المدنية فهي التي ( تحقق جملة من المطالب المتعلقة بالمواطنة المتساوية وبالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وغيرها من المطالب المتصلة بحاجة الشعوب إلى التطور والتنمية ) ، وليس معنى ذلك عدم حاجة العقيدة العسكرية في إنجاز مهامها للجهود المدنية الطبية والهندسية والإقتصادية مثلا ، مثلما هي العقيدة المدنية بحاجة لأمن منظوماتها العاملة والدفاع عنها من الإعتداءات الداخلية أو الخارجية ، وعليه ليس كل العسكريين غير مدنيين ، ولكن كل غير العسكريين مدنيون ، ولأن من مبادئ الدولة المدنية أن الفرد لا يعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته ، وإنما يعرف تعريفا قانونيا إجتماعيا بأنه مواطن ، أي أنه عضو في المجتمع الذي له حقوق وعليه واجبات فيه ، وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين ، وإن من أهم مبادئها أن تتأسس على نظام مدني من العلاقات التي تقوم على السلام والتسامح وقبول الآخر ، وإن هذه القيم هي التي تشكل ما يطلق عليه الثقافة المدنية ، وهى ثقافة مشتركة تتأسس على مبدأ الإتفاق ، ووجود حد أدنى من القواعد التي يتم إعتمادها ولاينبغي تجاوزها ، مما يتيح لكل من العسكريين والمدنيين إدارة حكم كل منهم للآخر من غير حجب أو منع لذلك الحق ) .
لقد حددت خارطة طريق عملية كتابة الدستور الدائم في وقت متسرع ومتعجل غير مطلوب في جميع الأحوال والظروف ، حيث لم نلمس من غايات وآليات كتابته ، إلا زعزعة أمن وإستقرار إدارة الدولة إلى حين تحقيق أهداف الإحتلال المعلنة وغير المعلنة ، ودلائل البينات لا يعتريها الشك في أن الدستور الدائم مكتوب بأقلام وتوجهات غير مواطني العراق قبل إعلانه ، ومنها النص على ( تسلم المقترحات من مواطني العراق أثناء قيامها بعملية كتابة الدستور ) ، والمواطن لا يعرف ماهية ما كتب في مسودة الدستور ، وكيفية الإتصال بالجمعية الوطنية ليقدم مقترحاته ، أما أن تكون المقترحات مجرد أوراق يلوح بها عند الحاجة للدعاية والإعلان ، عن مشاركة موهومة لمواطني العراق في كتابة القانون الأساس ، فذلك مما لم يكن من حقائق الآليات المعتمدة في عملية كتابة الدستور إن صح الإدعاء ، ويبقى الدليل الأول على كتابته ووضعه غريبا من قبل الأجنبي المحتل ، في صورة الفقرة (أ) من المادة (59) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الإنتقالية ، بالنص على أن ( سيحتوي الدستور الدائم على ضمانات تؤكد أن القوات المسلحة العراقية ، لن تستخدم مجددا لإرهاب الشعب العراقي أو قمعه ) ؟!.
المادة -62- يظل هذا القانون نافذا إلى حين صدور الدستور الدائم ، وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة بموجبه .
*- يؤكد النص المذكور على أن قانون إدارة الدولة للمرحلة الإنتقالية هو الدستور المؤقت للعراق المحتل في حينه ، وليس قواعد وأحكام لإدارة سلطته التنفيذية فقط ، لأن جميع الأحزاب والأشخاص التي توالت على إدارته بالتناوب وبالتوافق السياسي الهزيل ، ومن ثم محاولة تغيير نمط الإدارة التوافقية إلى شراكة سياسية ، قد أصابها التحول المرسوم إلى إدارة مشاكسة سياسية لشركات إنتاج أزمات ومشاكل ، هدفها التسقيط السياسي لعناصرها من أجل التفرد بالسلطة قرارا وامتيازات ، وليس خدمة الشعب بما ينفع الناس ، لإفتقارهم إلى ملكة التشريع وحسن الأداء القائم على نتائج ممارسة إدارة السلطة ودفة الحكم ، في أصغر حلقات منظومة التشكيلات الإدارية للدولة ، قبل توليهم أمر البلاد والعباد بالصدفة ؟!.