18 ديسمبر، 2024 6:56 م

لا يمكن للمصالحة العراقية ان تتحقق قبل تصفية آثار النظام السابق المشار لها في قوانين وسياسات وثقافة واشكال ادارة تسلطية او التي لم يشر لها وتمارس من قبل سلطات وفئات متنفذة وزعامات، اخذا بالاعتبار ان المصالحة لم تتحقق في جنوب افريقيا قبل ان يتم قبر نظام الابارثيد، ولم تتحقق في تشيلي قبل اجتثاث بقايا فاشية بينوشيت، اوفي الارجنتين قبل الانتقال الى الاستقرار المجتمعي وازالة ما تركته دكتاتورية خورخي فيديلا ، وحتى المصالحة اللبنانية وجدت ارضية لها بعد ان جرى نبذ كل ما يمت الى الحرب الاهلية غداة اتفاق الطائف العام 1989
بعد هذا، ثمة تشوهات سياسية رافقت وترافق الدعوة الى المصالحة من بينها القول بأن الخصومة المجتمعية في العراق (الطائفية والفئوية) ولدت بعد العام 2003 لكن الحقيقة ان عهد التغيير ورث عن نظام صدام حسين ملفا زاخرا بسياسات التنكيل والتمييز واثارة الكراهية والمخاوف بين السكان، وزادته، وكرسته، الطريقة التي اعتمدها الاحتلال في لبننة السلطة (المحاصصة) فيما اسهم الخطاب (والسلوك) الطائفي للاحزاب المتنفذة، في ترويج مفاهيم مشوشة عن المصالحة الوطنية، فهي مرة مصالحة مع البعثيين، واخرى مصالحة بين العشائر العراقية، وثالثة مصالحة بين الشيعة والسنة، ورابعة مصالحة مع معارضي الحكومة المقيمين في الدول المجاورة وخامسة مصالحة بين عراقيي الداخل وعراقيي الخارج، وسادسة مصالحة مع الجماعات التي تحمل السلاح، وكلها انتهت الى ولائم وشبهات الرشوة والدعاية الانتخابية، على الرغم من العبارات والشعارات والتعهدات التي خرجت بها.. والصور التذكارية التي تداولتها الكاميرات.
الاشكالية تتمثل في التقليل من شأن إنعدام ثقة الملايين العراقية بسلامة النيات المعلنة، في مؤتمرات داخل العراق وخارجه على حد سواء، إذْ يتطلب الامر تعبئة مجتمعية استباقية لخيار المصالحة، بوصفها المَعْبَر الى دولة المواطنة والسلم الاهلي، وذلك عبر شبكات الاعلام والمنتديات ودور العلم والتعليم والمساجد والوحدات العسكرية والهيئات والجمعيات الثقافية، وقبل هذا في داخل الاحزاب والمكونات والطوائف، في حملة منهجية منظمة تنأى عن الشعارات والخُطب والاهابات والاعتبارات السياسية والفئوية والشخصية، وتفتح البصائر والعقول على الاعتراضات والتحفظات والخصومات، وتشجع على صياغة الافكار والتعاملات التي تمهد الى المصالحة الناجزة، وبما يساعد على تبديد الصورة السابقة، الاستهلاكية، لمؤتمرات المصالحة الباذخة، والعقيمة.
******
«لن تجد قوس قزح ما دمت تنظر إلى الأسفل».
شارلي شابلن