لاتخفى على أحد الشعارات التي مافتئ ساسة العراق -على مر عصوره- يرددونها في كل محفل ومقام وخطبة ومقال، لاسيما في الأيام التي سبقت موعد الانتخابات البرلمانية. وقطعا، كانت هذه الشعارات في ظاهرها رائعة المعنى، سامية الفحوى، عظيمة المغزى، إلا أن تطبيقها في مقبل الأيام، يتراوح عادة بين ثلاثة أوجه لارابع لها؛ الأول سيئ.. والثاني سيئ للغاية.. والثالث سيئ جدا.. حيث لا وجود لأي وجه من الوجوه الحسنة في التطبيق، لامن قريب ولامن بعيد، فجميعها ابتعدت عن تحقيق المقصد والغاية. ولنا في ذاكرة السنين الخوالي إبان عهد صدام، خير مثال على بهرج الشعارات البراق، وبوقها الناعق على مدى حكمه، فيما يقابل ذلك تطبيق سيئ لكل ماكان يرفع منها. حيث من المفترض أن أول من يطبق الشعار هو مطلقه، أما ان يكون آمرا فيما يقوله من دون ان يبدأ هو باتباعه، فهو عين الباطل كما قيل سابقا:
لاتنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم ولو اردنا إحصاء مثل هذه الشعارات، لتطلب الأمر منا صفحات بل مجلدات، ولاأظنني آتي بجديد لو قلت أن أقربها الى مسامعنا وأكثرها، هي الشعارات التي تتضمن مفردات أمعن ساستنا في تكرار ترديدها، وهي مفردات لو طبقها الرأس كما ينبغي، لنعم بفضلها وخيرها الرأس والمرؤوس على حد سواء. أما لو أساء الرأس في التطبيق، فسيكون المردود على المواطن جملة وتفصيلا، فيما ينعم المسؤول الذي أطلقها بخير ماكان يبتغيه من إطلاقها.
من هذه الشعارات على سبيل المثال شعاران، دأب سياسيو المايكروفونات والمؤتمرات واللقاءات رفعهما بما أوتوا من قوة، ذينك الشعاران هما؛ (المشاركة) و (القانون يعلو ولايعلى عليه). فلو خضنا نحن المواطنين تجربة، واستغنينا عن كل من يتشدق بشعار دون أن يسعى بتطبيقه، ويتبجح بترديده في كل واد وناد ولايسير على نهجه، لكان الحال أفضل بكثير من الاتكال عليهم في أمر كهذا.
أقول لقارئ سطوري هذه: ماشعورك ياعراقي وأنت تجلس الآن في مقهى، او تستقل واسطة من وسائط النقل العام، لو شاركك الجالس بجنبك حديثا شيقا، تتجاذبان أطرافه بأخذ وعطاء متبادلين، وتتشاركان طرح سلبيات وإيجابيات موضوعكما، وعملتما -بما يمليان عليكما عقلاكما- بإيجابياته ونبذ سلبياته، أظن أنكما لن تحتاجا ساعتها حضور سياسي بينكما، يراوغ برفع شعار المشاركة الرنان. وقطعا ستنسحب هذه المشاركة في باقي عملكما في ذاك اليوم، وتكونان إذاك خير مطبق لخير شعار، بعيدين عن تأثير المتشدق به دون تنفيذه.
وأنت ياعراقي في الـ (Traffic light) ماذا لو تمهلت بضع ثوانٍ وانت تقود مركبتك، لتفسح الطريق للمركبة التي تشاركك التقاطع كي تمرا بسلام، من دون إرباك يتسبب باختناق مروري يلقي بظلاله عليك وعليه وعلى الموجودين في التقاطع جميعا، حينها ستسجل انتصارا للقانون دون حضور رجل قانون، وستسجل قصب السبق في تطبيقك شعار القانون يعلو ولايعلى عليه.
وبتطبيق هذين الشعارين في يوميات حياتنا على أرض الواقع، نكون قد تغلبنا على رافعي الشعارات، من ساستنا الذين لا يكلفون أنفسهم عناء تطبيقها، والناعقين باسطوانتها المشروخة من غير ترجمتها إلى فعل ملموس أو عمل محسوس، وسيسجل لنا التاريخ -إن عملنا بها بمحض إرادتنا كما ينبغي- اننا شعب قاد بلده، وارتقى به الى حيث الرقي والازدهار، فيما يثبت على سياسيينا انهم قادة شعارات زائفة، أو أنهم قوالون غير فعالين، وتكون شعاراتهم حين ذاك هواءً في شبك، ولن يكون لها صدى أبعد من المايكروفونات، وسيتأكد للجميع أنها ليست سوى حبر على ورق.