يقصد بمفهوم ” قواعد الإشتباك” بأنها النظم أو الأطر أو المبادئ التوجيهية, التي يجب أن تلتزم بها القوات العسكرية أو المتقاتلة فيما بينها, عند حصول معركة أو قتال ما.. وهدفها المحافظة على شكل معين للمعركة, تمنعها من الإنزلاق إلى تصرفات وأفعال وحشية, ولا يقبلها العقل أو الإنسانية, وتكون رادعا عنها.. هكذا ما يفترض.
توسع المفهوم ليشمل نواحي أخرى, غير الجوانب والأفعال العسكرية, فصارت هناك قواعد إشتباك تخص المعارك السياسية, والتنافس الإقتصادي والتجاري.. بل أنه وصل للعلاقات الإجتماعية وما فيها من صراعات ومشاكل, وقد نقل أن بعضهم وضع قواعد للإشتباك ” منزلية” للرجل مع زوجته!
تبعا لذلك صار لزاما علينا, نحن المواطنون المغلوبون على أمرنا, المسالمون السلبيون المطيعون لأمر حكامنا وساستنا, بكل أشكالهم وألوانهم, وفي كل بقاع وثنايا الوطن المقهور, أن نضع قواعد للإشتباك تحمينا من كل من يحيط بنا, من ساسة ” وقواد” لمنعهم من “التطرف” في أذيتنا لا لمنعها..وإلا فأن أذيتنا حاصلة لا محالة!
هذه الضوابط والقواعد يجب أن تمنعهم من سرقتنا بشكل مبالغ فيه, ويتركوا لنا نصفا من أموالنا, وأن لا يمثلوا بأجسادنا حين تغتالنا ضباعهم الليلية, بل يقتلوننا بشكل مهذب ورقيق, ويكتفون بطلقة واحدة في الرأس, بدلا من التبذير على أجسادنا بما يشوه منظرها أمام أمهاتنا الثكلى, وأن يتركوننا حيث قتلونا, ليجد محبونا قبرا يبكوننا عليه.. وان لا يسرقوا كل أحلام أولادنا ومستقبلهم, بل يكونون عادلين فيتركون لنا نصفها ولهم نصفها.. أو ليس هذا هو الإنصاف!
نطالب أحزابنا وتياراتنا السياسية العظيمة, بان تختار عددا محددا من الشعارات الفارغة لكي تخدعنا بها, ولا تبالغ في كثرتها ونحن نتعهد لهم بتصديقها, بل وسندافع عنها ونرددها كالببغاوات.. فكثرة تلك الشعارات جعلنا لا نصدقها كلها, وهذا مضر بهم وبوجودهم, وربما لن نصوت لهم مرة أخرى, أو نكون أكثر جرأة عليهم, فنخرج للإنتخابات بكثافة ونستبدلهم, ونأتي بمن يملك مشروعا وبرنامجا واضحا.. وهذا ليس من الإنصاف بحقهم, وتجاوز لقواعد الإشتباك بيننا وبينهم!
قبل أن نطالب الأخرين يجب أن نبدأ بأنفسنا فنضع قواعد للإشتباك بيننا وبين أرواحنا المسكينة.. فلا نظلمها بسوء أفعالنا وأختياراتنا الحمقاء, وأن نتوقف عن أذيتها بسلبيتنا العجيبة المفرطة, عندما نكتفي بالسب والشتم خلف لوحات مفاتيح هواتفنا الذكية.. وان لا ننتظر الحكومة أيا كانت لتقدم لنا شيئا أو تصلح حالنا, وقبالة ذلك نطالبها بان تصلح حالها, وتترك الكسل وتقدم شيئا لنفسها.. فلا أحد يقدم لك ما لا تقدمه لنفسك..
لكن وكما يقول متفلسف أحمق, أو ليست القواعد وضعت ليتم كسرها وتجاوزها, خصوصا لمن يملك القدرة والسلاح والإتباع المستعدين لذلك؟! وأين هي القواعد التي لم يتم كسرها, لنأتي ونطالب بقواعد لا يلتزم بها؟ ما هذه الرومانسية السخيفة!
يجب أن نعمل بكل قوتنا لإنشاء وترسيخ مثل تلك القواعد, وستدعمنا الأحزاب والتيارات وزعمائها بقوة, فهي ستضمن لهم علانية نيل ما كانوا يسرقونه سرا, أن يكون حصة شرعية لهم جهارا نهارا, ونحن سنضمن الحصول على نصف حقوقنا.. وفي هذا الزمن الأغبر هذا يعد مكسبا عظيما, أليس كذلك!