منذ الصغر يتربى اولادنا على ثقافة (انت رجل ) التي تحتمل معنيين الاول ،تمييزه عن الانثى بقوامته عليها والثاني ضرورة احتماله كل شيء لأنه رجل فاذا الح في البكاء قيل له :” لاتبك ..انت رجل ” واذا توفي والده التفتت والدته اليه لتقول له ” انت رجلي ..انت مسؤول عن اخوتك” وربما يدعوه ذلك الى مغادرة المدرسة احيانا والعمل مبكرا لاعالة والدته واشقائه ..وحين حل الحصار الاقتصادي مارس الرجال عملين او عدة اعمال في وقت واحد لأنهم رجال وعليهم ان يوفروا ماتحتاجه عوائلهم من متطلبات المعيشة …اما حين يهفو القادة الى المجد وتحقيق الانتصارت عبر الحروب فعلى الرجال ان يرتدوا الملابس العسكرية ويحملوا البنادق ويضحوا بحياتهم من اجل حماقات القادة …
بهذه الطريقة ظل الرجال العراقيون يحتملون مالاطاقة لرجال آخرين على احتماله لأنهم رجال ولأنهم الحطب الجاهز لمواقد حروب القادة والضحايا الابديين لتناحرهم فهم يملأون المقابر والمعتقلات والمعسكرات ومن يبقى منهم فعليه ان يمارس أي عمل يعيل به عائلته وقد يلعب بالبيضة والحجر احيانا ويسلك طرقا ملتوية ومنحرفة لتأمين عيشة افضل …
هؤلاء الرجال الصابرون باتوا يتعرضون مؤخرا الى مايفوق احتمالهم من اختبارات لرجولتهم فقد جربوا الظلم والعوز والاذلال وبلغت بهم الحال الايبكوا موتاهم لكثرة ماذرفوا من دموع على الأحبة وان يمزق احدهم (دشداشته ) جزعا في التظاهرات امام الكاميرات ليصل صوته المبحوح الى المسؤولين او ينتحر احدهم فيشنق نفسه ب(يشماغه) بعد ان تم اعتقال ولديه اثر شكوى كيدية ، وكان قد سبقه شاب انتحر بسبب البطالة والنزوح وشاب آخر احرق نفسه بسبب ظلم تعرض له في جامعته ، بل ان بعض
الرجال قرروا مغادرة البلاد لانقاذ انفسهم او عوائلهم من حياة بائسة ومستقبل مجهول فواجهتهم متاعب اقسى او فقدوا حياتهم او عوائلهم في مياه البحر …
ذات مرة استوقف الرسول الكريم (ص)رجل يشكو الهم والدين والجزع فنصحه ان يدعو الله قائلا :” اللهم اني اعوذ بك من الهم والحزن ، ومن غلبة الدين وقهر الرجال ” .ومايعيشه العراقيون اليوم هوقهر حقيقي للرجال فالتظاهرات تختبر رجولتهم وحين يتم تسويفها وتهميشهم فهي اعلى مراتب القهر بالنسبة لهم ، والحرب تختبر رجولتهم وحين يتم بيعهم لداعش والتآمر عليهم فهو اعلى مراتب القهر بالنسبة لهم ، والاحتفاظ باماكنهم واراضيهم والدفاع عنها هو اختبار لرجولتهم وحين يتم تهجيرهم واهانتهم والاعتداء على اعراضهم وبيع نسائهم فهي اعلى مراتب القهر بالنسبة لهم …وممارسة اعمال يفخرون بها ومحاولة تأديتها بنزاهة شرف هو اختبار آخر لرجولتهم وحين يتم ابعادهم عنها بحياكة المؤامرات والشكاوى الكيدية لتكميم افواههم أو لجلب عناصر فاسدة بديلة عنهم فهو سبب آخر للشعور بقهر الرجال …
يقال ان العدل اقل تكلفة من الظلم ، والأمن اقل كلفة من الحرب لكن رجالنا وهم يعيشون اختبارات دائمة لرجولتهم فقدوا الكثير بسبب الظلم ولم تحقق لهم حكوماتهم العدل ولم ينعموا بالأمن بل عاشوا في استعداد دائم للحرب وقدموا الكثير من الخسارات، وخلال رحلتهم القاسية تلك مازالوا يتعرضون يوميا لكل مايقهرهم فيدعون الله ان يحميهم من قهر الرجال لأن كلفة الدعاء ستظل اقل بكثير من تحقيق الحكومات للعدل والأمن …