23 ديسمبر، 2024 3:36 م

قنوات عراقية .. لاتستحي !!

قنوات عراقية .. لاتستحي !!

بالرغم مما عرف عنه ممثلا عراقيا اختط الكوميديا اسلوبا في عمله الفني والذي يتوافق بحق مع طبيعة شخصيته الحقيقية .. ماجد ياسين ، عرفه الجمهور العراقي بمواصفاته هذه ولم يعرفه بغيرها ، وبالتالي استثمرته على مدى سنوات قنوات تلفزيونية عراقية عدة وبشكل خاص في شهر رمضان الفضيل ، لتقديم فقرات تضحك الصائمين وتزيح عنهم هموم الحياة اثناء او بعد تناولهم الافطار حيث تكون الاسرة قد جمعتها المائدة والشاشة الصغيرة ..
ماجد ياسين ، لم ينجح هذه المرة في الترويح عن الناس ، شاهدته عبر التلفاز واحسست بحجم حراجة الموقف الذي يريد ان يتخلص منه … رجل معوق يستخدم كرسيا مدولبا حفر الدهر على وجهه اخاديدا تحكي معاناة لاحدود لها ، اراد ياسين كعادته ان يجد منفذا كوميديا وفقا لما رسمته له القناة التلفزيونية التي خصصت له هذا البرنامج والذي يلاحق فيه الناس بكاميرته ومايكرفونه في الشارع ،، الا انه اصطدم بمواقف لاتدع مجالا للضحك ، بل ان هذا الكوميدي العراقي كاد ان يبكي وهو يرى حالة الرجل المعوق بعد ان اطلع على حاله الماساوية ، ومازاد في الامر تعقيدا انه صادف بعد هذا الموقف امرأة عراقية نجيبة تعمل منظفة في احدى المدارس وهي تعيل خمسة من البنات والاولاد ولا معيل لهم غيرها ..
اردت من هذا الاستطراد الوصول لما تقوم به بعض القنوات الفضائية العراقية التي انشئت بعد الغزو الامريكي للعراق ، والتي عملت ومازالت جاهدة للتغطية على جرائم الامريكان التي ارتكبت بحق العراقيين من خلال بث برامج خبيثة تدعو للتسلية وتناول الطرائف والضحك وكأن العراقيين يعيشون في حياة مخملية ، وبرامج اخرى تريد ان تذر الرماد في العيون فتوزع الاجهزة الكهربائية من مبردات الهواء والطعام واجهزة تلفزيونية وغيرها ، وتلك صنيعة قد تبدو طبيعية لمن لايتوقف عندها او يمحصها ، لكنها لاأخطر منها .. فالعراق بلد من بين بلدان العالم غني بثرواته وامكانياته ، والمواطن فيه عاش على مر السنين عيشا رغيدا امنا ، وعاش فيه افقر ناسه بكرامة في ظل بيت متواضع ولقمة تشبع البطن تعففا ، وهذا لايعني انه بلد مثالي لاتوجد فيه حالات ضيق اليد وعسرها ،، لكنه بالتاكيد ليس البلد الذي يحتاج ان توزع فيه المحطات التلفزيونية ماتجود به من هدايا على المواطنين في الشوارع  ، في محاولة بائسة للتغطية على جرائم المحتل الامريكي الذي نهب ثروات البلاد ثم تركها من بعده فريسة بيد حفنة من العملاء يتفننون في نهبها .. وهنا دخلت هذه القنوات التلفزيونية شريكا مباشرا في هذه الجرائم من خلال اظهار العراقيين وكأنهم – حاشاهم – قطعان جائعة تعيش في بلد تحل فيه الصدقة على اهله ، بينما سرق الامريكان ومن معهم امواله الطائلة ليصبحوا اهله فقراء منكوبين ، ثم تاتي وسائل الاعلام هذه لتقوم بفعلتها الشائنة فلا تحكي عن نهب وسرقة وجرائم منظمة ، بل لتطمس الحقائق وتتولى دورا حقيرا منافقا .. افلا تستحق ان يقال عنها انها شريكة في الجرم والاجرام ؟!
وهنا لابد من قول حقيقة مهمة ، الا وهي ان اول من بدأ بالترويج لمثل هذه الاعمال التلفزيونية المصاحبة للجرائم الامريكية هي قناة عراقية فضائية كان لها السبق الاول في الظهور بعد الاحتلال مباشرة وكانت تبشر بعراق جديد ، اسسها واشرف عليها اعلامي عراقي متميز بحرفته وكفاءته ، لكنه وللاسف الشديد اعمته مدخولاته والارصدة التي حاز عليها من مصادر غير معروفة عجز العراقيون القريبون والبعيدون عنه من معرفة من يموله ويدفع له ملايين الدولارات والتي يجتزأ منها مبالغ تافهة ينفقها لترميم بيت فقير او يتبنى صرف راتب لعائلة عراقية وماشابه ذلك معلنا عنها في فضائيته كي يقول الناس عنه انه رجل احسان ، في محاولة منه للضحك على ذقون الناس وماأدراه ان الذين يضحكون عليه اكثر ..
*اعلامي تلفزيوني وكاتب صحفي عراقي مقيم في الاردن