الأرجنتيني الأسطورة الذي أصبح رمزاً للثوار والمناضلين في العالم، ترك كرسي الوزارة وقرر العودة الى الأدغال مع الثوار بعد أن بعث برسالة لرفيقه كاسترو قائلاً ( ان دماء الثوار تتجمد في عروقهم عندما يجلسون على الكراسي وأنا لاأستطيع العيش ودماء الثورة مجمدة في داخلي)، ترك المنصب الوزاري بعد تحرير كوبا وأسقاط الدكتاتور باتستا، والتحق بالثوار في جمهورية الكونغو…ثم لم تسعفه صحته في افريقيا حيث كان مرض الربو ينكد عليه عيشه ونضاله، فانتهى في مستشفى في براغ للنقاهة لشهرين، ثم اختفى مرة أخرى ليظهر في أحراش بوليفيا مع الثوار، لتنتهي حياته هناك بعد مواجهة غريبة مع الجيش البوليفي الذي كان ممثلاً ب 1500 جندي مقابل 16 مقاتل مع جيفارا، أخذ جيفارا أسيرا بعد أن أصيب في ساقه، وبعد أن احترقت بندقيته ال (M -2) وضاع مخزن مسدسه، أعدمه الجيش البوليفي بعد أربع وعشرين ساعة ليضع حداً لحياة أشهر ثائر ومناضل في التاريخ الحديث، بعد أن عجزت السي آي أي ولسنين طويلة من التخلص منه حيث كان المطلوب رقم واحد في قوائمهم، لأنه كان يحارب السياسة الأمريكية الخبيثة بشراسة في أمريكا الجنوبية.
جيفارا لم يكن مسلماً، ولم يكن شيعياً ولاسنياً، ولم ينتمي لحزب أسلامي، ولم يكن مسيحياً حتى، المعروف عنه أنه كان لينياً ماركسياً. ورغم أنه لم يعرف عنه أي ألتزام ديني، لكن لايجرؤ أحد على أتهامه بالفساد وسرقة المال العام، بل أن تهمة كهذه لجيفارا تعتبر أقصى درجات الكفر في قاموس الثوار في العالم. المعروف أن الرجل عاش وناضل ومات شريفاً نظيفاً، رغم أنه شغل عدة مناصب في حكومة كاسترو بعد الأطاحة بحكومة باتستا بقيادته وقيادة كاسترو، و300 ثائر نزلوا من الجبال وحرروا العاصمة هافانا.
من المناصب التي شغلها جيفارا الأرجنتيني في الحكومة الكوبية: مدير البنك المركزي، ووزير الصناعة… كلا المنصبين يتيحان لغير جيفارا فرص هائلة للفساد وسرقة المال العام. نقصد لو أن واحد من ربعنا من الأسلاميين احتل المناصب التي احتلها جيفارا، لما قصر في سرقة المال العام. المشكلة، أن الأرقام لم تعد بملايين الدولارات، بل بالمليارات!!…حيث نسمع هذه الأيام أن فلان في الوزارة الفلانية، حول الى الخارج مليارات الدولارات! وأن ميزانية سنين طويلة تقدر بمئات المليارات قد تم هدرها واختفاء معظمها!…
المهدرون والمحولون والمخفون، لايزالون أقوياء وأحرار ومن أرباب السياسة في العراق، وكأن هذا البلد وشعبه عاجزين عن محاسبة هؤلاء ومحاكمتهم وتحميلهم المسؤولية. وهذا العجز وخيبة الأمل تبدو واضحة في خطابات المرجعية في الأشهر الماضية، التي كانت تدعو وفي كل جمعة الى محاسبة المفسدين وسراق
التاريخ ( نسميهم سراق التاريخ لأنه لم يحدث أن سرقت أموال بهذا المقدار من ميزانية أي دولة في التاريخ). المرجعية تعلم أن سراق التاريخ هؤلاء تحميهم جيوش وحتى دول، وأن القبض عليهم ومحاكمتهم يشبه الى حد ما تحرير الفلوجة، أو القائم أو غيرها… وحتى لو توفرت القدرة على ذلك للعبادي مسنوداً بالمرجعية ، فأن الوقت غير مناسب الآن للدخول في معارك داخلية شرسة تصب في مصلحة أعداء الوطن، المباشرين وغير المباشرين. أما محكمة النزاهة فأنها خائفة حتى من تسميتهم ، وهي تكتفي بتسمية الوزراء والوكلاء وغيرهم من السابقين ومن الذين تركوا البلاد الى غير رجعة، أما سراق التاريخ الأقوياء جداً والموجودون داخل العراق، فالمحكمة أخوف من أن تتحرش بهم، ولايزالون ينعمون بالمناصب والأمتيازات والرهبة والأموال الهائلة والسلطة. وطبعاً هؤلاء معظمهم من الأسلاميين، ولازالوا يتبجحون بالسجل الأسلامي الجهادي السابق!…ويظهرون في التلفزيون ليروون لنا، سيرهم النضالية والجهادية وتشردهم ومعاناتهم، وهم أيضاً من المصلين والصائمين ومن مصلي صلاة الغفيلة يرددون دعاء يونس (ع) ( سبحانك أني كنت من الظالمين)…ظانين أن الله سيغفر لهم سرقاتهم الهائلة…ثم يقرؤون ( فنجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)…يطمئنون أنفسهم أن الله قد نجاهم وأن استحواذهم على مليارات الشعب أنما هو استحقاق لهم، لأنهم ناضلوا سنيناً طويلة قابعين في حسينيات قم والسيدة زينب، ولندن والسويد… يقتاتون التمن والقيمة…
خيبة أمل مريرة يعانيها الشرفاء من ثوار الأنتفاضة الشعبانية ومن الثوار من قبلهم ومن بعدهم، ممن حملوا ولازالوا يحملون المبادئ الثورية الشريفة النظيفة البعيدة عن النفاق والمتاجرة بالتضحيات، بعد أن كانوا يعتقدون أن الأشخاص الذين تحولوا الآن الى حيتان للفساد العظيم، اعتقدوا أنهم كانوا أمراء النضال والجهاد وكانوا يحيطونهم بهالة من الأجلال والتعظيم، ظناً منهم أنهم مثل سابقيهم من أمراء الجهاد والتحرر في الأحزاب الأسلامية ممن عاشوا فقراء وقضوا نحبهم فقراء…
ويل لهؤلاء المصلين…الذين خدعونا نحن جيل الأنتفاضة، وخدعوا الأجيال من بعدنا، بصلاتهم وسبحهم ولحاهم، ممن أفرغوا ميزانية العراق واغتصبوها بسحبها نقداً، أو تحت غطاء الشركات الوهمية والعقود الحكومية الفاسدة…حكراً لأنفسهم وأبناءهم وأقاربهم وذويهم، من الذين هربوا…أو سمحت لهم الحكومات السابقة والقضاء المسيس الفاسد الهش بالهروب بالمليارات الطائلة، وممن لازالوا متسلطين يتقلدون مناصباً ووزارات!…غير آبهين بصراخ الشعب وغضبه، وغير آبهين بتوعد الحكومة المحتارة في كيفية ملاحقتهم والأقتصاص منهم، وغير آبهين بنداءات المرجعية المباشرة وغير المباشرة…تلك المرجعية، التي كنا نتمنى لو أنها تدخلت قبل سنين لمنع وأيقاف الفساد والسرقات التي أنهكت كاهل الشعب والوطن…
طبعاً هؤلاء لازالوا يدّعون، أن رجالاً مثل جيفارا الذي فضل العيش في الأدغال مع المناضلين على نعومة كرسي الوزارة والعيش الرغيد، مصيره الى النار، لأنه كان
شيوعي الفكر، لم يصلي ولم يسبح ولم يخدع الناس بلبس الخواتم… ولحيته كانت حقيقية، ولم تكن رياءً… كان يشغله عن حلاقتها ربما انشغاله بالنضال الحقيقي ومقارعة الطواغيت والأستكبار العالمي… ويظنون أنهم سيكونون من أصحاب الجنة، بدعوى أنهم مؤمنون، مصلون، لازالوا يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويسارعون في الخيرات!!!…أما سرقتهم للمليارات من قوت الشعب، فربما اعتبروه جزاءً وفاقا…بما كانوا يعملون…
أقول: لو وضعنا هؤلاء السراق وأرباب الفساد العظيم ومهلكي ميزانية العراق، ومخادعي الناس بتأسلمهم… في جانب، ووضعنا قندرة جيفارا، المتهرئة من اقتحام الأدغال وصعود الجبال…في الجانب الآخر، ترى من سيختار الشعب وأصحاب المبادئ والمناضلون الحقيقيون…من الأسلاميين وغير الأسلاميين…
لاوالله…ماتسوون قندرة جيفارا [email protected]