لم يكن تمرير قانون تحريم حزب البعث في الثلاثين من تموز الماضي في البرلمان العراقي أمرا سهلا، وهواليوم الذي لطالما احتفل به البعثيون باعتباره اليوم الذي احكموا فيه قبضتهم على السلطة في العراق. حاول السنة في البرلمان تأجيل اقرار القانون لحين اعداد التعديل على قانون المساءلة والعدالة باعتبار ان ورقة الاتفاق السياسي تضمنت تمرير القانونين في آن واحد، الا أن علي الاديب رئيس ائتلاف التحالف الوطني في البرلمان طمأنهم ووعدهم بتمريره خلال الاسبوع المقبل.
في اليوم ذاته ابلغتنا رئيسة ائتلاف الاتحاد الوطني الكردستاني وكتلة التغيير ان وزير الدفاع العراقي سوف يحضر الى منزلها في الساعة السابعة مساءا من اجل اللقاء باعضاء الائتلاف، حيث حضر عدد من اعضاء البرلمان من كلا الحزبين المؤتلفين، وعند حضوره بدا على وزير الدفاع الكثير من ملامح القلق والاضطراب، وتحدث عن وضعه والضغوط المسلطة عليه، وقال: اني لا انوي الحضور الى جلسة المساءلة. تحدثنا معه في هذا الشأن وعاتبناه في بعض الاشياء، فقال: وانا اعتب عليكم لانكم كبرلمانيون لم يأتِ احد منكم لزيارتي لأي أمر ما. حينها نصحناه بحضور جلسة المساءلة، لان عدم حضوره لن يكون في صالحه. فتساءل قائلا “هل من الجائز في ظروف الحرب هذه، مساءلة وزير الدفاع وسحب الثقة منه؟” , أجبته مبتسما ” ولمَ لا، فأمامنا تجربة حية، نحن في كردستان نخوض حربا شرسة مع داعش وفي ذات الوقت ارسل وزير البيشمركة الى بيته بقرار حزبي!.
على اية حال زار وزير الدفاع اغلب الكتل السياسية وبذل كل جهده من اجل تأجيل قضية المساءلة الا انه لم يفلح.من المعروف للجميع بعد عملية تحرير العراق، ان وزارة الدفاع من الوزارات الدسمة, وهي من اكثر الوزارات فسادا منذ توليها من قبل الشعلان ولحد الان، حيث استدعي وزيرها للمساءة للمرة الثانية الى البرلمان خلال أقل من عام ، وفي كلا الحالتين فان الوثائق والدلائل ضده قوية وكافية لسحب الثقة منه.
اقول صراحة انه كان من العدل في المساءلة السابقة التي قامت بها النائبة حنان الفتلاوي لسحب الثقة من الوزير، لكن الكثير من النواب ومنهم الكرد صوتوا بالضد من دعوة حنان الفتلاوي,وكان ذلك في صالح وزير الدفاع, لاعتقادهم ان سحب الثقة من الوزير سيكون نصرا شخصيا لحنان الفتلاوي.
الوزير هذه المرة ادرك بوضوح ان الثقة ستسحب منه ولذلك عمد الى قلب الطاولة وتصفية حساباته، حيث ان سليم الجبوري قام بتحريك ملف المساءلة والعدالة ضده منذ ترشحه للوزارة, ولم يوقع جمال الكربولي على ترشيحه حيث كان لديه مرشح اخر للوزارة بدلا منه. لكن كلا من الجبوري والكربولي لهما ثقلهما في البيت السني ويعتبران رقما في العملية السياسية في العراق، ورغم ان حنان الفتلاوي وعالية نصيف اللتان استجوبتا الوزير لم تملكا اهمية كبيرة في احزابهما الا انهما لم تكونا تحضيان بالدعم والتأييد كلما تم استدافهما من قبل الوزير, بل بالعكس كان ذلك يؤدي الى تحقيق الدعم للوزير .
استغل شيعة السلطة، هذا الوضع الذي يمر به الوزير بدهاء وحكمة وقاموا عبر وزير الدفاع السني المذهب بتسخين اللعب وتعكير صفو البيت السني في البرلمان، وليس خافيا على احد كيف حاول الشيعة بجناحيهما المذهبي والعروبي خلال الاشهر الماضية من خلال محاولة تعطيل عمل البرلمان ,او تشويه صورته لكي يعجز عن اداء مهماته في سن القوانين ومراقبة التنفيذ، وذلك عن طريق الاصلاح في الحكومة تارة ,او الانتقال الى شق البرلمان الى قسمين, وليس انتهاءا باحتلال البرلمان، حيث كلما يصبح وضع البرلمان طبيعيا يتم اختلاق مشكلة لتعقيد الاوضاع فيه.مما يبدو فان القنابل التي فجرها وزير الدفاع في البرلمان كانت قنابل دخانية, ولم يكن ما اورده اكثر من اقوال لم يقدم اية ادلة لاثباتها ، شخصيا اتمنى ان يستطيع تقديم ما يعززبه تلك القنابل من اجل كشف الفاسدين وعزلهم.
ان ما قاله الوزير واكثر هو مانسمعه يوميا من الناس وتتدوله الكثير من الاوساط وليس فيه جديدا.
شخصيا لم يكن ذلك مفاجأ لي، ولكن ما كان موضع تساؤل مني هو، هل ان معالي الوزير ليس لديه غير هذه الاسماء؟ وهل ان احدا من الشيعة والكرد لم يطلب منه شيئا؟!، انا اشك في ذلك واعتقد انه سيكون في المحصلة هو ضحية هذه اللعبة.
الجبوري من جهته كان على علم باللعبة، لذا تعامل مع الامر بحكمة، و سلم رئاسة الجلسة الى نائبه ئارام شيخ محمد بمجرد ان جاء ذكر اسمه، واعلن انه لن يترأس جلسات البرلمان حتى تتم تبرئته, والتجأ الى القضاء, ولم يترك مجالا للمزايدة من احد. الجدير بالذكر ان ئارام الشيخ محمد اظهر نجاحا في ادارة الجلسة رغم الصعوبات.
واضح مما جرى ان قانون المساءلة والعدالة سوف لن يأتي قريبا الى البرلمان, وان الحكومة استطاعت بدهاء مرة اخرى ان ترحل ازماتها الى البرلمان، والبرلمان حول الازمة الى القضاء، والقضاء بعد روتينه الممل سوف يحلها بقرار قضائي ليعيد فيه الشرعية ولكن بتوافق سياسي جديد.اود العودة الى بداية المقال واشارتي الى تمرير قانون تحريم البعث في 30 تموز حيث كان احد ملفات عالية نصيف ضد الوزير هو انتمائه الى البعث، واشير الى ان زميلي النائب محمد الحلبوسي في هذا الموضوع قد تعرض الى تجني كبير وان اسمه اقحم عنوة في الاسماء التي نطق بها العبيدي، حيث انتقد اجلاس قيادة الجيش في منصة المساءلة مع وزير الدفاع، في الحقيقة ان الوزير من الطبيعي كونه ضابطا ذي مرتبة رفيعة في الجيش السابق وسنيا, ان يكون بعثيا، لكن القيادات التي كانت تحيطه في الجلسة ومنهم شيعة وكرد لم يقصروا في خدمة البعث ولديهم نفس الملفات ولكن من اجل مصلحة البلاد تم التغاضي عنها.