23 ديسمبر، 2024 1:11 ص

قناني المياه والسيارات الصفراء ..

قناني المياه والسيارات الصفراء ..

لا يحتاج المراقب – بما في ذلك ممن لم يكن من أهل البلاد – الى متابعة وتدقيق ، واحصاءات وبيانات ووثاثق ومعايشة ميدانية طويلة ، لكي يعرف  مستوى التطور فيه ، وعلاقته بالعصر ، ليس في  جانب  مواكبته لما توصل اليه من تطور لخدمة الانسان  في المجالات كافة ، ودرجة التنمية فيه ودور الانسان فيها ، وانما على مستوى تطور الدولة أيضا ، وتصنيفاتها العلمية والاكاديمية والواقعية …
فالشارع  في أي بلاد ، يعكس صورة عن طبيعتها الحقيقية ،  ودرجة النظام أوالفوضى ، والفشل او النجاح في التنمية ، وفي العمل ، والبرامج ودور المؤسسات ، كل في مجال اختصاصها … والشارع العراقي اليوم مثلا .. يغني مراكز البحوث ودوائر التخطيط ، والباحثين عن اجراء  دراسات علمية  واستبيانات  واستطلاعات ميدانية لمعرفة ما اذا كانت هناك تنمية  حقيقية أم لا ، ونسبة العاطلين ، وتداعيات البطالة وانعكاساتها السلبية ..الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على الفرد والبلاد عموما ، وضياع الجهود والطاقات والمؤهلات المهنية ، او العلمية في أعمال هامشية ، ليست ذات جدوى  اقتصادية  للبلاد ، ومردود مادي  للفرد ، او مساهمة  حقيقية في  التطور والبناء  العام …
وبسبب البطالة العالية ، وقلة الفرص في العمل المناسب للعمر والتخصص إضطر مواطنون ومن بينهم شباب الى  ممارسة أعمال لا تناسبهم ، ولا تحقق لهم عائدا ماديا مجزيا ، لكنه ليس أمامهم غيرها  … فهي لا تحتاج الى أموال كبيرة ، بل تتطلب  مبالغ قليلة في الامكان  توفيرها ، ولا تدعو طالبها  للبحث عن ( واسطة )  ليس بمقدوره توفيرها ،  ومنها على سبيل المثال بيع قناني المياه ، والشاي في الشوارع العامة والساحات ، وهي حالة جديدة ، فتجد أعدادا  كبيرة منهم ، يتحركون بين السيارات  ، والشمس الحارقة تلفح وجوهم وأجسادهم  ، في الزحامات عند السيطرات ، أو في الساحات أو على الارصفة  ينادون  على ( بضاعتهم ) وهي لا تتجاوز سعة اليدين من القناني ، أو  قدرة التحمل ( صندوق ) واحد منها مثلا ، علهم  ( يظفرون ) بضالتهم  المنشودة ببيع قنينة ماء سعرها ( 250  دينارا ) ، والعودة  في أخر اليوم للاهل بما رزقهم  الله ، وتمكنوا من بيعه من القناني  دون أن ينال ( العوز ) والتعب ، أوعدم تناسب ما يقومون به مع قابلياتهم  الشبابية او مؤهلاتهم  الدراسية  ، او العمر ، من القيم العالية التي تربوا عليها ، وتمسكهم بها مهما كانت صعوبة الظروف …
كما دفعت البطالة الكثير من حملة الشهادات  المختلفة ، والشباب العاطلين الى العمل ( سائق تاكسي )  وهي مهنة لا تحتاج الى مبالغ طائلة أيضا ، اذ يمكن لمن يضطر للعمل فيها ايجار سيارة من مستثمر مقابل مبلغ معين يوميا  مثلا ، او توفير سيارة بالتقسيط والفائدة  او سيارة واطئة الكلفة يمكن ان يوفر ثمنها باشتراك في سلفة على سبيل المثال او الاستلاف او اية وسيلة اخرى ..

لقد أصبح اللون الاصفر هو اللون الغالب في الشارع لكثرة سيارات الاجرة ، بعد أن أصبحت هذه المهنة ملاذا لمن سدت بوجوههم فرص العمل الاخرى التي تناسب مؤهلاتهم ، أوإمكاناتهم المهنية …

فالشارع  كتاب مفتوح تطالع فيه بيسر مستوى البلاد  في التطور والتقدم ، وفي توقف عجلة البناء او دورانها وفشل وتوقف التنمية او نجاحها ،  ودرجة البطالة وفرص العمل ، ناهيك عن النظام والانضباط واحترام القوانين فيه… فهل إنتبه المعنيون الى الشارع والظواهر التي يفرزها .. ففيه حالات تستحق التوقف عندها مليا ،  لما لها من إنعكاسات سلبية على حاضر ومستقبل البلاد والعباد ، وعلاجها في التنمية  التي توفر فرص العمل للانسان ، والتقدم والنهوض للبلاد وسد حاجته مما ينتج ..وتقدم البلاد لا يقاس بما تستورد ، بل بما تنتج …والتنمية…  تعني الكثير للبلاد والعباد …                  0000000000000