في البداية، علينا أن نطرح السؤال: ماهو الدليل على أن قناني البلاستيك المستعملة في تعبئة مياه الشرب تسبب السرطان؟
إدعى الكثير من الناس أن المواد الكيمياوية في البلاستيك يمكن أن تترشح إلى الطعام أو الشراب المعبأ في أوعية بلاستيكية مما يسبب السرطان. وعلى وجه الخصوص هناك مخاوف بشأن مادة البيسفينول A (BPA) والدايوكسينات dioxins في القناني أو الأوعية البلاستيكية. وتركز معظم المخاوف حول القناني والأوعية البلاستيكية على ما إذا كانت المواد الكيمياوية في البلاستيك يمكن أن تترشح إلى الطعام أو الشراب. وإذا كانت مستويات هذه المواد الكيمياوية يمكن أن تسبب لنا أي ضرر.
ورب سائل يسأل: هل بإمكان المواد الكيمياوية في هذه القناني والأوعية البلاستيكية أن تترشح منها وتنفذ إلى المياه أو الأطعمة المعبأة فيها؟
والجواب هو أنه قد أظهرت بعض الدراسات أن كميات قليلة من المواد الكيمياوية في القناني البلاستيكية يمكن أن تتحرك في نهاية المطاف إلى الطعام أو المشروبات التي يتم الاحتفاظ بها داخلها.
يمكن أن يعتمد مستوى المواد الكيمياوية في الغذاء أو الشراب على عدة أشياء مثل كيفية التعامل مع الوعاء الذي يحتويها، كالقناني بالنسبة للماء مثلاً. وعلى سبيل المثال، تم في بعض التجارب تسخين قناني المياه البلاستيكية إلى درجات حرارة عالية وصلت إلى 60 درجة مئوية (وهو بالتأكيد مشابه لدرجة حرارة الجو في صيف العراق حيث تتعرض تلك القناني لهذا المستوى من الحرارة)، فوجد أن مستويات متفاوتة من المواد الكيمياوية قد تحركت ونفذت إلى الماء في تلك القناني وهو مستوى عادة ما يعتبر غير آمن وخطر.
وفي المملكة المتحدة، مثلاً، هناك نظام صارم جداً حول البلاستيك والمواد الأخرى التي تستخدم لحفظ الأغذية أو المياه. وهذا النظام الصارم هو للتأكد من أن المواد الكيمياوية في تلك القناني والأوعية البلاستيكية لا يمكن أن تتحرك بمستويات عالية إلى الغذاء والمياه بحيث يمكن أن تكون ضارة. إذن إن هناك حدود صارمة للسلامة منصوص عليها في المملكة المتحدة بحيث يجب التمسك بها من قبل الشركات المصنعة لتلك الأغذية والمياه، ويتم ذلك بإختبار المنتجات للتأكد من أنها تتماشى مع اللوائح الصحية المعمول بها بهذا الشأن.
ومما ذكر أعلاه، على المواطن أن يعي تماماً الحقائق التالية عن المياه المعبأة في قناني بلاستيكية:
القناني البلاستيكية ليست مستدامة، بغض النظر عن ما قيل لنا.
بعض المياه المعبأة في قناني بلاستيكية في السوق العراقية هي مياه معبأة من حنفيات مياه الإسالة وهي بالتالي 10 آلاف مرة أقل سعراً من المياه المعبأة فعلاً في مصانع مخصصة لهذا الغرض.
المياه المعبأة في قناني بلاستيكية تحتوي على مواد مسرطنة خطرة، حتى لو لم تكن مادة البلاستيك المصنوعة منها تلك القناني تحتوي على مادة البيسفينول A (BPA). فالبلاستيك ليست مادة سيئة فقط لهذا الكوكب بل إنها ليست جيدة بالنسبة لك، كإنسان.
ويجب العلم أن شركات المياه المعبأة في قناني بلاستيكية في الدول المتقدمة تستخدم بشكل متزايد البلاستيك الخالي من مادة البيسفينول A (BPA)، ولكن يوجد أيضاً في القناني البلاستيكية مواد كيمياوية أخرى من التي يمكن أن تنفذ إلى المياه إذا تعرضت هذه القناني للحرارة أو عندما لا يتم إستهلاك تلك المياه في فترة قصيرة بعد تعبأتها. إن بعض هذه المواد الكيمياوية يمكنها تعطيل الغدد الصماء في الجسم، حيث من المعروف على وجه اليقين أن لها تأثيرات صحية على الإنسان ومنها على وجه الخصوص على الأطفال حيث أثبتت الدراسات أن مادة البيسفينول A (BPA) تؤثر على نمو الدماغ والسلوك لدى الأطفال. فهل تريدون حقا أن تتعرضون وأطفالكم لهذه التجربة الصحية السيئة؟
إضافة لما ذكر أعلاه، تشير التقديرات إلى أنه في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يستهلك البشر حوالي 50 ميكروغرام لكل كيلوغرام من وزن الجسم كل يوم من تلك المواد الكيمياوية الخطرة بسبب شرب المياه المعبأة بقناني بلاستيكية. وتقدر مراكز السيطرة على الأمراض أنه في أي وقت من الأوقات، فإن 93% من الأمريكيين لديهم كميات عالية من مادة البيسفينول A (BPA) في أجسامهم.
آخذين بنظر الإعتبار الحقائق العلمية أعلاه، أرى، وكما أكدته التجارب العلمية، أن إستعمال أجهزة تصفية وتعقيم الماء المنزلية هو أفضل بكثير، ومن جميع النواحي الصحية، من شرب المياه المعبأة بقناني بلاستيكية خصوصاً ويتوفر الكثير من أنواعها في السوق العراقية إضافة إلى مرشحاتها (الفلاتر)، والأهم أن كلفتها على المستهلك على المدى البعيد أقل بكثير من كلفة إستهلاك مياه القناني البلاستيكية.
دور وزارة الصحة المخيب للآمال من هذا الموضوع:
لو قمنا بزيارة لجميع محافظات العراق لوجدنا مياه معبأة بقناني بلاستيكية منتجة في جميع أو ربما في معظم محافظات العراق.
المشكلة الكبيرة، والتي تتحمل وزارة الصحة نتائجها الكارثية، أن الكثير من مصانع تعبأة المياه هذه غير مجازة من قبل الدوائر المختصة في وزارة الصحة، بل والطامة الكبرى أن الكثير من تلك المصانع تستخدم مياه حنفيات الإسالة لتعبئة تلك القناني وبيعها للمواطن. وإضافة لذلك، فحتى تلك المصانع المجازة من قبل وزارة الصحة لا تجرى عليها إعادة فحص أجهزتها المستخدمة في التعقيم والتصفية والتعبئة، لأن إعادة الفحص عملية مهمة جداً كون الأجهزة المستعملة في تلك المصانع تتعرض إلى إستهلاك نتيجة إستمرار إستعمالها حالها حال أي ماكنة كربائية/ميكانيكية، وبالتالي تنخفض كفائتها في التعقيم والتصفية.
لهذا أتمنى على وزارة الصحة أن تقوم بالفحص السنوي على أجهزة ومعدات تلك المصانع وكذلك التشديد على رقابة / ومعاقبة المصانع التي تنتج وتبيع المياه من دون رخصة من قبل الوزارة، والأهم من ذلك كله هو أنه على الوزارة أن تعلن، وعن طريق وسائل الإعلام، والصحف على وجه الخصوص، أسماء المصانع المجازة من قبل الوزارة لبيع المياه المعبأة بقناني بلاستيكية لكي يعرف المواطن أي نوع عليه أن يستهلك.
كما يجب أن لا ننسى ما ذكرناه أعلاه أن إستخدام الأجهزة المنزلية للتصفية والتعقيم هي أفضل بكثير من شرب المياه المعبأة بقناني بلاستيكية.
قناني الماء البلاستيكية ومضارها الصحية…هل تسبب السرطان؟
قناني الماء البلاستيكية ومضارها الصحية…هل تسبب السرطان؟
محمد العبيدي
أستاذ بعلم الفسلجة والعقاقير الطبية وخبير بالصحة البيئية ومستشار متخصص بإدارة المؤسسات الصحية ومترجم محترف
مقالات الكاتب