بعد سقوط الطاغية والاحتلال البغيض للعراق عام 2003، ومع بوادر شيء من الحرية المفقودة، هرعت عوائل الضحايا والشهداء والمغيبين من النظام السابق، بكل اطيافهم وميولهم ومنهم عوائل شهداء الحركة الشيوعية واليسارية في العراق، بالبحث عن أي وثيقة او معلومة او قبر للشهداء الذين لم تسلم جثاميهم الطاهرة لذويهم، وتشكلت العديد من الجمعيات، وتحت مسميات مختلفة وبجهد فردي او دعم من جهة حزبية ما لمساعدة العوائل المنكوبة في مسعاها هذا. وحصل انجاز في هذا المجال حيث حصل قسم كبير من ذوي الشهداء على وثائق رسمية صادرة من الاجهزة الامنية او القضائية للنظام السابق تثبت اعدام او تصفية المبحوث عنهم، ومن ضمن الوثائق شهادات الوفاة، وتمكن الكثير منهم للوصول الى بقايا قبور هؤلاء المعدومين او شواهد القبور التي هي عبارة عن لوحة معدنية تحمل رقم المغدور في سجلات الاجهزة الامنية، بعد ان فعل الزمن فعله بتلك الشواهد، حيث فقدت معالم بعضها تماما .
لقد كنت من ضمن هؤلاء الباحثين عن ذويهم، بحثا عن اخي المغيب عماد حسين سلطان منذ تشرين الثاني 1980، ولكن دو جدوى ولحد اليوم حيث لم نعثر على أي وثيقة او شهادة وفاة او قبر، وخلال تلك الرحلة المضنية والمتعبة، تعرفت على الكثير من الشهداء وتعلقت بهم وبسيرهم، وأخذت اجمع صورهم وما متوفر من معلومات عنهم ليصل عدد الصور الى 250 صورة. تصاعد وتضاعف ولعي وهوسي بتلك الصور وبمقترح من بعض الاصدقاء قررت ان اقيم معرض لصور الشهداء، وبدأت بالبحث عن المكان والوقت المناسب. كان معرضي الاول في شارع المتنبي وبالهواء الطلق وعلى كورنيش دجلة الخالد وبالقرب من تمثال الشاعر المتنبي وبمناسبة العيد الـ (79 ) لميلاد الحزب الشيوعي العراقي في 31 اذار 2013، وهكذا تواصلت المعارض السنوية، ليتضمن المعرض الرابع في 14 شباط 2016  ( يوم الشهيد الشيوعي العراقي )اكثر من ( 1000 ) صورة وهذا العدد صغير قياسا لعدد شهداء الحزب الفعلي، وان كان لا يمكن تحديد عدد دقيق ومضبوط للشهداء بسبب ظروف العمل السري واساليب القمع والارهاب الدموية التي مارستها الانظمة المتعاقبة على جماهير الحزب وظروف المنافي والتشتت، وبشكل مقصود احيانا من بعض القيادات للتغطية على عدد الشهداء في مراحل معينة، بسبب ضخامة العدد والذي يشير الى اخطاء وسلبيات العمل القيادي الذي قد يصل الى حد الخيانة، ويدفع القاعدة الحزبية للانتفاض والتمرد. واشهر واقرب مثال على ذلك هو ما حصل خلال فترة الكفاح المسلح ( 1979 ـ 1988 ) ولا سيما احداث مجزرة ( بشت آشان ) 1983 وما قبلها وبعدها. حيث سالت الكثير من الدماء الشيوعية الزكية في جبال كردستان وكذلك في الداخل بسبب فوضى الكفاح المسلح والارتجال في اتخاذ القرارات العسكرية واختيار القيادات لذلك، كذلك الخيانات والاندساسات والتي تم التساهل او التسامح مع كثير من حالاتها، على حساب دماء طاهرة لخيرة الشباب الثوري ومن اصحاب الكفاءات المنوعة .
خلال معارض الصور التي اقمتها وصلتني العديد من الوصايا والمقترحات لتعزيز تلك التجربة، ولعل اهمها واكثرها تكرارا هو تدوين سيرة كل شهيد من الشهداء، حتى وان كانت معلومات اولية عن الشهيد من خلال ما مدون عنهم في ادبيات الحزب او في ذاكرة رفاقهم ومحبيهم وذويهم. عملا بهذا المقترح بدأت بجمع ما يمكن جمعه من معلومات وكتابات عن الشهداء، فتراكم لدي الكثير منها، وحفاظا على هذا التاريخ الثر والناصع والنقي عملت على اصدار ما تجمع من صور وسير للشهداء على شكل سلسلة كتب، فجاء الجزء الاول منها بهذا الشكل الذي بين ايديكم على ان تتبعه اجزاء اخرى، وعسى ان ينال رضا القارئ الكريم والاصدقاء والمعارف وذوي الشهداء ومحبيهم ممن طالبوا بتدوين وتوثيق سير الشهداء وصورهم .
ترتيب مواضيع الكتاب جاء عفويا دون أي اعتبار فكلهم شهداء خالدون وكلهم قادة باستشهادهم البطولي وبعضهم من الجنود المجهولين في تاريخ الحركة  .
قبل الختام لا بد من القول ان كل ذلك كان بمجهود شخصي وفردي ودون أي دعم من أي جهة سواء سياسية او حكومية بل على العكس، حصلت بعض محاولات العرقلة لجهودنا من هذا الطرف او ذاك للتغطية على تكاسل واهمال البعض لملف الشهداء والمغيبين، علما ان هذا الطرف يغذي ارشيفه مما ننشر من صور للشهداء، وخصوصا النادرة والجديدة منها، دون تقييم او اعتراف بجهودنا .
استمرارا لنهجنا هذا نطلب من الجميع مساعدتنا برفدنا بما لديهم من معلومات وكتابات وصور لشهداء الحزب الشيوعي العراقي والحركة اليسارية في العراق لنتمكن من توثيقها في تلك السلسلة ويمكن ارسال ما لديهم ان رغبوا على البريد الالكتروني :
Email : [email protected]
المجد والخلود لشهداء
الحزب الشيوعي العراقي
والحركة اليسارية في العراق
ـــــــــــــــــــــ
* مقدمة الجزء الأول من سلسة كتب ( قناديل شيوعية عراقية … سير وصور لشهداء الحركة الشيوعية واليسارية في العراق ) قيد الاصدار في بغداد