23 ديسمبر، 2024 12:10 م

قناة الحرة تضر أمريكا ولم تنفعها

قناة الحرة تضر أمريكا ولم تنفعها

عندما بدأت قناة الحرة بثها في 14 فبراير 2004 أعلن ان الهدف الرئيس منها تحسين الصورة الأمريكية عند العراقيين خصوصا والشرق الأوسط عموما، وهي قناة حكومية يصل بثها الى 22 دولة في الشرق الأوسط، وهي ممنوعة من البث لداخل أمريكا، ميزانية السنة الأولى لها قدرت بـ 62 مليون دولار وأكثر من 40 مليون دولار للقناة الخاصة بشأن العراق (الحرة عراق)، وقد ذكر ان دافعي الضرائب الأمريكيين دفعوا 500 مليون دولار تقريبا لتمويل القناة.

وقد حققت نسبة مشاهدة عالية في المجتمع العراقي لتنوع برامجها، في حقوق المرأة وحرية التعبير، وحرية الأديان، وبرامج سياسية وخبرية، خصوصا نشرة الأخبار الرئيسة، وهي ترصد كل الفعاليات والأحداث الجارية في العراق تقريبا، وقد وصلت الى مستوى التأثير حتى على القرارات السياسية في بعض الأحيان، وهذا بفضل تفاعل المجتمع العراقي معها ومتابعته لها.

الا انها في المدة الأخيرة بدأت تتخذ منهجا خلاف ما تعلنه، من حرية الرأي وحرية الأديان، فلم تكن امينة في نقل الوقائع بشكلها الحقيقي الواقعي، نحن نعلم انها تنتقي ما يلائمها من اخبار او برامج ليوجهوا الرأي العام بالاتجاه الذي تريده القناة. وهذا بالامكان تقبله بدرجة من الدرجات، الا ان احداثا مهمة تظهر وتبرز الرأي العام الحقيقي لا يمكن اغفالها بحال من الاحوال، والتركيز على احداث ليس ذات شأن وجعلها في مقام الرأي العام وتسويقه على هذا الشكل، وهذا بكل تأكيد بدأ يؤثر على الغاية التي من اجلها أسست هذه القناة، بل العكس هو الصحيح فإن المجتمع العراقي او النسبة الكبيرة منه فقد الثقة بالمدعيات التي تدعيها الحكومة الأمريكية التي تقف وراؤها، من نشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الفرد وغيرها من العناوين البراقة. وهذا سيخسر الحكومة الأمريكية الكثير. فكلما اهتمت بالقضايا التي تمس اكبر عدد ممكن من الناس كان حجم تأثيرها اكبر واهم.

وعلى سبيل المثال، التوجه الواضح من قبلها ضد قانون الأحوال الشخصية الجعفري، سواء كان في عرض المظاهرات الرافضة لهذا القانون وهي لا ترتقي الى المستوى الذي يشكل رأيا عاما حقيقيا، وانما هي مظاهر لبعض من لا يهمه الامر، او ان هذا القانون لم يوضع لهم، وانما هناك شريحة عظمى تطالب به عانت الكثير من القانون الحالي وهو لا يلبي طموحهم. فكثير ممن خرج لرفض القانون هو من ديانة اخرى او مذهب اخر، الا اننا رأينا كيف تم عرض هذه المظاهرات الرافضة وهي لا تشكل عددا معتد به حتى يتم الاهتمام بها بهذا الشكل.

في حين ان المطالبين بهذا القانون خرجوا بشكل منقطع النظير دعما له وتأييدا له، فهي رغبتهم في اتخاذ القانون الذي ينظم شؤونهم بحسب ما يرون والدستور كفل لهم هذه الحرية، فهل شهد العراق مظاهرة كالتي رأيناها في البصرة يوم السبت الموافق 15/3 ؟ والعدد الكبير من النساء اللاتي تظاهرن يطالبن بإقرار هذا القانون، فضلا عن باقي المحافظات التي طالبت بالمطالب نفسها. فهذه الممارسة الجبارة التي قلما يشهدها اهل العراق، لم تذكرها قناة الحرة، ولم تذكرها بأي طريقة كانت. فهل يصح ان تركز القناة على مظاهرة لعشرات النسوة وتغمض عينها عن مظاهرة خرج بها عشرات الالاف؟ فهل هذا هو العدل والانصاف؟ هل هذه الطريقة ستحسن صورة امريكا في عيون العراقيين؟ ام انها ستسود صورتها اكثر مما هي عليه؟

فضلا عن كثرة البرامج التي خصصت لمناقشة القانون الجعفري وايهام المشاهد بوجود نقاط ضعف فيه، وانه ضد حقوق المرأة وانه يثير الطائفية او انه لاغراض انتخابية..

فهذا الموقف الذي اتخذته ادارة القناة ليس بصالحها بكل وضوح، لاعتقادي ان هناك كثيرا من المواقف التاريخية تتكرر، والانسان العاقل يستطيع الانتفاع من الاحداث التاريخية ويتجنب الوقوع في المحاذير.

عندما اسقط النظام في نيسان عام 2003 كان الامريكان يظنون ان الذي يمثل قيادة العراق هم فقط من جاء من خارجه (المعارضة السابقة) ولا يوجد داخل العراق أي قيادة يمكن ان تشارك في قيادة العراق الجديد. الا ان الحراك الذي اوجده الشيخ اليعقوبي فاجئ المحتل بأن الخارطة التي يعتقدون بصحتها هي بعيدة كل البعد عن الواقع. وسأذكرهم ان نسوا ببعض المواقف:

ــ كانت البصرة من حصة البريطانيين، والدنماركيون في القرنة شمال البصرة ولهم قنصلية في البصرة، وقررت الادارة المدنية لقوات الاحتلال تشكيل مجلس محافظة يعينوه هم من التكنوقراط ويكون المحافظ دانماركيا، ولم تبدِ الاحزاب والقوى السياسية (التي تجاوز عددها الثلاثين) اسلامية وغير اسلامية أي اعتراض (وهي التي رضيت فيما بعد بخطوة مماثلة بتأسيس مجلس الحكم في بغداد).

لكن الفضلاء المرتبطين بمرجعية سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) عقدوا اجتماعا واتفقوا على تنظيم مظاهرة احتجاجية ـــ طبعا بتوجيه منه دام ظله ـــ يوم 31/5/2003 وهو موعد الاجتماع الاول لمجلس المحافظة التكنوقراط المعين من قبل الاحتلال.

وسارت التظاهرة التي قدر المشاركون فيها بـ (50) الفا الى مبنى محافظة البصرة حيث تقرر عقد اجتماع المجلس المعين واسفرت عن الغاء الاجتماع، وفاوض البريطانيون جماعة الفضلاء من خلال الناطق بإسمهم (الشيخ خزعل الساعدي) . لكن تراخي القوى السياسية الاخرى وترك ابناء المرجعية الرشيدة وحدهم في الساحة دفع البريطانيين الى الاصرار على مشروعهم.

فقررت جماعة الفضلاء القيام بتظاهرة اخرى يوم 14/6/2003 وهو الموعد الجديد لعقد اجتماع المجلس المعين من قبل الاحتلال، وكانت التظاهرة اكبر من الاولى حيث قدر المشاركون بمائة الف او اكثر، وسارت مسافة طويلة من البصرة القديمة الى القصور الرئاسية حيث قرر الاحتلال عقد الاجتماع تحت حمايته، واعيد تقديم المطالب وكادت تفلت زمام الامور  حيث رمى بعض المتظاهرين بالحجارة الشاحنات التابعة للاحتلال وعلى اثر ذلك رضخ البريطانيون ولكنهم اصروا على اشراك القوى السياسية الاخرى،  وبعد مفاوضات صعبة تمت الموافقة على تشكيل مجلس المحافظة من التكنوقراط الذين لا ينتمون الى الاحزاب التي ترشحهم، ويكون عدد الاعضاء (30) ترشح جماعة الفضلاء (12) وجميع الاحزاب الاسلامية وغير الاسلامية (12) والباقي من المستقلين، وانتخب المجلس القاضي وائل عبد اللطيف محافظا. (انظر، اليعقوبي ، محمد، خطاب المرحلة ج3 ص 58ــ 59).

ـــ وعند تشكيل مجلس الحكم واعلنوا عنه في بعض الصحف، وعن صلاحياته، اصدر الشيخ اليعقوبي بيانا تحت عنوان الموقف من تشكيل مجلس الحكم، اوضح فيه كل نقاط الضعف والخلل، سواء على مستوى الشخوص وما يمثلون، او على مستوى الصلاحيات. وقد جاء فيه: (وبغض النظر عن الاهمية السياسية للمشاركين في المجلس ومساعيهم في تحرير البلد، الا ان الاصرار على تغييب عراقيي الداخل امر لا يمكن قبوله فإنهم الذين اضطهدوا وحرموا وهم الذين صنعوا التغيير بشكل اساسي عبر جهادهم الطويل، وهم الذين يشكلون التركيبة السكانية للمجتمع العراقي وفيهم الكفاءات والقدرات الخلاقة ولا يمكن اهمال دورهم في بناء مستقبل البلد). انظر، المصدر السابق، ج3 ص 120.

بعدها دعا سماحة الشيخ اليعقوبي الى مظاهرات في بغداد اعتراضا على تشكيل مجلس الحكم في الصحن الكاظمي الشريف يوم 15/7/2003 وقد تلي بيان سماحته على الحشود المجتمعة(انظر، المصدر السابق، ج3 ص 125) كما خرجت مظاهرات في باقي المحافظات دعما للمتظاهرين في بغداد، وفي اليوم قام الدكتور احمد الجلبي عضو مجلس الحكم واحد الرؤساء الدوريين للمجلس بزيارة سماحة الشيخ اليعقوبي في مكتبه للاستماع الى مطالب سماحته والاستفادة من توجيهاته قبل مغادرته الى الولايات المتحدة ليترأس وفد العراق في اجتماعات مجلس الامن الدولي. حتى بول بريمر استغرب من وجود تيار رافض لهذه السياسة لانه اقنع بعدم وجود غير الاحزاب والتوجهات المعارضة. بعدها اجريت تعديلات على ما كان مرسوما.

هذه هي القيادة التي تحاول قناة الحرة ومن يقف خلفها ان يعتموا عليها، او يشوه صورتها امام الاخرين، فإحذروا من تكرر المواقف، فهذه القيادة هي الفاعلة بالدرجة الاساس في الساحة العراقية لا غيرها، فمهما حاولتم دعم توجه او اشخاص تظنون انهم يمكن ان يحققوا لكم نصرا فأنتم واهمون، عليكم بمراجعة الحسابات بشكل اكثر دقة ولا ترتكبوا مزيدا من الحماقات…