23 ديسمبر، 2024 11:02 ص

(قناة البغدادية)  والدفاع عن القطاع الصناعي

(قناة البغدادية)  والدفاع عن القطاع الصناعي

الصناعة مشروع وطني يحتاج لإرادة وطنية صادقة
ينتابني الحزن كلما طرحت قناة (البغدادية) قضية الصناعة العراقية الوطنية أو عرضت مشاهد من تظاهرات العاملين في منشآت وزارة الصناعة وهم يطالبون بحقوقهم في صرف رواتبهم، فقد قضيت كإعلامي في قطاع الصناعة أكثر من عقدين من السنوات، وتجولت في هذه المنشآت وشهدت بعضها وهي معدات ومكائن في الصناديق، وشهدتها وهي ترفد السوق بمنتجات نالت ثقة المستهلك شاء من شاء وأبى من أبى!!
أعرف أن هناك من لن تعجبه سطوري هذه، فحين كتبت مقالي (التخصيص بين (صديق الرئيس فولي) وصديقنا – يعقوب ونشر في جريدة (الزمان) البغدادية في 2003 / 8 / 20 واعيد نشره  في عدد من المواقع رابطه:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=9365
اتهمني  أحد (المتربللين) الجدد بأ نني (شيوعي متخلف) متمسك بقطاع الدولة  في وقت يتجه فيه العالم كله نحو (التخصيص) للتخلص من (الفساد) و(الروتين)!! على اعتبار أن العاملين في القطاع الخاص حاليا (ملائكة)!!
وحين كتبت مقالي (انطباعات أولية عن المشهد العراقي صناعات قضت نحبها  وأخرى تنتظر) من بغداد ونشر في نفس الجريدة ببغداد في 27 -5 2004 رابطه:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=18631
اتهمني أحد الذين (نقلوا) خدماتهم من حزب البعث إلى  (حزب الدعوة) بأنني أحن إلى الماضي ..
اما حين كتبت مقالتي (حين لا ترى بعض (العيون) سوى السواد….عن الصناعة في العراق وما يكتب عنها!! هذا ما بناه (النظام الدكتاتوري) وهذا ما دمرته (ديمقراطية العراق الجديد) في 1-5-2008 رابطها:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=133109
وهي مقالة حظيت باهتمام كبير وتناقلتها العشرات من المواقع الالكترونية، وتفضل بترجمتها مشكورين إلى اللغتين الانكليزية والفرنسية عراقيون حريصون على أن لا تضيع الحقيقة، ونشرت مقاطع منها في مطبوعات أمريكية.
 يومها ذهب بعض  (المكارثيين الجدد) الذين يعملون تحت اسم (الحركة الشعبية لاجتثاث البعث) إلى أبعد من  مهاجمتي كتابيا فأدرجوا اسمي ضمن ما يسمونه قائمة (سوداء)، ووضعوا أمامه تعريفا يقول (صحفي كان ناشطا في النقابات البعثية، شغل مناصب مهمة في نقابة الصحفيين بترشيح مباشر من المجرم عدي صدام حسين يعمل حاليا في جريدة البلاد في كندا). ويشهد الله والعاملون مع عدي من الأحياء أنني لم ألتقِه في حياتي، وأن عملي في نقابة الصحفيين سبق مجيء عدي للنقابة بسنوات، وكان ترشحي في الانتخابات كمستقل، ويشهد بذلك من عمل على إنجاحي في الانتخابات من الأحياء. وأذكر منهم الزملاء مريم السناطي ونرمين المفتي وفلاح العتابي وعبدالكريم سعدون ورعد اليوسف وعبدالرحمن عناد ومنذر آل جعفر وعلاء لفته وقيس بهنام وصادق الجابر، ومن الراحلين رحمهم الله شهاب التميمي وضرغام هاشم وطه عارف  وآخرين لا تحضرني أسماؤهم الان، وكان نقباء الصحفيين يومها الراحل طه البصري ومن بعده الدكتور صباح ياسين ولم يكن لعدي يومها أي علاقة بالعمل النقابي.  وحين كان عدي في النقابة كنت أنا خارج العراق، وأتحدى هؤلاء (المكارثيين) أن يقدموا دليلا واحدا يثبت صدق ما كتبوا. السبب في كل ذلك هو انحيازي للصناعة العراقية كمشروع وطني أنشئ بأموال عراقية ونفذته عقول عراقية وأدارته عقول عراقية، فشهد طفرة في السبعينات والثمانينات  مكنته من نيل ثقة العراقيين.
مشكلة هؤلاء (المكارثيين الجدد) أنهم يعتبرون كل ما تحقق منجزات (صدامية) يجب محوها من الذاكرة العراقية، بينما هي في حقيقتها منجزات عقول عراقية وسواعد عراقية، وأغلب تلك العقول درست في جامعات عراقية وعالمية إبان العهد الملكي وعهد الزعيم عبدالكريم قاسم. وما يذكر من حسنة للنظام السياسي في هذا المجال هو أنه فسح المجال أمامها واسعا للإبداع. هؤلاء المتخلفون يصرون أيضا على شيطنة التصنيع العسكري ويعتبرونه ملكا (لحسين كامل)، فيما  كان التصنيع العسكري يضم عبقريات وكفاءات عراقية لو أردت ان أعدّها لاحتجت إلى صفحات طوال. هؤلاء تمكنوا من إرساء الأسس لقيام صناعات ثقيلة في العراق، سرقت معداتها ونقلت إلى دول الجوار تحت سمع الاحتلال وحكوماته في عام 2003.
لقد شهدت بأم عيني الدولة العراقية وهي تضع استرتيجيات للنهوض بالقطاع الصناعي الذي جعلت له هدفين: الأول اقتصادي والثاني اجتماعي، فوزعت المشاريع الصناعية على المحافظات توزيعا جغرافيا وفر الآلاف من فرص العمل لأبناء تلك المحافظات، وعملت على تعزيز دور مراكز البحث والتطوير في المؤسسات الصناعية، ونتيجة لذلك، أصبح هذا القطاع هدفا مباشرا إبان الحصار الظالم على العراق، فمنع من عمليات  التحديث والتطوير وحوصرت صناعاته المدنية، مما أدى إلى تقادمها وتهالكها، ووصل الأمر إلى حد منع وصول المجلات والمطبوعات المتخصصة للمنشآت ومصادرتها، وحين جاء الاحتلال، كان في مقدمة أهدافه إنهاء هذا القطاع وتصفيته. وقد روى لي صديق أكاديمي له صلات واسعة، أن بريمر أشار في إحدى جلساته مع عراقيين ممن تعاونوا مع الاحتلال إلى أنه حين تشكيل مجلس الحكم كان يبحث عن شخصية كردية مستقلة، ورشح له البعض عزيز محمد السكرتير السابق للحزب الشيوعي، ولكن بريمر استبعده بعد أن التقاه مرة واحدة  قائلا لمن رشحه إن (فكره قديم وإنه متمسك بالقطاع العام). وهذا يعطي فكرة واضحة عن الموقف المسبق من الصناعة العراقية.
لقد أشاع الاحتلال وحكوماته المتعاقبة سياسة فتح الباب على مصراعيه أمام الاستيراد، وأصبح الجميع يتحدث عن إن (صناعتنا ليست اقتصادية) وإن المستورد أرخص، فوصل الأمر إلى ماوصل إليه اليوم.
وتحضرني هنا صور لعاملين في منشآت القطاع الصناعي عرضها الزميل أنور الحمداني على (قناة البغدادية)  أولها لعاملة من المنشأة العامة للنسيج في الحلة ظهرت على الشاشة الرائدة (البغدادية) وهي تحمل بعضا من منتجات معامل المنشأة قائلة أمام الكاميرا (يمعودين إذا إنتاجنا أغلى من المستورد شوية ما تفكرون بأن الفلوس راح تروح من الإيد اليمنى للإيد اليسرى، والناس راح تشتغل وتاخذ رواتبها)! هذه السيدة الرائعة لخصت الدور الاجتماعي للصناعة ببساطة يتجاهلها القائمون على الاقتصاد في عراق اليوم. سأضيف لكلام هذه السيدة  واقعة نفذها باراك أوباما رئيس أكبر دولة رأسمالية في العالم حين بدأ خطواته لتحريك الاقتصاد الأمريكي قبل عامين، لقد فرض يومها نوعا من  الحماية على الإنتاج الوطني بفرض استخدام المنتجات الأمريكية في مشاريع التنمية الكبيرة لفترة من الزمن، حتى وإن كان هذا الإنتاج لا ينافس سعريا مثيله الكندي أو المكسيكي رغم أن بين هذه الدول اتفاقيات تجارة تمنع الحماية للإنتاج الوطني،  ورغم اعتراض أطراف في هذه الدول.
صورة أخرى لعامل في المنشأة العامة للصناعات المطاطية في الديوانية قال أمام الكاميرا إن تقدم الأمم هو بصناعاتها وليس بما تستورده من هنا وهناك. وأشير هنا إلى أن المنشأة التي يعمل فيها هذا العامل الوطني الغيور اعتمدت في إنتاجها حين تم إنشاؤها مواصفات عالمية يفتقد أغلب الإنتاج المستورد في عراق اليوم لتلك المواصفات.
نعود لحديثنا ذي الشجون عن الصناعة العراقية، لقد أشارت (البغدادية) أكثر من مرة في برامجها أن تخصيصات وزارة الصناعة خلال سنوات ما بعد الاحتلال بلغت 15 مليار دولار!! وأسأل هنا  المسؤولين في الدولة العراقية الذين اعتادوا الحديث عن الاستثمار والتنمية و … و   ماذا لو قسم هذا المبلغ وخصص منه 5 مليارات فقط لإعادة تأهيل قطاع الصناعات الإنشائية السمنت والطابوق والزجاج والكاشي، وهو قطاع  يعتمد في إنتاجه على أكثر من 90 % من المواد الأولية المحلية ويحقق أرباحا جيدة تدعم القطاع الصناعي وتوفر السلع للمستهلكين !
ماذا لو صرف ملياران أو ثلاثة مليارات لإعادة تأهيل صناعة الأسمدة الكيماوية والفوسفاتية، وهي صناعة ناجحة أثبتت مكانتها حتى في مجال التصدير؟
ماذا لو خصصت بعض المليارات من الـ (1000) مليار التي أنفقت خلال سنوات ما بعد الاحتلال، وخاصة سنوات حكم المالكي وتحدث عنها نائب رئيس الوزراء بهاء الأعرجي للقطاع الصناعي ؟
ماذا؟ وماذا؟ وماذا؟ أنا  لست ضد القطاع الخاص، بالعكس، القطاع الخاص أساسي في عملية التنمية، ولكن كيف؟
هل بأن نبيعه مصانع تعتمد في إنتاجها المواد الأولية المحلية (بتراب الفلوس) ثم نترك له تحديد سياساته السعرية على حساب المستهلك، ونترك له حرية (التخلص) من كادر تلك المصانع من العاملين الذين أفنوا شبابهم في خدمتها؟
أم أن نبيعه المصانع المتهالكة ليصفيها كخردة ويتصرف بموجوداتها العقارية لأغراض غير الصناعة؟
لماذا فكرنا في أن (نعرض) النفط للمشاركة، ولم نفكر بتطوير وتحديث صناعاتنا عن طريق المشاركة إذا كانت الدولة غير قادرة على التمويل الاستثماري اليوم؟
وسأجيب على هذا السؤال بنفسي، فقد أتحفنا (الإعلام) أكثر من مرة بأرقام المليارات التي تصدر لنا فيها منتجات صناعية من دول الجوار وتحديدا (إيران) و(تركيا)، وفتش عن المستفيد!!
لقد تحدث رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي عن القطاع الخاص وأهمية مساهمته في عملية البناء، وأقول هنا إن القطاع الخاص العراقي بني في الخمسينات والستينات على يد عقول عراقية وطنية آمنت بالصناعة ودعمتها الدولة، وقد وجهت للسيد رئيس الوزراء رسالة كنت أتمنى أن يقرأها وهي على الرابط:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=455602
وأكرر سؤالي للسيد رئيس الوزراء: أين الآليات التي سيعمل بموجبها لإعادة الحياة للقطاع الصناعي الخاص؟
وكيف سيستطيع هذا القطاع العودة للإنتاج، والمنافسة على أشدها، وهي منافسة غير عادلة، فالمصنع العراقي كلفه مرتفعة بسبب غياب البنى التحتية الأساسية للصناعة وأهمها الطاقة الكهربائية، وليست له أية محفزات مالية، فهو يشتري الدولار لأغراض استيراد المكائن والمعدات والمواد الأولية بنفس السعر الذي يشتريه (المهربون) من أدعياء الاستثمار في عراق اليوم، والذين فضحتهم  (قناة البغدادية) في أكثر من مجال، وهم لم يبنوا في العراق بالدولارات التي اشتروها  من البنك المركزي مصنعا أو حتى ورشة!! كما إنه لا يتمتع بأي نوع من الحماية الصناعية التي كانت تتم في العهد السابق وفق دراسات ومعايير يشترك فيها الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية ووزارة التجارة واتحاد الصناعات العراقي والتنمية الصناعية.
ثم لماذا لا يشكل السيد رئيس الوزراء لجنة لدراسة تجربة القطاع المختلط (وقد تكون هي الأنسب في المرحلة الحالية) إذا ما حظيت بالرعاية والاهتمام والحماية وبعض رموز تأسيس هذا القطاع أحياء ما زالوا يمارسون عملهم (أحمد عبدالرافع – طارق الربيعي) الصناعات الإلكترونية مثلا. ويمكن لهؤلاء أن يقدموا خبرتهم الطويلة في هذا المجال .
أيها السادة، أكرر ما قلته سابقا، الصناعة مشروع وطني يحتاج الى إرادة وطنية حقيقية ..
واختم بمشهد آخر راقبته قبل فترة على  (قناة البغدادية)، كان المشهد لمزارعي الطماطة الذين كانوا يشكون من تكدس إنتاجهم بسبب المنافسة من المستورد وعدم وجود جهات تصنيع كافية لاستلامه. وأذكر هنا وللتاريخ أن المدير العام لمنشأة التعليب في كربلاء المهندس الراحل  لميع غائب كان يعلن حالة (الإنذار) في مصانع  منشأته ويطلب صلاحيات استثنائية من الوزارة  خلال موسم نضوج الطماطة للعمل على مدى 24 ساعة من أجل أن يسوّق المزارعون إنتاجهم ولايتعرض للتلف، وهي صورة من صور تكامل الإنتاج الوطني .
أما موقف (البغدادية) الرائع في الدفاع عن الصناعة والعاملين فيها فسيحولها  على المواقع والقنوات التي بات معروفا من
(يمولها) ويقف وراءها إلى (قناة بعثية) أو أن (عدي) كان وراء تأسيسها!!
ولاتستغربوا إذا ما قرأتم على تلك المواقع أن عون الخشلوك كان وراء تاسيس حزب البعث في العراق وأن أنور الحمداني كان
عضوا في القيادة القطرية  …..  وسلم لي على  (البيتنجان) كما يقول إخواننا المصريون .

[email protected]