8 أبريل، 2024 11:58 م
Search
Close this search box.

قناة البغدادية حكومة للظل !

Facebook
Twitter
LinkedIn

ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 وبعدما أستلم بول بريمر كحاكم مدني للعراق ، دعي هذا الحاكم العديد من الصحفيين والإعلاميين الموجودين بالداخل إضافة للذين وفدوا مع القوات المحتلة إلى اجتماع موسع في المنطقة الخضراء وأبلغهم مقترحاته الواضحة وقدم لهم المغريات المادية والدعم الحكومي من أجل القيام بإنشاء عدد من القنوات الفضائية والصحف والمواقع الالكترونية التي ستعمل لخدمة المشروع الأمريكي تحت عنوان الديمقراطية الجديدة للعراق ونشر حرية الرأي والتعبير وفق المنظور الأمريكي ، وقد استجاب العديد ، وبالفعل طلت علينا عشرات الصحف والإذاعات والفضائيات وأصبح الواقع ألأعلامي مشوشا حتى كاد المتلقي من المواطنين البسطاء أن ينجرف مع ما تم طرحه من دون وعي وإدراك لخطورة السلاح الإعلامي الفتاك ، ولم يكن من السهل الفرز والتمحيص بين هذا الكم الواسع إلا بعد حين .

كنت أراقب بعين المختص وكان الفرز بالنسبة للمختصين أسرع وأكثر مهنية في قراءة ما خلف السطور ، وكانت قناة البغدادية حاضرة في وسط هذا المخاض ولكنها كانت مميزة بطلتها وأطروحاتها بشكل واضح ، خاصة وإنها اتكأت على نفسها ولم تكن ضمن الجمع الحاضر مع النفس الأمريكي أو الدائرين بفلكه ، وهذا ما تسبب لها لاحقا بوجع كبير ومتواصل ، لأنها تمتلك إرادة مستقلة وطنية عراقية بامتياز ، أنا شخصيا ، حينما أعطي هذا التقييم البسيط لهكذا قناة ليس بدافع شخصي لأني لا أعرف أي شخص يعمل بهذه القناة إلا من خلال اللذين يطلون علينا عبر شاشتها فقط ، وهذا حال الملايين من المتابعين لها .

ولكني وجدتها بالفعل وكأنها حكومة للظل ، تطرح وتقترح وتحاسب ، وتفضح الفاسدين بغض النظر عن مناصبهم وتأثيرهم السياسي ولم أجدها خائفة أو تحابي السلطان ، ولم نلمس منها توجها أو طرحا طائفيا يميل حينما تميل الأوزان ، وتقدم المنافع ، فحينما نجد جنديا مجهولا يدافع بمنتهى الصدق والإبداع والحرفية عن مصالح الجياع والمغيبين أسمه ( البغدادية ) يصبح لزاما علينا أن نقدم العرفان لها ولكوادرها التي تعرضت للأذى والسجن والاغتيال والملاحقة ، وكأنها طرفا سياسيا يعمل بالساحة وله أيدلوجيات معروفة وأنصار وإتباع ، فوجدنا وشاهدنا كيف اهتز عرش الحاكم ولم يتمكن من لجم غضبه ، فسخٌر أنصاره في وزارة الداخلية أيام حكمه وتسلطه لغلق مكاتبها والكيد لها حتى خلف الحدود وفي مقر بثها البعيد عن سلطته بالمال السياسي الفاسد أو بالتأثيرات والمحاباة ، وحتى حينما نصفها القضاء

بعد مماطلة واضحة ، بالرغم من أن بعض هذا القضاء لا يخفي ولائه للحاكم في تلك الحقبة المظلمة التي مرت بنا ، لم يضع ذاك الحاكم وزبانيته قطرة خجل في جبينه لينفذ الأمر القضائي ، على أقل تقدير ليوحي للناس أنه دولة قانون كما يدعي ويسمي نفسه وكتلته ، حكومة الظل التي تمارسها البغدادية بتجرد ووطنية واضحة ، تتطلب من الجميع أن يدعمونها ويستفيدون من جرأتها لرفع المعنويات ، حينما نجد أن خمسمائة من العاملين بتلك القناة كما أعتقد إن هذا الرقم قريب من الصحة ، قد تمكنوا من تغيير الكثير وكشف المستور والدفاع عن مصالح الشعب المهدورة ، فكيف بشعب تحمل الجراحات تلو الجراحات حينما يتوحد فينتفض على الواقع الفاسد كي يطرد العملاء كما طرد المحتل ، وأن يوقف مخططات تقسيم العراق والأصوات النكرة التي تنادي بذلك شمالا وجنوبا تحت عنوان ما يسمى بالفيدرالية .

شكرا لك أيتها البغدادية ، لتكونين مثلا لحكومة ظل اختارت لنفسها طريق الصعاب ، كنت ولا تزالين قدوة زرعت الأمل بالنفوس ليس لمواجهة الحكام والمسئولين الفاسدين فحسب ، بل لمواجهة القنوات التي تنثر السموم والطائفية هنا وهناك ، لتعلمينهم معنى المهنية بالعمل الإعلامي وفق أصولة وحرفيته حفظ الله شعب وأرض العراق وبغداديتنا الأصيلة .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب