يمر العالم اليوم بأزماتٍ طاحنة على كافة الأصعدة ويواجه العديد من التحديات والتهديدات والمخاوف، فشبح الأزمات الإقتصادية والإجتماعية يخيم على العديد من البلدان ولكل أزمةٍ تأثيرها وأبعادها والتي تتسبب بدورها بأزماتٍ أخرى، فالوضع الأمني والمعيشي والصحي غير مستقر وأثبتت الأحداث المتلاحقة هشاشته حتى في كبرى الدول..
لكن ماذا عن المجتمعات المتوسطة والفقيرة وماذا عن البلاد العربية التي تمتلك اقتصاداً ضعيفاً وتعاني أيضاً من عدة أزماتٍ داخلية؟ وما انعكاسه من الناحية النفسية والأخلاقية على سلوك أبنائها اليومي ومشاعرهم ؟ وهل تدفع هذه الحالة المجتمعات للتبلد واليأس ولأن تصبح أكثر لا مبالاة وأقل إنسانية وتسامحاً ؟خصوصاً وأن العديد من الإحصائيات في الدول الغربية تشير إلى إرتفاع معدلات العنف والجريمة وبالأخص ضد المهاجرين واللاجئين القادمين من البلدان العربية أو افريقيا أو آسيا كما وسجلت على غير المتوقع ارتفاع معدل العنف والجرائم ضد المرأة أيضاً، فماذا عن مجتمعاتنا التي ترزح تحت مجموعة ٍ كبيرة من الضغوطات في نفس الوقت وماذا عن المجتمعات الفقيرة في بقية أنحاء العالم ؟، وهل أصبح الحديث عن الإنسانية والتسامح والتعايش وأهمية الثقافة والتربية إلى جانب التعليم نوعاً من الرفاهية في ظل السعي المستمر من الناس لتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة للوصول إلى حد الكفاف بالنسبة لشريحة واسعة آخذة بالتزايد خصوصاً مع تزايد ارتفاع الأسعار والذي يترافق حالياً مع وضعٍ غير متضح المعالم ومفتوح على كل الإحتمالات بسبب التداعيات الإقتصادية التي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية وتضررت منها العديد من الدول ومنها بلادنا إلى جانب انعكاسها على سلوك كافة الشعوب وحالتهم النفسية، والذي يرتبط بكل تأكيد مع ازدياد معدلات الإكتئاب واستخدام المهدئات والعقاقير الطبية والتي قد تعد أيضاً رغم ضرورتها أمراً ثانوياً في ظل اختفاء أو نقص العديد من الأدوية الأساسية التي لا يمكن الإستغناء عنها..
ومما لا شك فيه أن الإستقرار في حياة الإنسان قد يكون عاملاً مهماً في سلامته النفسية لكن ذلك ليس بالضرورة حتمياً..
اليوم نلاحظ تزايد نوبات الغضب والقلق والإحباط والعنف النفسي واللفظي والجسدي وازدياد حالات الإغتصاب والتحرش الجنسي والتنمر والإبتزاز بكافة صوره، وقد لا نستطيع الحصول على نتائج موثوقة لعدم توفر احصائيات دقيقة وخوف الناس من ردة فعل المجتمع لأسباب تتعلق بالثقافة التي يعتنقها الكثيرون وقد تلوم الضحية اذا تحدثت أو لم ترضخ وتطالبها بالصمت رجالاً كانوا أم نساءاً، فهذا الشكل من العنف غالباً يقوم على الإستهداف لضحايا ضعيفين من الجنسين أو الأطفال والتي تتحول الى وصمة عار تطاردهم في حياتهم وتؤثر عليها بشكل كبير برغم حملات التوعية المتزايدة بإستمرار..
وهنا يجدر علينا التفكير بشكل جدي عن أثر الأزمات المختلفة التي نعيشها كبشر، وانعكاسها على مشاعرنا، أولوياتنا، مبادئنا ونظرتنا للأمور والآخرين، والتي قد تجعل منا دون أن ننتبه نخسر من رصيدنا الإنساني في حالة تأرجح بين برود الملامح وغليان الأعماق، مما يحولنا تدريجياً إلى قنبلة ٍ موقوتة قد لا نعرف أنها مزروعة ٌ في صدورنا وتحتاج إلى نزع فتيلها أملاً في اجتياز المرحلة التي نعيشها رغم كل الصعوبات التي تحيط بنا..